آخر الأخبار

نهاية "مستنقع وطن"!! الحلقة الخامسة

 





 

نصر القفاص

 

شهد يومى 8 و9 ديسمبر من عام 1925, اجتماعين مغلقين, بين "المندوب السامي البريطاني" والملك "أحمد فؤاد" ويوم 10 ديسمبر صدر بيان عن القصر بإقصاء "حسن باشا نشأت" عن موقعه كرئيس للديوان الملكي.. تنفست مصر الصعداء وسادت حالة من الفرح والسعادة بين أبناء الشعب, وفى كواليس الأحزاب.. وعلى الجانب الآخر أقام حزب "الاتحاد" مأتما لتلقى العزاء فى تجربة "مستنقع وطن" ونهاية مشروع الانتهازية والفساد ومحاولة استغفال الأمة!!

 

ما بين انعقاد وحل "مجلس النواب" يوم 23 مارس وإعلان إقالة "حسن نشأت" وسحب جواز سفره منه حتى لا يغادر البلاد.. جرت مياه كثيرة فى النهر, وشهدت البلاد عواصف وزلازل كتاب "الإسلام وأصول الحكم" الذى أصدره الشيخ "على عبد الرازق".. فالبداية كانت بالتفاف الشعب حول زعيمه – سعد زغلول – ثم تحدى النواب لإرادة الانجليز والملك.. صدر بعدها بأيام "الكتاب الزلزال" ليهز الأرض داخل الوزارة, وانتهى ائتلاف "الأحرار الدستوريين" مع "الاتحاد" و"الوطني المصري" واستقال "إسماعيل صدقى" وفضل الابتعاد عن "الطبخة المسمومة" بعد أن فاحت رائحتها!! وتحرك نواب البرلمان الذى غاب لشهور, لعدم إجراء انتخابات.. فكان إعلان الرفض بعقد البرلمان خارج مقره.. تبعثرت الأوراق.. انقلبت أحلام الملك بأن يسيطر على الأوضاع الداخلية, بمحاولة اغتيال "الوفد" وزعيمه معنويا.. وأن يكون خليفة للمسلمين بدلا من السلطان العثماني, ليتم حكم مصر عن طريقه عبر "قصر الدوبارة" كمقر "للمندوب السامي" والتحكم فى العالم الإسلامي.. والأهم هو إسكان صوت الذين يطالبون بالاستقلال.. ولحظة أن فشل "حسن نشأت" فى أن يجعل كل الأطراف تلتهم تلك "الطبخة المسمومة" اتفق القصرين – الملكي والدوبارة – على عزل رجلهما الفاشل!! وانكشف أمر الانتهازيين والمنافقين واللصوص, بعد أن تجمعوا فى سلة واحدة – مستنقع وطن – وهى حزب "الاتحاد"!!

 

هللت صحف الشعب وفتحت النيران على من وصفته بالطاغية – حسن نشأت – فخرجت جريدة "السياسة" لتقول: "كنا نود لو أن خروج حسن نشأت من منصبه من الديوان الملكى, جوابا للصيحات التى تعالت من شهور.. وترددت أصداؤها ما بين أسوان والإسكندرية, لتعلن رفضها زوال النظام الذى حاول إقراره فى البلاد وهو شر يثير النفوس الشريفة ويفجع الأخلاق الفاضلة.. لكن ذلك لم يكن ممكنا والوزراء المتربعون فى مناصب الحكم أتباعه!! فهذه وزارة – زيوار باشا – لا تملك من الشجاعة.. بل لا تملك من الحياء ما يجعلها تقبل غير ما كان يمليه عليها حسن نشأت.. فلا يمكن لمخلوق أن ينكر خالقه, ولا تستطيع صنيعة إنكار صانعها"!!

 

وأضافت الجريدة فى تقريرها قائلة: "أعجب العجب حين يقترح زيوار باشا على جلالة الملك تعيينه وزيرا مفوضا.. أى ممثلا لمصر فى دولة أجنبية.. والحمد لله الذى أنقذ البلاد من سياسته, ولعله ينقذها من أذنابه عما قريب"!!

 

وعلقت جريدة "الأخبار" قائلة: "كان فى استطاعة الوزارة أن تحافظ على كرامة الأمة واستقلالها, بأن تتقدم لجلالة الملك طالبة إقصاء حسن نشأت عن القصر, لتتحرر من سلطة هذا الرجل.. وتعيد للبلاد حياتها البرلمانية فتصبح مصر محكومة بوزارة برلمانية صحيحة مسئولة أمام نواب الأمة"!!

 

لاحظ أن جريدة "السياسة" كانت تعبر عن "الأحرار الدستوريين" وجريدة "الأخبار" كانت تعبر عن "الوطنى المصرى" وكليهما كان شريكا فى اتفاق "القصد الجنائى" مع حزب "الاتحاد" الذى "فبركه" حسن نشأت بجمع كل "أولاد شوارع السياسة" داخله.. لكن الحزبين قفزا من السفينة حين أوشكت على الغرق, وتلك طبيعة الانتهازيين والمنافقين واللصوص فى كل زمان ومكان!! ولأن كل شيء فى مصر كان يبدأ من "لندن" ويتردد صداه فى الإمبراطورية البريطانية, فقد نشرت جريدة "المورننج بوست" تقريرا لمراسلها من القاهرة.. قال فيه: "جميع الدوائر شعرت بالارتياح لاستقالة حسن نشأت, لأن أعماله لا سيما تعيين موظفى الحكومة أثارت الكثير من الانتقاد.. وقد وافق الملك فؤاد بناء على نصيحة اللورد لويد – المندوب السامي – على عزله".. وذكرت جريدة "المانشيستر جارديان" أنه: "إذا كان الملك فؤاد قد عزل نشأت باشا من تلقاء نفسه, فإن ذلك سيزيد من تقدير الأمة للملك.. لكن الاعتقاد السائد هو أن اللورد لويد هو الذى أسقط نشأت باشا"!! وأضافت الجريدة: "نحن أصبحنا أمام اختيار بين أمرين.. إما تأييد الأحزاب التى اتحدت.. أو تأييد الملك.. والانحياز لأيهما قد يجدد أحداث ثورة 1919.. حينما كانت كلمة الأحزاب مجتمعة ضدنا" واقترحت الصحيفة استقالة وزارة "زيوار باشا" لأن هذا هو الحل.. ومضت "المانشستر جارديان" تقول: "إن عزل نشأت باشا يعد نهاية عهد من الحكم.. لقد حكم نشأت باشا مصر, فقام بدور مزدوج بين الملك وزغلول باشا حتى فرق بينهما"!!

 

لم تصمت جريدة "الاتحاد" فنشرت تقول: "نشأت باشا كان مستهدفا منذ نحو عامين, وتعرض للمساعي الخسيسة والدسائس الدنيئة.. وهى التى أفضت إلى الأزمة الأخيرة" وأضافت: "إن أشد بواعث الألم لنا أن يسعى فريق من المصريين إلى إدخال الأجنبي فى شئوننا الخاصة, وأن يجروه جرا إلى ذلك ويدفعوه دفعا.. أليست هذه نكبة"!!

 

وفى مقال آخر نشرته الجريدة نفسها ذكرت: "كيف حبكوا المؤامرة لأخذ نشأت باشا وحده.. وعموما فهذا لا يحط من قيمته وقدره, لأن خصومه تسفلوا – من سفلة – وخانوا بلادهم"!! ودخلت صحف "الوفد" على الخط فنشرت "البلاغ" تفاصيلا لما قالت عنه جرائم ضد الوطن والأمة.. واستمر الجدل حتى أعلن القصر الملكى يوم 14 ديسمبر عن تعيين "توفيق نسيم باشا" رئيسا للديوان الملكى, وهذا الخبر الذى أثار ارتياحا عاما, خاصة وأن "سعد زغلول" قال تعقيبا على القرار: "الرجل يستحق تقدير الوطن" وكان مخلصا خلال توليه وزارة المالية فى حكومة "سعد باشا" وأشاد حزب "الأحرار الدستوريين" بالقرار, وكذلك الحزب "الوطنى المصرى" خاصة وأن "توفيق نسيم" كان قد سبق له تولى رئاسة الديوان عام 1922.

 

من هنا جاء منهج "مستنقع وطن" واستمر يتجدد على مدى نحو مائة عام.. كرر المحاولة "إسماعيل صدقى" حين كلفه الملك بتشكيل وزارة عام 1930, فقرر تطبيق المنهج بفجور حين أقدم على إلغاء دستور 1923, وقام بصياغة دستور 1930 الذى جعل مصر تعود للغليان وتعيش على صفيح ساخن لأربع سنوات, حتى تم إعلان إلغاء دستوره وفض حزبه – الشعب – الذى شكله ليكون بديلا لحزب "الاتحاد" وانفض عنه من اعتقد أنهم أنصاره وجمعهم فى حزب "الشعب".. وحين عاش الصدمة قال بوضوح: "غلطتى أننى اعتمدت على الرعاع" وكان يقصد "مستنقع وطن" الذى اعتقده أكثر تماسكا وقوة.. وانتهى هذا المنهج بقيام ثورة 23 يوليو, حتى أعاده "أنور السادات" بتأسيس ورئاسة "الحزب الوطني الديمقراطي" وحافظ عليه "حسنى مبارك" حتى سقط كليهما تحت أقدام الشعب يثورة 25 يناير عام 2011.. فتشتت "أولاد شوارع السياسة" بين أحزاب عدة, إلى أن تقرر إعادة المنهج ذاته عبر ما يسمى حزب "مستقبل وطن" بطريقة باهتة.. لافتة.. لأن الحزب ترأسه شاب فى مقتبل عمره السياسى.. تم إبعاد الشاب وإسناد المسئولية لشاب آخر.. ولم يفز الحزب بأكثر من عشرة بالمائة من مقاعد البرلمان, وبعدها شهدنا كسر رقبة الدستور والقانون بتحول "المسخ السياسى" إلى ديناصور سيطر على "مجلس النواب" بصورة مريبة.. مفزعة.. وشكل "مستنقع وطن" تنظيما سريا أطلقوا عليه اسم "تنسيقية شباب الأحزاب" ثم أصبحت "تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين" وتسابقت الأحزاب الكرتونية لتلتحق بعباءته.. عقدوا اتفاقا سريا لحظة الإقدام على تعديلات دستورية, بلعها الشعب تقديرا للرئيس "عبد الفتاح السيسى" باعتبار أن هذه التعديلات ستسمح للرئيس أن يتمكن من تنفيذ مشروعا وطنيا يلقى دعم وتأييد الأغلبية من الشعب.. جاءت المفاجأة بإعلان اتفاق 11 حزبا ضد الشعب!! فيما أصفه باتفاق "القصد الجنائى" وشهدنا أبشع عملية توريث لأبناء الفاسدين واللصوص والخونة, وفق قرارات الأغلبية الساحقة للنواب.. خلال مهزلة انتخابات "مجلس الشيوخ".. يجرى ذلك فى تحدى واضح لإرادة الأمة.. جاء الرد حاسما.. صاعقا بمقاطعة غير مسبوقة فى التاريخ من الناخبين.. مقاطعة كاسحة.. وانتظر الشعب طويلا لكى يسمع تعليق الرئيس, فلم يحدث!! انقلب التوتر إلى قلق.. ثم تحول إلى خوف شديد.. واكب ذلك إعلان الرئيس حربا على الفساد ورموزه.. تحولت المسألة إلى لغز غير مفهوم.. كيف تتم اتفاقات "القصد الجنائى" فى وضح النهار, وتقوم عدة أحزاب بقيادة "مستنقع وطن" بتوريث أبناء الفسدة واللصوص و"أولاد شوارع السياسة" لمقاعد البرلمان – شيوخ ونواب – وفى الوقت نفسه يعلن الرئيس حربا على الفساد.. أصبحنا بصدد صورة عبثية.. عاد السؤال الذى كان قد اختفى لسنوات قليلة.. "هى مصر رايحة على فين؟!" يحدث ذلك وسط غياب إعلامي, بعد أن سيطر الإعلان!! وفى غياب ساسة يملكون القدرة على مخاطبة الشعب.. ولحظة إعلان وفاة بقايا النخبة التى احترقت فى نيران ثورتى "25 يناير" و"30 يونيو" وبدا أن "كابوسا" تعيشه البلاد عندما انخرط الصف الثالث والرابع من جماعة الإخوان الإرهابية فى صفوف "مستنقع وطن" وبدت مهادنة "السلفيين" واضحة, لنجد أنفسنا فى مفترق طرق خشية أن يكون "حفيد حسن نشأت باشا" قد عاد!!..

 

نهاية "مستنقع وطن"!!.. الحلقة الأولى


نهاية "مستنقع وطن"!! الحلقة الثانية


نهاية "مستنقع وطن"!! الحلقة الثالثة


نهاية "مستنقع وطن"!! الحلقة الرابعة

انتهى

 

إرسال تعليق

0 تعليقات