آخر الأخبار

لماذا أصبحنا هكذا !! ترييف المدن المصرية .... (3)

 

 


 

أحمد برهام

 

التأثير الاقتصادي للترييف ( 1 )

 

 

 (( لوحظ أن طول المقال السابق كان مؤثرا على قدرة بعض الأصدقاء والمتابعين على القراءة الدقيقة ، خصوصا ان أسلوب هذه السلسلة "" أصعب قليلا "" من السلاسل السابقة و هو ما قد يحتاج لقراءة الجملة بتمعن أكثر من مره منعا لسوء فهمها أو تسربها دون فهم دقيق لمعناها .

 

لهذا قررت تخفيض مساحة الحلقة بعض الشيء كلما أمكن ، واكرر ان بعض الأجزاء فى الحلقات السابقة أو القادمة قد تحتاج قراءه متأنية دقيقه منعا للالتباس وسوء الفهم والظن ............... شكرا للجميع على تقديرهم وآراءهم "

 

التأثير الاقتصادي كان عاتيا !!!

 

سبق ان أوضحنا ان النشاط الاقتصادي الأكثر انتشارا فى الريف كان الزراعة ، يليها طبعا التجارة البسيطة ، تجارة البقاله ، تجارة الحبوب ، تجارة المنتجات الزراعية ، وهكذا

 

بينما النشاط الاقتصادي فى المدينة يميل أكثر الى الحرف ، و ألصناعه ، ثم التجارة بصور أكثر تعقيدا !

 

عندما انتقل الريف للمدينة ، أصبح هناك وفره فى الايدى العاملة التى لا تجيد صنعه ما مطلوبة فى المدينة ، وارتفعت نسب البطالة طبعا ، لهذا استقبلتهم قطاعات البناء التى لا تحتاج عادة الى مهارات خاصة أيضا وبأجور بخسه فى البداية.

 

تسبب هذا فى معرفة هؤلاء المهاجرين لهذا المجال تحديدا بشكل أوسع !!!

 

أضف الى ذلك الميل الفطرى للريفى للبناء وإسكان أبناءه قريبا منه مع وفرة الإنجاب لأسباب اقتصاديه فى المقام الأول تم صبغها كالعادة بأسباب دينيه !!

 

غاية المنتهى لاى ريفى ان يمتلك بيتا وأرضا ، لكن لايوجد ريفى يفكر فى ان يمتلك مصنعا !!

 

حتى لو كان مليونيرا ، وحتى لو كان مهندسا فى شركة أو مصنع طوال حياته !!

 

ومع ارتفاع أسعار النفط ، ولجوء بلاد الخليج للتعمير من فوائض بيعه ، واجتذاب العمالة من مصر وغيرها للقيام بهذا البناء ، وبالتالى وفرة السيولة المالية بشكل مفاجىء دون ان يقابلها ارتفاع واضح فى معرفه أو علم أو تطور مهنه أو حرفه !!

 

نتج عن هذا كله اتجاه كل هؤلاء للمبانى باعتبارها استثمارا مفهوما يعرفونه ويجيدونه "" ويحبونه "" ، وأصبح ما نرى من الاستثمار فى الاراضى و تسقيعها ، والمبانى التى تبنى فى أيام و تباع فى دقائق ، دون ادني اهتمام ""بجماليات المبنى"" ، المهم اربع حيطان طوب احمر والسلام ....

 

ففقدت المدينة وجود الشكل الجمالى الذى كان موجودا قبل الظاهرة فى الأحياء الأقدم زمنا ( وسط القاهرة مثالا لهذه الأحياء الأقدم زمنا) ، و طبعا ذهب المواطن بخياله الضيق الى ان السبب هو الدوله ، رغم ان الشكل الجمالى القديم الذى يراه فى الإحياء العريقة كان من بناء أفراد وليس من بناء دوله أو حكومة بالأساس، وان العنصر الجديد هنا هو الذوق الريفى الذى يميل فى أقصى اهتمامه بالتجميل ، بالألوان الزاعقة ، والخامات الغالية والأحجام الضخمة ، لكن لا يهمه الطراز المعمارى أو الشكل الجمالى ، فانتشر البناء الأحمر القبيح ، وأصبحت ترى بلوكات شديدة القبح عديمة التناسق ، مليئه بزخارف غبيه لا معنى لها ولا تجانس فيما بينها !! ومن السهل تفهم أن الصنعة نفسها انهارت لأنه لم يعد هناك إقبال على الفن فى البناء !!

 

كما ان أفواج القادمين من الريف ، هى فى الحقيقة أفواج ( لا تعرف ) المدينة وتحتاج خدمات شخص يعرف ، أو ما نعرفه باسم (السمسار) ، وهى مهنه قديمه ، لكنها ازدهرت بشكل هائل مع الترييف ، لان الاحتياج لها تضاعف مع التزايد الهائل فى أعداد من لا يعرفون المدينة وبحاجه لشخص يعرفها .

 

انتشرت السمسرة (وثقافتها ) فى كل شىء كالنار فى الهشيم وهى أيضا بيزنس سهل و مربح ولا يحتاج مهارة أو معرفه أو علم متقدم !!

 

نتج عن هذا ضعف فى الحرف الأصلية لأنه أصبحت هناك وسائل أسرع وأسهل لكسب المال بالنسبة للايدى العاملة !!

 

ومن السهل ان تفهم ان التوكتوك كان امتدادا لنفس الفكر ( استثمار سهل ومريح ولا يحتاج لاى معرفه او صنعه أو مهارة ) ، و قبل التوكتوك كان هناك استثمارا شائعا فى الريف فى "" النقل "" ، سيارات البيجو للنقل بين المحافظات ، ثم الميكروباصات ...الخ وكلها تحمل نفس البصمة كما ترى !!

 

نتج عن هذا طبعا ضعف شديد فى التصنيع وتدهور حاد فى الحرف ومهارة ممارسيها ، لان الريفى لا يؤمن بالصناعه ولا يعرفها ولا يرغب فى معرفتها ، ووجد فى النسخه الجديده من التدين السطحى دعما يقول له " تسعة اعشار الرزق فى التجارة" وهو طفشان من الزراعه ومشاقها و لا يعرف كما قلنا من التجارة سوى تجارة البقاله ، والسمسره و تجارة الاراضى والعقارات ، دعك من أن الحديث ضعيف جدا ، ويعتقد البعض انه ليس بحديث اصلا وانما حكمه من الحكم المتداوله ، لكن من قال ان هذا يهم الريفى المهاجر ؟!!

 

انه يبحث عن اى غطاء دينى لتقاليده الريفيه حتى وان كان غطاء مهترءا او ضعيفا !! المهم ان ""شكله دينى"" و مع ترديده كثيرا سيتخيل الجميع انه حقيقه لا مراء فيها !! وطبعا كانت النتيجه انتشار هائل للبقالات بمختلف الاشكال ، باعتبارها المشروع الوحيد الذى يفهمه هذا الريفى ، وعندما يفشل نظرا لوفرة المعروض و شدة المنافسه على عكس الوضع فى القريه ، فانه سيتهم كل شىء ، ما عدا نفسه وسوء اختياره !

 

 لماذا أصبحنا هكذا !! ترييف المدن المصرية ....الفيل الذى لا يريد احد أن يراه (2)

 

يتبع ...........

 

إرسال تعليق

0 تعليقات