محمود جابر
لمن أرسل موسى
قال تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ
قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) 5 إبراهيم .
إذن الآية الشريفة تقول أن الله تعالى أرسل موسى إلى
قومه، لإخراجهم من الظلمات والظلمات حسب التعبير القرآني هى الشرك بالله، وقومه
القَوْمُ :
الجماعةُ من النَّاس تجمعهم جامعة يقومون لها ..
قَوْمُ الرَّجُلِ : أَقْرِبَاؤُهُ الَّذِينَ
يَجْتَمِعُونَ مَعَهُ فِي جَدٍّ وَاحِدٍ أَوْ سُلاَلَةٍ وَاحِدَةٍ...
إذا موسى بعث إلى قومه بما فيهم فرعون وهم بنو إسرائيل،
ومعهم الأعراب العمالقة وهو تحالف الهكسوس ...
لهذا يخاطب القرآن العرب فيقول الله تعالى (أَكَانَ
لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ
النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ
ۗ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ) 2 يونس .
فالقاعدة القرآنية ثابتة تقول (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ) 164 آل
عمران .
ويقول عن بنى اسرائيل (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي
إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا ۖ كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ
بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ)
70 المائدة .
فرسول بنى إسرائيل فى مصر وغير مصر من أنفسهم، وقد أرسل
لهم يعقوب ويوسف وموسى وهارون وهم إزاء الرسل ينقسمون الى فريقين، الأول يكذبون، والثاني
يقتلون، من اجل ذلك ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة لرفضهم الرسل وكفرهم بالله يقول
الله تعالى (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ
مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ
وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ
بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا
عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ) 112 آل عمران .
فالوعيد الإلهي كان من نصيب بنى إسرائيل ولم يتحدث عن
وعيد للمصريين، فالله أرسل موسى إلى قومه وهم بنو إسرائيل وهو من جنسهم وبلسانهم،
ولقد جاءهم يعقوب من قبل ورحل إلى مصر اثناء حكم الهكسوس لمصر واحضر معه أبنائه وأحفاده،
ومنهم ( لاوى) وحفيده ( قاهت) وهو الذى أنجب عمران، وعمران أبو موسى الذى ولد وعاش
فى زمن الهكسوس، ولهذا أرسل إليهم لانه منهم وبلسانهم، وهذا واضح جلى وقاله مئات
المؤرخين ومنهم الطبرى:" عن ابن اسحق : قبض الله يوسف وهلك الملك الذى معه
وتوارثت الفراعنة العماليق ملك مصر فلم يزل بنو إسرائيل تحت أيدي الفراعنة
العماليق حتى جاء فرعون موسى ".
وهنا ملحوظتان شديدتا الأهمية :
قول عزيز مصر لمرآته فى شأن يوسف (عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا
أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا)
21 يوسف ... وقول أمرآة فرعون (عَسَىٰ
أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) 9 القصص.
وهى
نفس العقلية ونفس الثقافة ونفس اللغة ونفس الكلمات مع اختلاف الواقعة والزمن ولكن
الجنس والقوم لم يختلفا فى كلا الزمنين ... وهذه الأولى ..
الملحوظة الثانية :
انه لا يكفى ان يكون الرسول من أنفسهم ولا بنفس اللسان ولكن حتى بنفس اللهجة ليشرح
لهم ويبين لهم قال تعالى (وَمَا
أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) 4
إبراهيم ..
فلو
افترضنا أن موسى بعث إلى المصريين لانه تربى فى قصر الفرعون – المصرى – فكان هو الأنسب
لمخاطبة المصريين لأنه تربى فى قصر ملكهم ويجيد لغتهم، ولكن موسى عاش بين مملكة
الهكسوس، وبين أرض مصر وأهلها، وفى مدين وأصبح لسانه مختلط، ولكن هارون الذى لم
يخرج من مملكة الهكسوس ويعيش بينهم يدرك لغتهم ولهجاتهم جيدا أكثر من موسى قال تعالى (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ
مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن
يُكَذِّبُونِ) 34 القصص .
وهنا نطرح السؤال : لماذا هارون ؟
اسند
موسى مهمة الخطاب والدعوة واللسان الى أخيه هارون ليس لان موسى فى لسانه عيب خلقى
او نتيجة حادث تعرض له، ولكن لان هارون لسانه لم يدخل عليه اى متغير فى حين ان
موسى لسانه أصبح مختلط، ولو ان موسى بعث الى المصريين وكان هناك مفاضلة فى اللسان
لكان موسى وليس هارون، وهذا يؤكد ان موسى أرسل الى تحالف بنى إسرائيل و الأعراب العماليق
كما أوضحنا ويوضح ذلك آيات القرآن حينما خاطب قريش وأهل مكة قال تعالى (فَلَمَّا
جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ
مُوسَىٰ ۚ أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ ۖ قَالُوا
سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ) 48 القصص .
فالقران
الذى هجرناه ولم نقرأه إلا بخلفيه معرفية إسرائيلية يقول لنا أن النبي محمد لما أرسل
إلى قريش وأهل مكة قالوا له لماذا لم تأتى بمثل ما جاء به موسى ؟
وهنا
يأتي الجواب : أولم تكفروا بما جاء به موسى من قبل واتهمتموه كما اتهمتم النبي
محمد بأنه ساحر، إذا كان موسى رسول الى بنى إسرائيل وتحالف الأعراب !!
ثم نعيد السؤال مجددا: لمن أرسل موسى ؟
القرآن
يحسم الجواب (ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا
وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (45) إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا
وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ) المؤمنون .
فموسى
بعث الى فرعون وملائه، هذا الملأ الذى يشتمل قارون وهامان ..
وفى
سورة غافر يقول الله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ
مُّبِينٍ (23) إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ
كَذَّابٌ ( غافر ..
والقرآن يفسر
بعضه بعض يقول تعالى (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ)
76 القصص .
فقارون من قوم
موسى وهارون وقارون وهامان هم جزذر لفوى واحد ومخارج لفظية واحدة ...
قارون هو قارون بن يصهر بن قاهت بن
لاوى بن يعقوب - ابن عم موسى مباشرة.
قارون هذا من أهم شيوخ بني إسرائيل وأهم شخصية في ملأ
فرعون هو تحالف الثروة مع السلطة فى مواجهة قومه .
أما هامان فلقد اجمع كل
المؤرخين وكل رجال الآثار المصرية على شئ واحد كما قال رؤوف أبو سعده في كتابه (
من إعجاز القرآن ) في العبارة الآتية :-
" لا تجد في التاريخ المصري القديم ، ولا في أعلام هؤلاء
المصريين أيضاً ، شخصاً باسم " هامان" استوزر لفراعنة مصر ، أو كان قائد
جندهم، أو كبيراً في بلاطهم، أو عظيماً من عظماء كهنوتهم، ليس البتة فيما عرف من
التاريخ المصري القديم هامان ".
من اليسير العودة بهذا الاسم لجذر في اللغات العربية
فكلمة هامان مشتقة من الفعل " هيمن " بمعنى سيطر وراقب ، وهو اسم يهودى
مشهور فقد ذكر في قصة أخرى بعد خروج موسى من مصر بعشرات السنيين إذ تحكى لنا
التوراة في سفر استير:
" كان هناك رجلاً اسمه هامان بن همداثا الاجاجي (
لاحظ الاسم العروبي ) وكان هامان هذا مقرباً من الملك أحشو بروش وكان كل العبيد
الذين بباب الملك يجثون ويسجدون لهامان "
وكان هامان هذا أيضاً عدواً لليهود.
ألا يؤكد هذا إنه اسم غير مرتبط ببلاد وادي النيل بأي
وضع .
أما فرعون - و كما مر،
فرعون اسم علم عربى مشتق من الجذر العربي " فارع "، أو إنه مأخوذ من اسم
قبيلة ( فرعا ) الموجودة حتى الآن في وادي عسير غرب الجزيرة العربية ، أو إنه على
الأرجح مشتق من اسم البلدة العربية التي أتى منها فرعون وهى ( فاران ) كما مر
سابقاً.
قد يقول قائل : لو كان موسى وفرعون من عائلة واحدة
فلماذا ذكرهم القرآن كقسمين مختلفين وقال : آل فرعون و آل موسى ، وكان من الممكن
أن تأتي الآيات بجمعهما معاً فيقال( آل موسى وفرعون) وبهذا يحسم الموضوع ويكونا من
عائلة واحدة وينتهى الجدل .
ورغم أن هذه طريقة للسرد في القرآن تفرد بها، إلا إنه قد
فعلها مع موسى وهارون، فرغم أنهما أخوان ما في ذلك شك ، إلا أنه قد ذكر كل واحد
منهما بأهله منفصلاً عن الآخر فى قوله :
{ فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى و آل هارون
تحمله الملائكة} 248البقرة.
هامان ، قارون ، هارون ، فرعون وتستطيع أن تضيف على
وزنها لستة طويلة من الأسماء الآرامية مثل جدعون وسيحون وشارون وزيدون وشيخون
..... الخ ، أسماء تنتمى للغة واحدة ولهجات عروبية مشتقة من بعضها .
العماليق
العماليق هم من أقدم الأمم التي سكنت الجزيرة العربية،
من ذرية عمليق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح، عاصروا الأنبياء وحكموا بلدان كثيرة
: نجد ، البحرين ، عمان ، مصر ، اليمن ، سوريا ، الحجاز ،العراق . وكان منهم ملك
مصر الذي عاصر النبي يوسف.
وكلمة عماليق تتكون من :
عم أو عمو بمعنى البدو.
وليق مصطلح آرامى بمعنى الجنود اى جنود البدو، وهى كلمة
تماثل لفظ المرتزقة .
ومن كلمة ( ليق) جاءت الكلمة العربية ( فيلق) .
وبهذا يكون معنى عماليق : جنود البدو
والإعجاز القرآني هوا يقول (فَأَتْبَعَهُمْ
فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ)
90 يونس .
وقال
تعالى (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ
بِغَيْرِ الْحَقِّ) 39
القصص .
ويذكر الطبري أن الذين العماليق او احد قبائلهم من سكنوا
يثرب وكانوا يشاركون اليهود فيها .
فنحن هنا أمام تحالف ثلاثي ( فرعون – هامان – قارون )
يقول الله تعالى (وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم
مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ)
39 العنكبوت .
-
فرعون : يحكم القبائل العربية ( بدوالعماليق)
-
-
قارون : يحكم قبائل بنى اسرائيل
-
-
هامان : يحكم بنى يهوذا .
-
ولهذا الله تعالى بعث موسى الى قارون وفرعون وهامان فلما انشق بنو إسرائيل
من هذا التحالف وخرجوا مع موسى قال الله تعالى (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ
وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ)
6 القصص .
فتمكين بنى إسرائيل أعقبه عقاب فرعون وهامان وجنودهما، إذن أين ذهب قارون
الذى كان من قوم موسى ؟
والآية الثانية تؤكد نفس المعنى قال تعالى (إِنَّ
فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) 8 القصص .
ولحديث بقية
0 تعليقات