محمود جابر
هنا يبدأ التاريخ الحقيقى للطبقة الجديدة من ملاك الأرض المصريين
الذين قدر لهم ان يلعبوا فيما بعد دورا كبيرا فى الثورة العرابية وفيما تلاها من
عقود من الزمن .
الغريب أن الأسماء ، تبقى كما هى نفس الأسماء تتردد منذ محمد على
حتى إسماعيل ، وحتى الثورة العرابية حتى ما بعد الاحتلال، بل وحتى أيامنا هذه، أنها
وبالدهشة نفس الأسماء .
فـ على البدراوى كان مجرد تاجر عطور منحه محمد على عهدة سمنود، ثم
بعدها جاء سعيد ليمنحه 400 فدان أخرى فى سمنود، ومكنة ثراؤوه من ان يشترى مساحات
أخرى من الأرض. وعندما مات
وسالم باشا السلحدار وكان حاكم الصعيد أيام محمد على ، أخذ عهدة
البلينا وعهدة قرية فازاره –
وثمة اسم ثالص ما زال موجودا حتى الان وهو الشواربى منحه محمد على
عهدة قليوب ، ومنح اسماعيل ابنه محمد بك الشواربى مزيدا من الارض . وفى نهاية
القرن الثامن عشر كان 4000 فدان من مجموع زمام قليوب البالغ 7000 فدان مملوكا
لأسرة الشواربى وحدها. ولعبت أسرة الشواربى دورا مهما ضد الثورة العرابية ففى أيام
الثورة قصرها مركزا للثورة المضادة .
كان محمد على الشواربى من اوائل كبار الملاك الذين ضربوا الثورة فى
الظهر، وعندما اشتعلت الثورة واتخذت جريدة الاهرام جانب الخديو وضادرها العربيون،
فتح الشواربى منزله الكائن فى شارع المساحة بمصر لوكيل جريدة الاهرام، وكان يرسل
معه خدمه يستلمون اعداد الأهرام من السكة الحديد، فقد كانت تصدر فى الاسكندرية
ويحملونها الى داره وتوزيع من هناك. كما انه اول من حافظ على حياة أديب إسحق، إذ
آواه فى منزله شهرين والعرابيون يبحثون عنه ويعتقدون أنه فى بيت سلطان باشا.
وهكذا .........
والحقيقة أن العهدة لم تكن عودة للالتزام، فالمتعهد لا يجمع
الضرائب كما يشاء وإنما كما يحددها الوالى، لكنه كان يمتلك الحق فى تسخير فلاحى
عهدته فى أرضه .
وهكذا بدأت الطبقة الجديدة تمارس استغلالها على أوسع نطاق وتوسع من
ملكياتها منتهزة حجة محمد على إلى المال وعجز الفلاحين عن دفع الضرائب. وثمة قصة
يرونها جبريل باير تقول :
" لقد جند جميع رجال قرية سكوله مركز المنيا فى الجيش وظلت
الارض بلا زراعة وتراكمت عليها الضرائب لعدة سنوات حتى تقدم احد الموظفين وهو على
أفندى متعهدا بدفع مجموع هذه الضرائب خلال ثلاث سنوات ، واستولى على أفندى على
زمام البلدة ومساحتها 1000 فدان منها 150 فدان معفاه من الضرائب .
ولحقيقة ان أحد لا يعرف بالضبط مساحة الاراضى العهدة لكن "
باير" يركد وفقا لحساباته ان مساحتها أيام محمد على كانت مليون و200 الاف
فدان منها 300 الاف خاصة لاسرة محمد على .
والمساحة الباقية توضح حقيقة المجال الذى كانت تمارس فيه الطبقة
الجديدة نشاطها .
لكن السلم الطبقى الحديث التكوين كان يحتوى على مراتب عديدة، فبعد
المتعهدين ( كبار الملاك) كان هناك مشايخ البلد الذين اعتمد عليهم محمد على فى
جهازه الادارى ومنحهم " مسموح المشايخ".
وإذا كان المتعهدون اناسا طارئين على القرية، فإن المشايخ هم رؤساء
الاسر الغنية المرموقة فى الريف، وذات المكانة الاجتماعية التى منحها محمد على
مزيدا من المكانة والهيبة بما منحه لهم من أرض ونفوذ إدارى .
ويورد على مبارك اسماء كثيرة من هؤلاء المشايخ وهى اسماء ظلت هى
الاخرى تتردد عبر سنوات لتصل الينا وهى تحتفظ بمزيد من الرنين والنفوذ .
أبو محفوظ شيخ بلدة الحواتكة ( أسيوط) وقد ظلت هذه الأسرة معروفة
طوال عدة أجيال متتالية ولها املاك شاسعة تبلغ عدة الاف من الافدنة من الاراضى
الخصبة، وكان جميع اهل القرية فى قبضتهم .
- ثم عائلة أبى حشيش فى المرصفا قليوبية
- وعبد الخالق فى الديوانية اسيوط
- الشريعى فى سمالوط المنيا
ومن بين المشايخ فى كل بلدة كان المدير يعين رئيسا للبلدة يسمى شيخ
البلد وعلى الرغم من ان هذا المنصب كان منصبا ثانويا فى السلم الادارى ولكنه كان
مقياسا للثروة والسطوة فى القرية .
وكان الشيخ ذا سلطة أبوية على القرية كلها وهو المسئول عن جباية
الضرائب وجمع الانفار للخدمة العسكرية وتجهيز عمال السخرة ، ولا شك ان كل هذه
السلطات كانت تمنحه نفوذا لا حدود له على الفلاحين .
فلما جاء اسماعيل ابقى على مشايخ البلد لكنه جعل فوقهم فئة من
اكثرهم ثراء وهم العمد .
ويؤكد الكتور عبد العزيز رفاعى ان العمد ايام اسماعيل كانوا من
اكثر الملاك ثراء ونفوذا فى الريف المصرى وقد كانوا يمثلون عصب النظام الادارى
وزعامة الملاك الزراعيين .
فالعمدة ليس فقط اكبر كذلك للارض الزراعية بل ممثلا للدولة بكل
جبروتها من : سخرة و قرعة عسكرية وضرائب .
وكان العمد يحصلون على مزيد من الأرض بعدة طرق اما خداع الفلاحين
بفرض ضرائب باهظة أو عدم الإبلاغ حين يموت شخص وليس له ورثه حتى يستولى العمدة على
أرضه .
والحقيقة ان حالات الهرب كانت كثيرة جدا الى الحد الذى جعلها مصدرا
أساسيا من مصادر زيادة الملكية الزراعية للمشايخ والعمد .
وقد بلغ المساحة المهجورة فى الدقهلية والشرقية ايام سعيد
بل ان سعيد بدأ بحرمان الفلاحين حتى حقهم فى استعادة الارض التى
هجرها بعد مضى 15 سنة غير انه كان يحتم على المشايخ ان يمنحوا الفلاح 2 ونصف فدان
او 3 فدان وفق للقانون الصادر
وفى سنة 1879 كتب بورج وهو نائب احد القناصل بقول : لقد سمعت من
مصادر متعددة فى لقليوبية ان الفلاحين يعانون من ضغط المشايخ عليهم الى الحد الذى
يدفعهم الى ترك ملكياتهم الصغيرة ليعشوا كعمال لدى احد الذوات أو احد الأوربيين
على امل ان يعيشوا فى كنف حمايته .
وللحديث بقية
0 تعليقات