آخر الأخبار

حالة الضرورة وأثرها الفقهي والعقدي ..(4)

 





علي الأصولي


النظرية الرابعة:

 

وهو مختار جملة من العلماء ولعله هو المشهور بينهم، كون أن الضروري هو الأمر المشهور المعروف بين عامة المسلمين رجالهم ونسائهم وكبارهم وصغارهم علمائهم وعوامهم بحيث لا يجهل أحد منهم أنه من أجزاء دينهم،

 

وهذا مختار الخونساري في رسالة - ضروريات الدين - والشيخ الاملي في - مصباح الهدى في شرح العروة الوثقى /٢٣٣/١١/ - والشيخ آصف محسني في كتابه - صراط الحق/٢٥/١/ - والسيد باقر الصدر في - بحوث في شرح العروة /١٥/٣/ - إذ ذكر في معرض رده على من يدعي كفر المخالفين لأنهم ينكرون ضروريا من ضروريات الدين الذي هو إمامة أهل البيت(ع) إذ قال: ويرد عليه: مضافا إلى عدم الالتزام بكفر منكر ضروري الدين - المراد بالضرورة الذي ينكره المخالف - إن كان هو نفس إمامة أهل البيت(ع) فمن الجلي أن هذه القضية لم تبلغ في وضوحها إلى درجة الضرورة .. –

 

وكيف كان: يمكن أن يرد على هذه النظرية ما يلي:

 

ان اخذ قيد - عدم الجهل - في معنى وتحقق الضروري لازمه رفع اليد عن الكثير من الضروريات التي يجهلها الكثير من المسلمين خاصة المبتعدين من دينهم فكرا وتدينا أو موطنا وعدم اتصالهم بجماعة المسلمين ولو اتصالا اثيريا - قنوات التواصل - ونحو ذلك، على أن أصل الشهرة لا تحقق الملاك وكون الشيء الفلاني يعد من الضروريات، وبالتالي لا أعرف كيف غفل الأكابر ومنهم باقر الصدر وقاعدة - كم من مشهور لا أصل له وكم من أصيل ليس بمشهور - وعلى كل حال هذه النظرية فيها ما فيها وقد ارسلوها إرسال المسلمات بلا دليل يذكر ،



النظرية الخامسة: وحاصل تقريرها، هو أن هاهنا عندنا عنوانين:

 

الأول: عنوان ضروري الدين، أي أن ضرورته منسوبة إلى الدين،

 

الثاني: عنوان ما علم ثبوته في الدين ضرورة، وبعد التفريق بين هذين العنوانين، يفهم بأن الضروري هو ما يحتاجه الدين حاجة شديدة لا مطلق الحاجة، والضروري بناءا على ذلك سوف يكون عبارة عن قسمين:

 

أولهما: الأركان الأساسية المقومة لأصل الدين، إذ هي مصداق ما يحتاجه الدين حاجة شديدة فإن ما يقوم الشيء إلا لحاجته إليه، كالإنسانية قوامها أجزائها الأصلية التي هي الحيوانية والناطقية، فكذلك الأركان المقومة كالتوحيد والنبوة والمعاد، فعدم أحد هذه المقومات يعني انهدام الدين ولذا كانت من ضرورياته،

 

ثانيها: الأجزاء الأساسية في الدين، كالصوم والصلاة وما شابه، فهي وان لم تكن من حصة المقومات غير أنها من حصة الأساسيات، ومعلوم أن الجزء الأساس للشيء يحتاج ذلك الشيء وان كانت حاجته أقل من المقومات،

 

بينما ما علم ثبوته في الدين فهو ما لا يحتاج إلى مؤونة الإثبات بل يكفي الالتفات،


معرفة مصداق الضروري:

 

بناءا على النظرية الخامسة وتحديد الضروري فلا كاشف وضرورية الشيء إلا من خلال المتن القرآني والسنتي فما نبه عليه النص أو صرح أو قرر ونحو ذاك كون هذا الجزء مقوم أو أساس من الأركان أو الأجزاء فالقول بالتالي قوله وتشخيص مصاديق الضروري والضروريات،

 

وقد أثير بوجه هذه الضابطة عدد من المناقشات:

 

أولا: كونها دعوى غير مبرهنة،

 

وفيه: نقضا فلتكن كالدعاوى الأخريات وعدم إقامة البرهان عليها،

وحلا: إن هذا الضابط هو أقرب الضوابط حيث اخذ فهم الضروري وما ينسب للدين من نفس الدين لا من فهم الإنسان وخارج الدين،

ويمكن الرد على النقض مع تمامية الجواب الحلي، وهو أن قول فلتكن كالضوابط الأخرى الخالية من البرهان لا تضفي إلى هذه الضابطة من حجية فلاحظ،

 

وكيف كان: هذه الضابطة أقرب لروح الدين من غيرها من الضوابط التي عرضت سابقا،


ثانيا: يلزم وهذه الضابطة كفر المخالف بكل كل فرق المسلمين. كونهم لا يؤمنون ببعض أركان ومقومات الدين كالإمامة،

 

ويرد عليه: إن بعض ما أسميناها المقومات والضروريات فهي تخص ضروريات المذهب لا الدين ومنها الإمامة،

 

ثالثا: ولعله أهم الإشكالات على النظرية الخامسة: وحاصله: إن تحديد مفهوم شيء وقع موضوعا لحكم شرعي في آية أو رواية يرجع فيه إلى اللغة أو العرف والعقلاء لمعرفة الشيء،

 

وفي مقام الضروري، ضروري الدين لم يقع موضوعا لحكم شرعي لا في آية ولا في رواية حتى نرجع لتحديد مفهومه للغة. فكيف صار الرجوع للتحديد لكلمات اللغويين في تحديد ضروري الدين،

 

وفيه: إن هذا الإشكال سيال على كل الضوابط المتقدمة لا خصوص الضابط الخامس، هذا من جهة ومن جهة أخرى بعد أن نسبنا الضروري للدين ذهبنا صوب البحث عن تحديد مفهومه وهذا لا مانع منه في طول الأبحاث وعرضها فتأمل،


حالة الضرورة وأثرها الفقهي والعقدي ..(3)

إرسال تعليق

0 تعليقات