عز الدين البغدادي
تسمع أحيانا بعض الشباب وهو يتحدث عن المرحلة الذهبية
للعراق في أيام حكم صدام، هناك أشخاص يمجدونه لأسباب طائفية أو لكونه هو أساسا
صدامي الهوى. لكن كثير من هؤلاء كانوا أطفالا صغارا وبعضهم لم يكن قد ولد بعد،. لم
يعش كثير من هؤلاء الرعب الذي كان يدب في كل مكان، والفقر والاهانة التي كان
المواطن يستشعرها.. ومع ذلك ولأني منصف فأنا أقول بأن عصر صدام أفضل من هذا العصر،
أو بتعبير أفضل ان هذا العصر اسوأ قطعا من عهد صدام حتى لا استعمل كلمة أفضل او أحسن
مع صدام.
هذه القضية ذكرتها كشاهد على ما تسمعه من مديح مبالغ
فيه للعهد الملكي ومن نقد مبالغ فيه لثورة تموز، من بعض الأشخاص، تمنيت ان يسأل
هؤلاء آباءهم وأجدادهم عما كان يتعرض له آجدادهم من ظلم الإقطاع، لا يعرف هؤلاء ان
الفلاح كان يعمل اجيرا في ارضه يهان ويستعبد، احد الإقطاعيين كان أنشأ غرفة صغيرة
ملأها نفطا الى النصف واذا اراد ان يعاقب فلاحا ادخله فيها الى ان يعفو عنه
واحيانا يتسمم الفلاح بما ينفذ من النفط عبر مسامات جلده او بسبب استنشاق الغازات
المنبعثة من النفط. واحيانا يضع قططا في كيس ويضع راس الفلاح فيه، يراه يضرح
ويتوسل وهو يضحك، ليس هناك قانون ينصف الفلاح لأنه يخضع الى قانون دعاوي العشائر
وهو قانون لا يدين الإقطاعي ابدا مهما فعل وفعل. نسبىة الوفيات بين الأطفال كانت
عالية جدا بل مرعبة جدا، والنفط ملك لبريطانيا استخراجا وتصديرا لا يحصل العراق
منه الا على شيء قليل محدود.
حدثت ثورة تموز، وكان من وقائعها الهامة قيام ضابط
بفتح النار على الاسرة الحاكمة، وكل المصادر تؤكد ان عبد الستار العبوسي لم يكن
جزء من الثورة ولا مبلغا بها، لكنه مع 20 جنديا هجموا على قصر الرحاب، وحصل ما حصل.
ورغم انه حادث مؤسف الا ان دماء هؤلاء ليست اعز ولا اغلى من دماء العراقيين الذين
قتلوا في ذلك العهد او الذين ماتوا بسبب الفقر وانعدام العلاج او عشرات الآلاف ممن
أسقطت عنهم الجنسية وطردوا واهينوا من بلدهم.
ثورة تموز كانت ثورة فيها أخطاء، وقاسم كأي انسان له
اخطاؤه خصوصا وان قوى كثيرة تألبت ضده، ولا سيما وان عبد الناصر الذي كان يريد من
الكل ان يسير خلفه عمل كل ما في وسعه لتدمير تلك التجربة التي انتهت بعد اربع
سنوات بعد ان حققت الكثير الكثير للوطن وللشعب. رغم اني عرف ان كثيرا ممن ينتقد
قاسم ينتقده لاسباب طائفية لم تكن في باله كوطني شريف عندما بنى دورا للفقراء في
بغداد أو لأسباب دينية مغلوطة او لأنهم خاضعون لقوى خارج العراق لم تكن ترغب بقاسم.
في هذه السنوات، وبسبب الفشل الذي حصل في بلدان عربية
كثيرة، وبسبب الفلسفة الحياتية الجديدة صار الحديث عن الوطنية والامة والطبقات الاجتماعية
المسحوقة كلاما غريبا غير مقبول، وصار البديل هو الحديث عن الطائفة والعشيرة وما
الى ذلك، صارت الكرامة والعزة والاستقلال كلمات غريبة مرفوضة عند كثيرين. وصرت
تسمع انتقادات لاذعة ضد ثورة العشرين او ثورة تموز او غيرها. الفرنسيون لا زالوا
يحتفلون بكل فخر واعتزاز بثورتهم الكبرى سنة 1789 رغم ما ارتكب فيها من جرائم
مرعبة ورغم فشلها في تحقيق كثير من أهدافها باستثناء الحكم الملكي الذي رجع اليها أيضا
عن طريق الثورة.
واضح إننا نعيش أزمة ليست منهجية فقط بل وأخلاقية
كبيرة بل وخطيرة، حتى وصل الأمر بالسيد جمال الكربولي لإعلان انتقاده للثورة ووصفه
لها بأنه انقلاب، وإنها مؤامرة.. يا سيد كربولي، باختصار: اعد ما سرقته ثم تكلم عن
الوطنية او عن الشرف، فهذه كلمات لا يعرف قيمتها إلا الوطنيون الشرفاء.
يا سيد كربولي اذا كان ثورة الضباط الأحرار مؤامرة؛
فماذا تسمي وجودك وأنت المتهم بقضايا اقتصادية وأخلاقية لا تعد ولا تحصى؟ لكن رحم
الله المتنبي حيث قال:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي باني كامل
(لاحظ صورة تغريدة الكربولي في التعليق السابع)
0 تعليقات