علي الأصولي
والآن نأتي على أهم محطة من محطات
هذا البحث تقريبا، وهذه المحطة خاصة بنفس السفير ،
كتبت فيما سبق عدة مقالات بعنوان ( الرائد لا يكذب أهله ) ولا بأس ونقل ما
يخصنا وهذه المحطة ،
أن حقيقة مهمة مسلم بن عقيل (رض) هي عملية استطلاعية وأخذ البيعة من أهل
الكوفة عامة وممن راسلوا الإمام الحسين (ع) خاصة فهو بالتالي ( رائد )..
والرَّاِئدُ : من يتقدَّم القومَ يُبصر لهم الكلأ ومَسَاقِطَ الغيث .
وفي المثل : :- الرَّاِئدُ لا يَكْذِبُ أهله :-: للذي لا يكذب إذا حدَّث،
والرَّاِئدُ من رجال الجيش والشرطة : ضابط رتبته فوق النقيب ودون المقدم . والجمع :
رُوَّاد ، ورادة .
ورائد العين : القَذَى . والجمع : روائد، ويقال : فلانٌ رائد الوساد : إِذا
لم يستقِرّ من مَرَض أو همٍّ، وهي رائدة . ويقال : امرأةٌ رائدةٌ : طَوَّافةٌ في
بيوت جاراتِها، والمصدر ريادة، ذكر صاحب مجمع الأمثال للميداني،
و الرائدُ هو الذي يُقَدِّمُونه لِيرْتادَ مَنزِلاً أو ماءً أو مَوضِعَ
حِرْزٍ يَلجَؤن إليه مِن عَدُوٍّ يَطلُبُهُم، فإن كَذَبهم صارَ تَدبيرُهُم على
خِلافِ الصواب، وكانت فيه هَلَكتُهُم، أي أنّهُ وإنْ كان كذاباً فإنه لا يكذب أهله.
يُضرب فيما يُخَافُ مِن غِبِّ الكذب.
قَالَ ابنُ الأعرابي: بَعثَ قَومٌ رائداً لَهُم فلما أتاهُم قَالَوا:
ما وراءُك؟ قَالَ: رأيت عُشْباً يشبعْ مِنهُ الجملُ البروكْ، و تَشكَّت منه
النساء، وهَمَّ الرَجلُ بأخيه. يقول: العشب قليل لاَ يناله الجمل مِن قِصَرِه
حتى يبرك، وقوله "تشكت مِنهُ النِساء" أي مِنْ قِلَّته تحلب الغنم
في شَكْوَةٍ، وقوله "وهمَّ الرجُلُ بأخيه" أي تقاطَعَ الناسُ فهمَّ
الرجلُ أَنْ يدعو أخاه ويصله من قلة العشب ، أنتهى.
ومن هنا ذكر هذه المقولة سفير الإمام الحسين(ع) بقوله :
فإنَّ الرائدَ لا يكذب أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا،
فَعجِّل حين يأتيك كتابي، فإن الناس كُلُّهم معك، ليس لَهم في آل معاوية رأي وَلا
هَوى،
نعم بعد أن عرفنا أن مبعوث العرب يطلق عليه بلسانهم رائد، وما يقابله في
اللهجة العراقية الدارجة ( طارش) وهذه المهمة موكولة إلى ثقاتهم لا كيفما اتفق،
إذ أن العرب قديما تتحرى بالرائد الاوثقية والاصدقية والافطنية حتى يأمن من
بعثه الى مكان ما، عدم الغرر والإضلال فيتسبب بهلاكهم وضررهم في الأماكن الغير
مأهولة ونحو ذلك من الأماكن التي تسكنها الأغراب والأجانب، فالحقيقة وقول الحقيقة
بحسب مشاهدات الرائد وخبرويته هي من تحدد الأخذ بقوله مستقبلا في غير هذه المهام
الموكلة إليه، وإلا فالكذب من مسقطات الاعتبار القولي للرائد فيما لو كذب على قومه
ومن وثق به برتبة سابقة،
فالإخبار بالحقيقة هو الفيصل وتحديد الاعتبار للشخصية الرائدة، وإلا فلا
تقبل شهادته ويحرم من اي مظهر تكريمي عند العرب من اخفي الحقيقة وضلل أهله،
ومن هنا تعرف المقولة الشهيرة للإمام الحسين(ع) بحق سفيره وابن عمه مسلم بن
عقيل(ع) بما مضمونها أني أرسلت إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي،
وهذه شهادة إعلائية من قبل المعصوم لسفيره الخاص فعلاوة على الإخوة الإيمانية
والعلاقة النسبية عضدها بالشهادة التوثيقية، لعل من له اطلاع والمام أصولي يعرف
معنى كلمة الإمام الحسين(ع) بحق ابن عمه إذ أن إثبات الشيء لا ينفي ما عداه .
لذا عندما أرسل الإمام الحسين(ع) ابن عمه وسفيره الى الكوفة فقد وصفه بما
يلي بعثت إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي،
وهذا التوثيق عالي لصدوره من جهة معصومية، عارفة بالمميزات التي يتمتع بها
شخص السفير وعلى ما ذكر الزركلي، في وصف مسلم بن عقيل اذ قال عنه : انه من أهل
العلم والشجاعة،
طبعا أن توثيق الإمام لابن عمه لا يعني عدم وثاقة غيره كيف لا والعباس بن
علي(ع) له حضوره في الوسط آنذاك،
من هنا قالوا في علم الأصول إن وصف زيد بالكرم لا يلازم ولا يعني عدم كرم
عمرو ، وهذا ما نسميه أصوليا بمفهوم الوصف وهو باطل أكيدا، فأثبات الكرم لهذا
الفرد او الوثاقة لا يعني غيره ليس بكريم او ليس بثقة،
لم اهدف من نشر هذه المسألة التعرض لقصة سفير الإمام الحسين(ع) بقدر ما
استشهدت بالمقولة المشهورة اعلاه وهي ان الرائد لا يكذب اهله، نعم تناولنا ما
يناسب المقام هناك وعودة على ذي بدء،
أن الرائد إذا كذب أهله، عند العرب يسمى معيل الجهامة ،
وهو من يضلل طريق ماشيتهم وأبلهم عن مكان الماء والكلأ
وهنا يمكن توظيف مصطلح الرائد والجهامة معا في ما نحن فيه، فالفقهاء
والساسة والزعماء وأهل الفكر والثقافة والوعي من النخب هم رواد المجتمعات في كل
زمان ومكان،
وعلى الفرد ان يتحرى ويفحص ويحتاط بالبحث والتنقيب فقد يشتبه عليه الحال
ومن يحسبه رائدا هو بالحقيقة من معيلي الجهامة فأفهم وتفطن !
والحقيقة التي أود أن يعيها المتلقي، وما استفدتها من خلال كثير التأمل في
قصة ابن عقيل (رض) والتي ربما تزعج وتثير حفيظة من يقرأ هذه المحطات ،
الحقيقة أننا توصلنا إلى ما حاصله: أن مسلم بن عقيل (رض) مع وثاقته وإيمانه
وصحة عقيدته وعدالته وغيرها من العناوين الدالة على شرفية صاحبها، بالرغم من كونه
يتمتع بكل تلك العناوين إلا أنه في الجانب القيادي كاد أن يكون مفتقرا لأبسط
مقومات القيادة وإدارة الأزمات ربما أن الملف العراقي الكوفي كبير وكبير جدا ،
ولكن تبقى الحقيقة التاريخية هي الشاخصة، فقد لوحظ على قيادته ضياع فرصة ذهبية كان
بالإمكان استثمارها بعد تطويق قصر الإمارة والسيطرة على اغلب الأحياء الكوفية
الموالية والمعادية.
وهذا الافتقار القيادي لا يعني عدم كونه شجاعا مقداما غيورا صبورا فهذه من
مقولة وتلك من مقولة أخرى ففرق،
نعم: قلنا أن مهمة مسلم بن عقيل (رض) سياسية أكثر من كونها عسكرية فهو لم
يدخل الكوفة فاتحا لها وقد تم إرسال ثلاثة سفراء قبل أن يحل ضيفا على الكوفيين..
محطات كربلائية : مع الحمداني! (2)
0 تعليقات