علي الأصولي
الباحث في الشأن الكربلائي الخطيب الحسيني عقيل الحمداني، له كتاب
عنوانه ( ثقة الحسين -ع - سيرة القائد مسلم برؤية تاريخية جديدة ).
نقل الشيخ نصوص تاريخية في سيرة مسلم على ايام حضوره بالكوفة نقلا
عن صاحب المقتل ( أبي مخنف ) وأفاد الشيخ حول هذه النصوص بما نصه : نصوص لا تصح في
دراسة سيرة مسلم بن عقيل (ع) وساق ما قاله أبو مخنف إذ قال: - فحدثني المجالد بن
سعيد :
فمشى حتى انتهى إلى باب امرأة يقال لها : طوعة أم ولد كانت للأشعث
بن قيس فاعتقها فتزوجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالا .
وكان بلال قد خرج مع الناس وأمه قائمة تنتظره ، فسلم عليها ابن
عقيل ، فردت عليه ، فقال لها : يا امة الله اسقيني ماءا ، فدخلت فسقته فجلس ،
وأدخلت الإناء ثم خرجت فقالت : يا عبد الله الم تشرب ؟ قال : بلى ، قالت : فاذهب
إلى أهلك ،
فسكت ، ثم عادت فقالت مثل ذلك فسكت ، ثم قالت له : فئ لله سبحان
الله يا عبدالله فمر إلى اهلك عافاك الله فانه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا أحله
لك . فقام فقال يا امة الله مالي في هذا المصر منزل ولا عشيرة ، فهل لك إلى أجر..
ومعروف ولعلي مكافئتك به بعد اليوم ، فقالت يا عبدالله وما ذاك ؟
قال : أنا مسلم بن عقيل ، كذبني هؤلاء القوم وغروني قالت أنت مسلم ؟ قال : نعم ،
قالت : ادخل... الخ الخبر ،
وهذا الخبر ( والكلام للشيخ ) يحتاج إلى دراسة مستفيضة من حيث
السند إذ أن راويه رجل اشتهر بضعفه وكذبه كما قدمنا ذلك واثبتناه عن كبار علماء
الجرح والتعديل او من حيث المتن المضطرب ..لعدة امور :
ان مسلم بن عقيل (ع) عاش ( 5 ) سنوات في الكوفة ايام حكومة عمه
امير المؤمنين (ع) وبالتالي كان اعرف الناس بجغرافيتها وتركيبتها السكانية ودورها
وبالأخص كان مسلم (ع) فارسا شجاعا ،
ويرد عليه: أن ما ذكره الشيخ الحمداني عبارة عن إجابة وتحليل تبرعي
كما هو الواضح. يمكن أن يسوق هذا التحليل على نحو الاحتمال فحسب،
وواصل الشيخ حديثه قائلا : ولا يستبعد انه تولى مناصب أمنية في
حكومة علي (ع)،
ويرد عليه: لم أجد دليلا على هذا التقريب وعدم الاستبعاد فهو تحكم
ملحوظ،
ثم اردف حديثه : فمسالة ضياع مسلم (ع) في الكوفة أمر مستبعد جدا أضف
إلى ذلك كيف يختار الإمام الحسين (ع) رجلا في مهمة سفير لثورته المباركة وهو يعلم
مسبقا انه لا يعرف الإحياء وجغرافية الأرض ولا أماكن شيعته وأعدائه. فان اعتبر هذا
فشل فإنما ينجر الى إساءة لقائد الثورة وهو الحسين (ع) كما حاول البعض من الكتاب
اليوم أن يقول : أن مسلم (ع) اختيار فاشل من قبل الحسين (ع) لأنه أضاع ( 18) ألف
جندي من بين يديه خلال سويعات وقلنا هذا أمر غير صحيح وبعيد عما عرف من سيرة
الحسين (ع) من ذكاء وتخطيط ومعرفة بالأمور .
أقول: يمكن أن يقال: أن مهمة السفير جمع الأنصار والاستماع لهم ولا
دخل له في معرفة أزقة ودهاليز الكوفة. والمعروف على القادة أن يهتموا بمقر الإقامة
وغرف السيطرة والتحكم.
وعلى القادة الميدانيين مهمة مسك الأرض كما هو المعروف عسكريا،
وما زال الكلام مع الشيخ الباحث الحمداني، حيث ذكر في كتابه إشارة لبيان قصة طوعة
بعد أن حكم باضطراب رواية ( المجالد بن سعيد ) سالفة الذكر، إذ قال الشيخ:
أشار المؤرخ الدينوري الى نص مهم جدا يكشف لنا جزء من تخطيط مسلم
(ع) لإنجاح نهضته وهو يتحدث عن السيدة طوعة قال : (و كانت ممن خف مع مسلم، فآوته،
وأدخلته بيتها....)
وجاء في بعض معاجم اللغة ان معنى خف: وخَفَّ فلان لفلان إذا أَطاعه
وانقاد له. وخَفَّتِ الأُتُنُ لبعيرها إذا أَطاعَتْه؛ وقال الراعي يصف البعير
وأُتُنه:
نَفَى بالعِراكِ حَوالِيَّها، فَخَفَّتْ له خُذُفٌ ضُمَّرُ
والخَذُوفُ: ولد الأتان إذا سَمِنَ. ويفهم منه انها كانت تعمل مع
مسلم بن عقيل (ع) وهي منقاده له ومطيعة يعني ممن اشترك معهم في نهضته و كأن بيتها
البيت السري لنهضة مسلم (ع).
ونقل في بعض المصادر « إنّها كانت مولاة للهاشميين تخدمهم أيّام
كانوا في الكوفة خلال خلافة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام».
وبالتالي اذا كانت مولاة لبني هاشم فهذه الدار التي تسكنها ليست
بمجهولة عن مسلم (ع) وطبيعة نهضته وهي بالطبع تعرف مسلم بن عقيل (ع) :
أقول: أن إشارة الدينوري والاستعانة ببعض المعاجم لاستكشاف
والاستفادة من معنى - خف - لا ينهض بالاستدلال وما يروم إليه الباحث. كون ان
المطاوعة قد حصلت بالفعل سواء بسبب سماعها لقصة مسلم أو لمعرفة مع الهاشميين
قديمة. ولا دلالة في القصة أو اللفظ - خف - كون ان المسألة من قبيل الطاعة التي هي
فرع المعرفة المسبقة.
وواصل الباحث - سارحا بخياله - قوله:
ولا يحتاج مسلم ان يعرف نفسه لها بعد هذا النص ,فتأمل . وبالتالي
يكون الحوار بينها وبينه من باب كلمة السر أو ما يسمى في العرف العسكري ( سر الليل
) الذي هو كلمة توزع أخر النهار للجنود ولا يمر جندي ليلا قرب الثكنة العسكرية الا
عندما يعرف عنها وعن نفسه وإلا يعرض نفسه للمسآلة من قبل الحرس هناك .ولا يستبعد أن
مسلما (ع) جعل من دارها محطة هامة في نهضته!
نعم: مشكلة الشيخ الباحث كما هي مشكلة السيد القزويني بدل أن
يفهموا مجريات التاريخ وسير الأحداث بسوح العمليات العسكرية. ذهبوا بها عريضة
نتيجة وضع تابوهات على الشخصيات القيادية الدينية التي لم تثبت لها العصمة كما هو
الحال بالنسبة لابن عقيل (رض) واعتبروا أن هناك مؤامرة كبرى لحقت بالثورات
والشخصيات الشيعية، من قبل المؤرخين ووعاظ السلاطين.
ودائما تسمع معزوفة ( الطبري ) وقلمه العباسي. غير أننا عرضنا
المسألة - مسألة - التهمة التي ألحقت ( بالطبري ) وبينا كذب أو توهمات مدعيات من
تصدى لتصحيح التاريخ !
انزعج الشيخ الحمداني كما انزعج من قبله السيد القزويني من نقولات
( فهرب مسلم واستجار ببيت طوعة ) على ما نقله النويري (فهرب مسلم حتى دخل علي
امرأة من كندة، فاستجار بها ) او ما قاله الذهبي (فهرب مسلم، فاستجار بامرأة من
كندة..).
نعم : أن دلالة كلمة ( هرب واستجار ) تحمل في طياتها ثقل نفسي
مكروه للمتلقي الذي عرف بطولات ابن عقيل،
ولكني أجد المسألة جدا طبيعية فيما إذا استبدلنا لفظ ( الهروب )
بالانسحاب مثلا لأسباب قاهرة ، وبالتالي المنسحب يبحث عن أقرب وأمن مكان صالح لغرض
لملمة الفوضى وإعادة ترتيب الأوراق والأولويات، وهذا غير ضار بشجاعة ( المنسحب
والمستجير )
ينزعجون من هروب أو انسحاب مسلم بن عقيل (رض) ولم نر منهم اي
انزعاج عندما انسحب النبي (ص) واستجار هو وأصحابه بجبل أحد!!
محطات كربلائية : ابن عقيل وأسباب التخاذل
0 تعليقات