آخر الأخبار

وقائع التاريخ والاستقتال الصناعي! (زهير بن القين البجلي) أنموذجا. (3)

 






 

علي الأصولي

 

 

 

احتجاج توجيهي:

 

احتج النافي، بقصة اختلاف الزمن وموضوعة المسايرة.

 

بدعوى خروج الإمام في يوم التورية. بينما أتم ابن القين مناسكه هناك وخرج. فالفارق بينهم خمسة أيام.

 

وكلمة المسايرة تختلف مع كلمة الاقتفاء، وهذه إثارة بحد ذاتها مهمة. إلا أن أهم رد عليها يكون بلحاظ أن الخروج الحسيني يختلف عن خروج من أتم مناسك الحج فالركب الحسيني وقافلته ومع من فيها لا يمكن مقايستها بفرد أو بمجموعة صغيرة. وما يشكله الثقل في الحمولة ومراعاة النساء والأطفال، فيكون والحال هذا المسايرة حصلت بل ضرورة الحصول لسلوك الطريق نفسه.

 

المهم ليس هناك دليل على أن المسير سريعا وأن ثبت ابتداء وحدوثا لا يمكن الجزم به بقاء.وهذا كاف بنفض النقطة الأولى والثانية معا بقول النافي.

 

ومعه لا ينفع استدلال بذكر من ذكر أن هناك رجلان من بني أسد لم يدركا الإمام إلا بشق الأنفس ويؤيد هذا ما رواه الطبري في تأريخه، عن الرجلين الأسدين: «قالا: لما قضينا حجّنا لم يكن لنا همّة إلاّ اللحاق بالحسين في الطريق لننظر ما يكون من أمره وشأنه، فأقبلنا ترفل بنا ناقتانا مسرعين حتى لحقناه بزرود...).تاريخ الطبري: 302 - 303 -.

 

كوننا لا نعلم المدة الزمنية والتاريخ الذي انطلق به من حاول الالتحاق بالركب.

 

وحاول النافي. أن يستشهد بسكوت ابن اعثم على كذب مقولة - عثمانية الهوى - مع أنه معاصر للطبري والبلاذري،

 

وفيه: أن عدم النقل من مؤرخ معاصر لا يعني كذب المنقول من غيره. وهذا مما لا ينبغي فيه الشك ولا اعرف كيف يتم به الاستدلال.

 

ومن الغريب: الاستدلال على عدم الهوى العثماني هو لوجود تقية مارسها زهير بن القين في فترة حياته بدليل غير ناهض ولا يدل على المقام بقصة تشبيهه بمؤمن آل فرعون. مع أن هذا التشبيه يدعم قول المثبت لا النافي. فلاحظ !

 

وأما قصة تذكره واقعة بلنجر بقول:

 

غزونا بلنجر ، ففتح الله علينا وأصبنا غنائم ، فقال لنا سلمان : أفرحتم بما فتح الله عليكم ، وأصبتم من المغانم ؟ فقلنا : نعم . فقال لنا : إذا أدركتم شباب آل محمد ( ص) فكونوا أشد فرحا بقتالكم معه بما أصبتم من المغانم ، فأما أنا فإني أستودعكم الله ، قال : ثم والله ما زال أول القوم حتى قتل معه (3) . تاريخ الطبري : 3 / 302 - فلا دلالة لها على أنه علوي بحال من الأحوال غايتها أنها أخبار تذكيري بضرورة مناصرة شباب آل محمد (ع) وهذا مما يعزز ما ذكرناه سابقا أن الرجل ليس له هوية عثمانية. بل هوى فحسب ناتج من عوامل وقناعات كما يظهر،

هذه أهم ما يمكن ذكره برد المناقشة ولا حاجة لنا العروج وما استدلوا به وفقا لنقولات ( الدربندي ).


إذن، أس المشكل وأصله. هو في خبر أو قول عزرة بن قيس الاحمسي أحد قادة عمر بن سعد وكان قائد الخيالة في الجيش ..

 

المسألة:وحاول الشيخ صنقور البحراني مناقشة أصل دفع - عثمانية الهوى - إذ أفاد:

 

لم أجد من علمائنا المحدِّثين منهم والمؤرِّخين وعلماء الجرح والتعديل مَن ذكره بهذا الوصف، وكذلك لم أجد في علماء السنَّة ومؤرِّخيهم مَن ذكره بهذا الوصف إلا البلاذري في أنساب الأشراف قال: "وكان زهيرُ بن القين البَجلي بمكَّة - وكان عثمانيَّاً - فانصرف من مكَّة متعجِّلاً فضمّه الطريق وحسيناً"(1).

 

وكذلك ذكره بهذا الوصف ابنُ الأثير في كتابه الكامل في التأريخ، قال: "وكان زهيرُ بن القين البجلي قد حجَّ، وكان عثمانيَّاً فلمَّا عاد جمعهما الطريق"(2)

 

ولم يذكره من المؤرِّخين بهذا الوصف غيرهما كما لم أجد له ذكراً في كتبهم الرجاليَّة، وعلى ذلك لا يُمكن التثبُّت من صحَّة نسبة هذا الوصف لزهير بن القين (رحمه الله) خصوصاً وأنَّهما لم يُسنِدا دعواهما إلى مُستندٍ بل إنَّهما أرسلا هذه الدعوى إرسالاً.

 

والذي يُعزِّز امتناع الوثوق بصحَّة هذه الدعوى أنَّ أحداً غيرهما ممَّن أرَّخ منهم لنهضة الحسين (ع) لم يذكره بهذا الوصف رغم أنَّ الكثير منهم قد تعرَّض لذات الخبر الذي نقله - - البلاذري وابنُ الأثير –

 

وقد رجح البحراني منشأ الدعوى الاستناد لخبر الطبري:

فقد أورد الطبري خبراً أسنده إلى أبي مخنف عن الحارث بن حصيرة عن عبد الله بن شريك العامري ورد فيه أنَّ عزرة بن قيس الأحمسي من معسكر يزيد قال لزهير بن القين يوم التاسع من المحرَّم بعدما نصحه وقال له: "فاتَّق الله يا عزرة فإنِّي لك من الناصحين أُنشدك الله يا عزرة أنْ تكون ممَّن يُعين الضُلَّال على قتل النفوس الزكيَّة، فقال عزرة: يا زهير ما كنتَ عندنا من شيعة أهل هذا البيت، إنَّما كنت عثمانياً".

 

فقال له زهير: أفلستَ تستدلُّ بموقفي هذا أنِّى منهم، أما واللهِ ما كتبتُ إليه كتاباً قط، ولا أرسلتُ إليه رسولاً قط، ولا وعدتُه نصرتي قط، ولكنَّ الطريقَ جمعَ بيني وبينه، فلمَّا رأيتُه ذكرتُ به رسولَ الله(ص) ومكانَه منه وعرفتُ ما يُقدم عليه من عدوِّه وحزبِكم فرأيتُ أنْ أنصرَه وأنْ أكونَ في حزبِه وأنْ أجعل نفسي دون نفسِه حفظاً لما ضيَّعتم من حقِّ الله وحقِّ رسولِه (ص)"(3).

 

فلعلَّ هذا الخبر هو مُستندُ البلاذري وابنِ الأثير فيما ادَّعياه من أنَّ زهيراً كان عثمانيَّاً.

 

وبعد أن عرض هذا الاحتمال ذهب مناقشا: إذ قال:

 

أولاً: لو كان هذا هو مستندهما فيما ادَّعياه فإنَّه لا يصلحُ لإثبات صحَّة هذه الدعوى لأنَّه خبرٌ واحد قاقدٌ لشرائط الصحَّة وليس محتفَّا بقرائنَ تُوجب الوثوق بصدقه، ولهذا وذاك يكون ساقطاً عن الاعتبار.

 

وفيه: قد تم مناقشة دعوى الإسناد سابقا، ثم عطف بالقول:

 

على أنَّ مضمون الخبر لم يشتمل إقرار من زهير بصحَّة ما نسَبه إليه عزرةُ بن قيس البجلي، فلم يكن ما ذكره سوى تُهمةٍ من فاسقٍ لم يُقابلْها زهيرٌ بالإقرار وإنَّما قال له: "أفلستَ تستدلُّ بموقفي هذا أنِّى منهم" ومعنى ذلك انَّ موقفي هذا مع الحسين (ع) ألا يصلحُ أنْ يكون دليلاً لك على أنَّي منهم أي من شيعة أهل هذا البيت، ثم إنَّ زهيراً عرَّض بعزرة بن قيس فقال: "أما والله ما كتبتُ إليه كتاباً قط، ولا أرسلتُ إليه رسولاً قط، ولا وعدتُه نصرتي قط.." فإنَّ في ذلك تعريضاً بعزرة بن قيس حيثُ أنَّه كان ممَّن كتب إلى الحسين(ع) يستحثُّه على المجيء إلى الكوفة ويزعمُ أنه من أنصاره، ولذلك حين طلب منه عمرُ بن سعد في كربلاء أنْ يذهب للحسين (ع) فيسأله ما الذي جاء به وماذا يُريد اعتذر لعمر بن سعد لأنَّه استحى أنْ يأتيَ الحسين وهو كان ممَّن كتب إليه(4).

 

فكان في جواب زهير لعزرة والذي هو بجَليٌّ مثله تعريضٌ بكذبه ونكثِه لوعدِه وخيانته. هذا هو المستظهَر من جواب زهير لعزرة فهو لم يُقُّرَّه على دعواه،

 

وفيه: أن نسب الصفة من فاسق لغيره ليس بالضرورة أن تصنف على كونها تهمة بل قد يكون التوصيف صحيحا. خاصة ونحن لاحظنا من نفس النص التاريخي سكوت ابن القيم وعدم محاولته النفي أو الاستنكار!

 

ولو تلاحظ قول زهير بن القين: : "أفلستَ تستدلُّ بموقفي هذا أنِّى منهم. لكفى إذ أنه (رض) احتج على المحاور بعدم إرسال الكتب إلى الإمام الحسين (ع) ولكن بما أن الأمر وصل إلى قتل الإمام فالكلام يختلف وليذهب الهوى العثماني للجحيم!

 

وكيفما كان: نحن لا نناقش أو في صدد إثبات عثمانية زهير بن القين كما وصفه صاحب ( أعيان الشيعة ) السيد محسن الأمين. ولا نذهب إلى ما ذهب إليه محي الدين المامقاني الرجالي الشهير ف كتابه ( تنقيح المقال ) إذ نص أنه عدوا لأهل البيت(ع) وتداركته التوبة والهداية.

بل جل ما نذهب إليه هو كون الشهيد ابن القين قبل كربلاء ( عثماني الهوى ) فقط وليس عثمانيا بما تحمله دلالة الكلمة كما بينا سابقا والحمد لله رب العالمين.




وقائع التاريخ والاستقتال الصناعي! (زهير بن القين البجلي) أنموذجا. (2)



------------------------------------

1- أنساب الأشراف - أحمد بن يحيى بن جابر (البلاذري)- ج3 ص167.



2- الكامل في التاريخ - ابن الأثير - ج4 ص41.



3- تاريخ الطبري - محمد بن جرير

 

إرسال تعليق

0 تعليقات