هانى عزت بسيونى
بالنظر لثقافة سياسية مختلفة عن واقعنا العربي المتخلف ربما ١٠٠٠
عام عن تلك الثقافة .. وبعيداً عن امنياتنا التي نرجو ان نحاكيهم بتلك الثقافة ..
فإنني ومباشرة اقول ان لدي احساس قوي ان ترامب سيخسر الانتخابات
الامريكية ولاسباب عديدة يأتي في مقدمتها اسلوبه الفاشل في معالجته لازمة كورونا
.. ليصبح "جو بايدن" أوّل رئيس من المذهب الكاثوليكي يصل إلى البيت
الأبيض منذ انتخاب جون كنيدي في عام ١٩٦١ ...
الواقع ان الشعب الأمريكي ينصب اهتمامه بالأساس على القضايا
الداخلية في السباق الانتخابي فيما عدا تجار السلاح والنفط الذين يهتمون بالقضايا
الخارجية وتعكس تلك القضايا تفاعلهم مع الانتخابات الامريكية ..
عموماً ما يجب التنبه إليه في العالم العربي هو محاولة الاستفادة
من التجربة القاسية التي مرت على المنطقة خلال السنوات الأربع الماضية والبحث عن
مسارات لا تجعلها عرضة للابتزاز المستمر ، ومن الجائز القول هنا إن موجّهات البيت
الأبيض تجاه العرب بالذات خلال الفترة الماضية كانت تركز على الصراع مع إيران
والسعي للتقارب مع إسرائيل ، وإذا كانت القضية الثانية قد أتت بنتائج سريعة حين
أعلنت ثلاث دول عربية تطبيع علاقاتها مع إسرائيل فإن العقوبات المشددة والمتواصلة
على إيران لم تنجح حتى الآن في تغيير سلوك طهران المستفز والمثير للقلق .
لقد أعلن "جو بايدن" أن انتخابه سيعني إعادة العمل
بالاتفاق النووي الذي عقدته الدول الكبرى وألمانيا مع إيران وقال في أكثر من
مناسبة أنه لن يسمح بحصولها على السلاح النووي وأنه سيعيد النظر ببعض بنود الاتفاق
خاصة ما يتعلق بالصواريخ بعيدة المدى وأنشطة إيران في العالم العربي ، وهو ما يثير
إزعاجاً وقلقاً بالمنطقة تجاه تخفيف القيود التجارية الصارمة وغير المسبوقة التي
فرضتها إدارة ترامب ، وليس من الواضح كيف سيكون ممكناً التوفيق بين المخاوف
الخليجية والتوجهات الجديدة المحتملة حال الفوز المتوقع للديمقراطيين بالكونجرس
إلى جانب البيت الأبيض ، وما من شك أن أسلوب ترامب كان مريحاً عند بعض الدول
العربية لكنه في حال إعادة انتخابه سيكون أكثر إزعاجاً وإلحاحاً ، لكن لن يكون
طليق اليدين إذا خسر الجمهوريون مجلسي الكونجرس وسيكون عاجزاً عن تمرير كل رغباته
كما كانت الحال في فترته الأولى .
خلاصة القول ..
بالنسبة لقطاع النفط فإن أفضل سيناريو هو فوز بايدن بالرئاسة مع
استمرار سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ ففي هذه الحالة سيعارض مجلس الشيوخ كل
خطوات بايدن للتأثير في أسواق النفط خاصة فيما يتعلق بالقوانين البيئية وسيعارض
بايدن أي قوانين مقترحة من مجلس الشيوخ لا تتناسب مع مواقفه البيئية ...
إحدى الفترات الذهبية التي مر بها الاقتصاد الأميركي وانتهى فيها
العجز بالموازنة الفيدرالية كانت في فترة الرئيس بيل كلينتون عندما فاز الجمهوريون
بالغالبية في مجلس الشيوخ الكونجرس حينها تقيدت يد الحكومة لسنوات وانتعش فيها
الاقتصاد ، واليوم وبغض النظر عن الفائز فإن رئيس الولايات المتحدة قد فقد السيطرة
على أسعار النفط ، فإذا فاز ترامب فإنه لا يستطيع أن يقوم بما قام به سابقاً لسبب
بسيط أن أسعار النفط على المديين المتوسط والطويل سترتفع في كل الحالات على الرغم
من كل السياسات لكبح جماحها فانخفاض الاستثمار في الصناعة مع ارتفاع معدلات انخفاض
الإنتاج في آبار البترول الصخري يعني عدم موائمة المعروض مع زيادة مرونة الطلب
الأمر الذي سينتج عنه ارتفاع في أسعار النفط ففي البداية ستستخدم بعض دول
"أوبك+" الطاقة الإنتاجية الفائضة لديها وترفع الإنتاج لكنها ستفقد
السيطرة بعد ذلك على أسعار النفط وربما البلد الوحيد الذي سيسيطر على أسعار النفط
حينها وسيوقف ارتفاع الأسعار عند مستويات ٨٠ دولار للبرميل سيكون الصين وستقوم
الحكومة بكين ببيع النفط من الاحتياطي الاستراتيجي بكميات كبيرة الأمر الذي سيخفض
من كميات وقيم وارداتها النفطية ، النفط اشترته الحكومة بأسعار منخفضة وتبيعه
بأرباح تبلغ اضعاف سعر الشراء على الأقل وإذا انخفضت الأسعار فإن الصين ستقوم
بإعادة شراء النفط مرة أخرى وتخزنه ، لهذا فإنه ليس من صالح دول الخليج العربي
والسوق بصفة عامة إمداد بكين بكل ما تطلبه لملىء الاحتياطي الاستراتيجي وقت انخفاض
الأسعار .
خلاصة الأمر … أن أساسيات السوق لن تتغير كثيراً بعد الانتخابات الأميركية
وأن البيت الأبيض فقد سيطرته على أسعار النفط على المديين المتوسط والطويل .
وبصفة عامة ... فإن مصير المنطقة والعالم سيظل غامضاً حتى ينتهي
الناخبون من الإدلاء بأصواتهم وهذا يبرهن مجدداً على حجم التأثير الأميركي وقدرته
على فرض سياساته بكل الأحوال ولكن اليقين هو أن دول العالم فيما عدا الدول العربية
ستكون بالتأكيد أقدر على التكيف وأكثر مرونة على امتصاص الصدمات والتعامل معها
بأقل الخسائر .....
فهل يمكن أن ندرك الآن أن الأوضاع الداخلية المتماسكة والمتوافق
عليها بين المواطنين في أي دولة هي فقط التي تتحكم في قدرة أي نظام على مقاومة
ابتزاز التدخلات الخارجية في بلاده .؟؟ .....
0 تعليقات