نصر القفاص
بدأت سبعينات القرن
العشرين بتطور قد يدهشك
أصبحت "ناطحات
السحاب" العملاقة تمثل عنوانا لمجتمع "أوف شور" أو طلب برغبة فى أن
يصبح المجتمع "أوف شور"ثم تأتى بعد ذلك مرحلة تقديم المؤهلات لنيل شهادة
الاعتماد.. أول الأوراق التى يجب تقديمها لعالم "صناعة المال" يتمثل فى
القدرة على تأمين مصدر التشريع – البرلمان – لكى يكون جاهزا فى أن يبصم على ما يتم
عرضه عليه من قوانين.. تأتى بعد ذلك ورقة تكميم الإعلام عبر رجال الإعلام أنفسهم, وهى
مسألة بسيطة تتحقق فى أن يدير هذا الإعلام ويتحكم فى مفاتيحه أشخاص مصابين
بالشراهة تجاه الثروة والنساء!!
ملف أوراق اعتماد أى
مجتمع فى دائرة "الأوف شور" يضم ورقة زواج المال بالسياسة.. فيجب أن
يضمن "رجال المال" ما يطمئنهم على مصالحهم, وهى بالمعنى الذى يجرى
ترويجه "ضمان الاستثمارات" فى مناخ يسمح للمستثمرين بالمشاركة فى
التنمية التى تصعد ثمارها إلى أعلى.. ولا مانع من وصول الفتات للفقراء الذين عليهم
أن يفهموا نظرية "الحصان والعصفور"!! وتبقى بعد ذلك واحدة من أهم أوراق
هذا الملف, بأن يتصدر الواجهة رجال "التطوير العقارى"!!
نعم "التطوير
العقارى" كجملة سحرية وساحرة.. وكلمة سر فى هذا العالم الذى أدرك العالم
خطورته, ومازال مصيدة تغرى المطلوب اصطياده!! ويحذر "ويليام تايلور" فى
بريطانيا من تلك النار, بقوله: "إنه سراب.. مخلوق مخيف وخرافى, سيجعل من
الأغلبية الساحقة عبيدا له" وكتب "مارتن وولف" فى "الفاينانشيال
تايمز" معنى أكثر وضوحا فقال: "إنها ماكينة نهاية الزمان المالية"!!
قد يكون الكلام صعبا
أو غامضا
توضيحه تقدمه
الأرقام التى تكشف أن بريطانيا يملك الأراضي فيها أقل من 1% من البريطانيين.. وتلك
القلة تملك ثلثى أراضى انجلترا.. بينما فى البرازيل سنجد أن 1% فقط من السكان
يملكون نصف أراضى البلاد.. وهنا أتذكر تقريرا سريا تم إعداده قبل ثورة "25
يناير 2011" كما يسميها الدستور, حذر من خطورة ما أسماه "الإقطاع
العقارى" وخطورته على المجتمع المصرى.. وذكر التقرير نفسه أن هذا قد يكون أحد
أسباب انفجار الأوضاع!!
ظهر سحر "التطوير
العقارى" كمصطلح حين أراد القائمون على أمر منطقة سوق المال فى قلب "لندن"
إبعاد سكان مناطق تحيط به.. بدأوا يتحدثون عن خطط تحديث تنقل أحياء الفقراء إلى
المعاصرة.. أوضحوا أنهم سيدفعون تعويضات ضخمة للسكان تنقلهم من الفقر إلى الغنى, ومن
حياة كئيبة لعجزهم عن مواكبة الأثرياء إلى جوارهم.. كان مطلوبا فرض "صمت اجتماعي"
لعب فيه الإعلام دورا بفعل فاعل.. وتواطأت السياسة.. وبقيت أصوات تحذر من خطورة
ذلك.. كان أصحاب هذه الأصوات يؤمنون بأن الاقتصاد يخدم المجتمع, ولا يهدمه أو يغير
سماته.. وكانوا يرون أن الاقتصاد يجب أن يحترم ثقافة الناس.. لكن أصحاب ورجال "سوق
المال" كانوا يؤمنون بما يسمى "التسليع" الذى يعنى أن كل شىء له
ثمن باعتباره سلعة.. بداية من الرأي والكلمة, ونهاية ببيع أعضاء من جسم الإنسان!!
استمرت المعركة
لسنوات على نحو سبق أن قدمه "أسامة أنور عكاشة" فى رائعته "الراية
البيضاء" ولعلنا نذكر فى المسلسل انتصار مرحلى لأنصار "مفيد أبو الغار"
بينما بقيت "فضة المعداوى" تقاتل حتى حققت الانتصارات المتوالية
والمتعاقبة.. وانتصر أصحاب فكر "التطوير العقارى"!!
فى ذلك الوقت لم نكن
نسمع عن مصطلح "التطوير العقارى" لأنه كان جديدا حتى فى "لندن"
والتى شهدت انتصارا جزئيا لرافضي هذا التطوير بمنطقة اسمها "سبيتافيلدز"
التى كانت تضم أقدم الأسواق.. واستمرت المعركة حتى أول مايو 1997 حين تولى "تونى
بلير" السلطة ليحكم مع حزب "العمال" فقدم ثمن قبول "رجال
المال" لوجوده فى الحكم فجعل من منطقة سوق المال سلطة استقلال اقتصادي وسياسي..
وتمت توسعة المنطقة ونقل كل من كانوا يزعجون الأثرياء وأباطرة المال, ويشوهون قلب
العاصمة وفق رؤيتهم.. حدث التغيير الجذرى باسم "التطوير" الذى وجدوا فيه
معنى ساحر فأطلقوا عجلتة لتدور فى أنحاء الدنيا.. ولعلنا نذكر أن هذا التوقيت كان
بداية ما يسمى "المدن الخاصة" أو "الكومباوند" والتى انتشرت
حتى كادت أن تصبح هى الحاضر وكل المستقبل.. ويجنى "رجال المال" من
ورائها ثروات طائلة, تطير معظمها إلى "الملاذات الآمنة"!!
الدول الكبرى – الصناعية
– أصابها هذا المرض.. لكنها تحاول العلاج, مع تأجيل إجراء جراحة لأن "المرض"
نفسه يفيد بنوكها واقتصادها بما يتم نزحه من دول غنية بالنفط أو فقيرة يقوم عليها
ساسة فاسدون!! ورصدت صحف انجليزية أنه بحلول عام 2008 سجلت مائة شركة روسية فى
بورصة الأوراق المالية بالعاصمة "لندن" وقامت بعمليات تجارية فى سندات
وأوراق مالية ضخمة.. ما تم رصده فقط كان قد بلغ 950 مليار دولار – تسعمائة وخمسين –
والرقم صحيح قبل أن تندهش.. وأصبح يقيم فى "لندن" 300 ألف – ثلثمائة ألف
– روسى أصبحوا يمتلكون أندية إنجليزية وعقارات.. بل وصحف كما فى حالة "الكساندر
ليدف" الذى اشترى صحيفتى: "إيفننج ستار" و"اندبندنت" وما
يحدث جعل نائب المدعى العام الروسى "الكساندر زيفيجييسف" يقول عن "لندن"
أنها أصبحت "مغسلة عملاقة للأموال المشبوهة" ووصفها بأنها "لندنجراد"!!
خدعت ألاعيب "الأوف
شور" دولا فاعتقدت أنها تقدر على ممارستها.. تركوها تلعب ثم ضربوا اقتصادها
وأعادوها للمربع رقم "صفر" كما حدث مع "النمور الآسيوية".. كما
خدعت حكاما كثيرين, فضاع ما نهبوه فى "البنوك المصيدة" وهناك عشرات
الأمثلة, لعلنا نذكر منها "سانى أباتشا" الرئيس النيجيرى و"ماركوس"
فى الفلبين و"سوهارتو" فى إندونيسيا.. بل أن هناك المئات من "رجال
المال" والأثرياء فى الدول النامية, فقدوا مليارات يصعب حصرها لخوفهم من
انكشاف أمرهم أو لأنهم ماتوا بأسرارهم.. هذا غير مليارات يجوز أن تطلق لنفسك عنان
خيالك لتقديرها, وكشف ذلك خطوة أقدم عليها "محمد بن سلمان" ولى العهد
السعودى.. حين حبس العشرات من "رجال المال" فى بلاده بفندق "كارلتون"
وأجبرهم على إعادة أكثر من مائة مليار دولار من أموال منهوبة خلال عدة شهور.. هذا
غير أموال جماعات محظورة يتم استثمارها كما الحال مع "جماعة الإخوان" الذين
فقدوا مليارات فى "بنك التقوى" بإغلاقه وتوجيه تهمة "غسيل الأموال"
للذين قاموا عليه.. بعد إغلاق "بنك الاعتماد والتجارة الدولي"!!
تقوم ماكينات
الإعلام بالدول المستهدفة, بنشر أخبار أو قليل من الموضوعات عن سقوط "مصاصى
دماء الشعوب" على أنها عمليات "مكافحة فساد" حتى ولو كانت عمليات
نهب تمارسها دول كبرى عبر نظام الاستعمار الحديث المعروف باسم "أوف شور"
وهو فى حقيقته "مصيدة" شيطانية.. لكنها ساحرة بغموضها المرفوض فك شفرته..
وإذا كان هناك من يجرؤ على فعل ذلك سيتم ذبحه واغتياله معنويا فى الحالات البسيطة!!
يملك عالم "الأوف
شور" كما من "كلاب الحراسة" المدربين!!
هؤلاء وظيفتهم نهش
من يجرؤ على الكلام, إذا استعصى على الترويض.. ويكشف ذلك "جون كريستنسن"
وهو خبير ومستشار اقتصادي سبق له العمل فى "جيرسى" قبل أن يقرر الهروب
بجلده من هذا المستنقع, ويتكلم لكشف جرائمه وخطورته على العالم.. فيقول: "إذا
حاولت كشف المستور تصبح مختل عقليا.. منحرف أخلاقيا.. عدوا يجب اغتياله بدنيا
ومعنويا" ويؤكد المعنى الدكتور "مارك هامبتون" الذى كان يحاضر فى "جيرسى"
باعتباره أستاذ فى جامعة "بورتموث" البريطانية.. فيقول: "كانوا
يستقبلونى بترحاب وحفاوة شديدين.. لكننى جرؤت على تناول عيوب وسلبيات عالم "الأوف
شور" فإذا بالأمور تنقلب رأسا على عقب.. فأصبحت أحمل دكتوراه مزورة.. تافه.. مدع..
مشبوه.. لا أستحق أن يسبق اسمي درجتي العلمية.. غير قائمة سباب وبذاءات طويلة"!!
وتعرض لذلك "جيف ساذرن" عضو مجلس
العموم البريطانى الذى كان يعارض نظام "الأوف شور" ويجاهر بآرائه.. فتم
نشر صورته فى هيئة "هتلر"!! وتم اتهامه بأنه حاقد ومريض نفسيا, ووضعوه
على قائمة الخونة.. أما الذين يخدمون هذا العالم, فيمكن أن يصبحوا نوابا وأثرياء
ونجوم فى عالم الإعلام.. لأنهم يحصلون على رخصة "كلب حراسة" للذين
يديرون ماكينات "الأوف شور"!!
صاغت "بريطانيا"
قوانين تضمن تدفق الثروات عليها وإليها.. كان بين تلك القوانين "قاعدة محل
الإقامة" التى تجعل من صاحب الثروة مقيما يتمتع بإعفاءات ضريبية ضخمة.. وتم
الضغط على حكومات كثيرة لكى تسمح بهذا الحق, ما لم تقدم تسهيلات للحصول على
الجنسية.. وعلى هذه القاعدة أصبح 60 ألف يونانى يملكون شركات سفن ونقل بحرى يعيشون
فى أرجاء بريطانيا.. ونشرت "صنداى تايمز" أن 54 مليارديرا يعيشون على
أرضها.. تقدر ثرواتهم بمائة وستة وعشرين مليار جنيه استرلينى, دفعوا للضرائب فى
عام 2006 مبلغ 14,7 مليون استرلينى!! وهؤلاء يسهمون فى تنمية بريطانيا, حتى لو
كانت ثمار التنمية تصعد لأعلى.. فى وقت يدفع الفقراء والطبقات المتوسطة الضرائب
التى تصل إلى 40%.. وذلك جعل البروفيسور "برم سيكا" بجامعة "اسكس"
يصف هذه الوضعية بأنها "خصخصة لسياسات الدولة" لكى تخدم "رجال
المال" لأن الحكومة تفرض ضرائب على الاستهلاك يدفعها كافة المواطنين, ويستفيد
منها الأثرياء.. لأنهم يؤمنون بما يطلقون عليه "نظرية الفندق" وهم
يشرحون نظريتهم, بأنهم يجب أن ينظر إليهم المجتمع والحكومات, كما لو كانوا نزلاء
فندق يدفعون أموالا, يستفيد منها مئات العاملين فى هذا الفندق وحوله!!
يتولى "كلاب
الحراسة" صياغة نظريات "رجال المال" والدفاع عنهم, وتشويه خصومهم..
إلى جانب الدفاع عن الحكومات التى تخدم مصالحهم, وهؤلاء يحصلون على مستحقات ضخمة
ويتمتعون بحماية "الأثرياء" الذين يستمتعون بإعطاء العصافير – المواطنين - ما يتساقط من الحصان حين يأكل!!..
يتبع
0 تعليقات