علي الأصولي
إذن: ومما تحصل هناك
مشهور فقهي إمامي على حرمة أكل لحوم الأرانب، وأن اختلف في أصل منشأ الحرمة
والبناء عليها هل كون الحرمة نتيجة أن الأرنب من السباع أو من الممسوخات، أو يعد
الأرنب من القوارض.
ولهذا أحال الفقيه
السيد الشهيد الصدر الثاني، موضوعة التصنيف كما في - ما وراء الفقه - أحال الموضوع
على عرف العلماء المختصين بحياة الحيوان، فإن ثبت أن الأرنب من صنف القوارض فلا
حاجة بعد للنص أو الإجماع والبحث في النجاسة والقذارة ونحو ذلك لمعلومية حرمة
القوارض،
وما يهمنا هنا هو
البحث عن الدليل بصرف النظر عن هذا الدليل - مانع أو مبيح - واكل الأرنب بمعزل عن
رهبة دعزة الإجماع أو الشهرة، فقد وصل بعض الفقهاء إلى جواز الأكل للحوم الأرانب
فيما اعلم إلا أنهم بالتالي انساقوا أما سكوتا من أصل أو احتياطا بالحرمة كما في
بعض الرسائل العملية.
وقد ذكرنا أن الفقيه
- المفروض طبعا - وللأمانة العلمية والتكليف الشرعي وإتماما للحجة أن يصير للإفتاء
وما وصل إليه من دليل - حرمة أو إباحة - وهذا ما وجدناه - من الصراحة - التي تمثلت
بآراء بعض الفقهاء وطرحها بمعزل عن مؤثرات الخارج كما في بعض فتاوى - المرجع
السيستاني - والمرجع - الصدر الثاني - سواء وافقنا هذه المخرجات الفقهية أم لا ،
بالتالي الصراحة بالإفتاء يجنب الإغراء بالجهل،
وذكر المثال بالمرجع
السيستاني أو المرجع الصدر لا يعني عدم وجود أمثالهم بالساحة ممن يتسم فيه الشجاعة
والأقدام وإظهار الفتاوى بلا توجل وفقا للمصلحة والتكليف،
-
روايات التحريم –
توجد روايات مانعة
واكل لحم الأرنب وناصة على أنه من الممسوخات،
الرواية الأولى: عن
محمد بن الحسن الأشعري عن الرضا(ع) أنه قال: الفيل مسخ ... إلى أن قال .. والأرنب
مسخ كانت امرأة تخون زوجها ولا تغتسل من حيضها
.. الخ .. الوسائل ج24/ ب 2 / من أبواب الأطعمة المحرمة / ..
ومعنى المسوخ لا أن
هذه الحيوانات هي مسخ بذاتها بقدر ما هو حكاية عن مسخ بعض الأقوام على صور بعض
الحيوانات،
ما يعنينا في المقام:
هو أن الدلالة من الصراحة بمكان وحرمة الأرنب،
غير أن الإشكال من
الناحية السندية بمحمد بن الحسن بن أبي خالد القمي الأشعري، المعروف بشنبولة على
ما أفاد النجاشي في رجاله، هذا الرأي لم يوثق وان استظهروا أنه من الشيعة من خلال
بعض مروياته عن الأئمة(ع) ومن هنا حكم البهبهاني بوثاقته بلحاظ كونه أنه وصي لسعد
بن سعد الأشعري وهذا كاف بالوثاقة والاعتماد وحسن الظاهر بالتالي،
وأن أشكل على هذه
التخريجة والاستظهار بعدم الوثاقة بل غايتها الأمانة وعدم الخيانة ولا تدل على عدم
الكذب بالرواية ومن الواضح أن النسبة بينهما عموم من وجه - معجم رجال الحديث - للمحقق
الخوئي.
إلا أن اعتراض
المحقق الخوئي وهذا والاستظهار سوف يفضي إلى فتح ملف وثاقة العمري بل وابنه ونص
الإمام عليها بقول: عندما سئل(ع) من اعامل أو عمن اخذ وقول من اقبل؟ فقال له: العمري
ثقتي فما أدى إليك عني فعني يؤدي وما قال لك عني فعني يقول، فاسمع له وأطع، فإنه
الثقة المأمون .. بدعوى أن غاية ما يفيد الحديث هو الأمانة والوكالة المالية.
ويرد عليه: إن
ملاحظة مناسبات الحكم والموضوع وإطلاق لفظ ما أدى وما قال، مع ملاحظة التوثيق فإنه
ثقتي آبية وفهم التخصيص في الموارد المالية.
وعلى فرض الأمانة
التي يتحلى بها محمد بن الحسن وموضوعة الوصاية الدالة على عدم الخيانة فهي تكفي
التوثيق كقدر متيقن.
بالنتيجة: صحح
العلامة الحلي حال محمد بن الحسن في كتابه - الخلاصة - فيكون من هذه الناحية ثقة
بناء على قبول توثيقات المتأخرين. وكيف كان: بما أنه لم يوثق بخصوصه فهو بالتالي
لم يذم أيضا.
الرواية الثانية: خبر علي بن جعفر
عن أخيه الإمام الكاظم(ع) قال: المسوخ ثلاثة عشر: الفيل والدب والأرنب ... الخ .. نفس
المصدر/ .
وهذه الرواية من
إفادتها للمطلوب المشهوري إلا أنه تعاني من مشكلة وثاقة أحد رواتها وهو علي بن
الحسين العلوي المجهول. ولا يعالج إلا بناء على نظرية التعويض السندي.
نعم: هذه أقوى ما
يمكن أن يستدل وحرمة أكل الأرنب وما غير هذه الروايات فهي مبتلاة بمجاهيل وعدم
ثقاة هذا في خصوص الروايات التي عللت الأرنب كونه من الممسوخات.
وتوجد روايات تصنف
على كون الأرنب من صنف السباع.
منها: ما رواه محمد
بن سنان عن الإمام الرضا(ع) فيما كتب إليه من جواب مسائله في - العلل - بمفاد: وحرم
الأرنب لأنه بمنزلة السنور ولها مخاليب كمخالب السنور وسباع الوحش .. الخ ..
إلا أن هذه الرواية
متنها مضطرب بصرف النظر عن راويها - محمد بن سنان - المخدوش عندهم. إلا اللهم أن
يقال: كما استظهر بعض الفضلاء كون الإمام كان يتحدث عن نوع خاص من الأرانب. وهذا
توجيه غير ناهض بطبيعة الحال،
تمسك المانع بروايات
إفادة أن وبر وجلد الأرنب مما لا تجوز الصلاة فيهن. فهو - أي الأرنب - مما لا يؤكل
لحمه وكل ما لا يؤكل لحمه فهو حرام بالتالي. فعن علي بن مهزيار قال: كتب إليه
ابراهيم بن عقبة: عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرنب فهل تجوز الصلاة في وبر
الأرنب من غير ضرورة ولا تقية؟ فكتب(ع) لا تجوز الصلاة فيها. واستظهروا المنع من
خلال وضوح الدلالة والنهي إرشاد إلى الفساد.
وهذا الفهم تام بناء
على موثقة عبد الله بن بكير الدالة على منع الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه. ولذا
قالوا أنها معارضة بمكاتبة محمد بن عبد الجبار قال: كتبت إلى أبي محمد(ع) اسأله هل
يصلى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير محض أو تكة من وبر الأرنب؟
فكتب: لا تحل الصلاة
في وبر الحرير المحض وأن كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه إن شاء الله .. وكما ترى
الإمام قرر إجازة تكة وبر الأرنب في الصلاة بسكوته عنها.
بعد أن تمسك المانع
ودعوى كل ما لا تجوز الصلاة فيه فهو مما لا يؤكل لحمه، وبالتالي الأرنب حرام كما
ذكر سابقا.
يمكن أن يدعي المانع:
بوجود التلازم بين حرمة أكل الحيوان وفساد الصلاة في أجزائه - عدا ما ثبت الرخصة
فيه كالخز - وهذا مما تسالمت عليه كلمة الأصحاب واستفاضت النصوص به. ومن أراد
التفصيل فليراجع رسالة - الصلاة في المشكوك - للفقيه الكبير المحقق النائيني محمد
حسين الغروي،
ويمكن الرد على الإفادة
أعلاه:
الكلام ليس في خصوص
هذه الجهة حتى يتم الاحتجاج بما اتفقت عليه كلمة الأصحاب واستفاضت به النصوص،
بل لنا أن ندعي ان
الصلاة لا تبطل في أجزاء ما لا يؤكل لحمه فقط بل حتى ما يجوز أكله أيضا تبطل فيه
الصلاة إذا كان غير مذكى وهذا ما عليه النص والفتوى.
وكيف كان: عدم صحة
الصلاة في أجزاء الأرنب لا دليل فيها على حرمة أكله. بناء على ما ذكرنا في خصوص
غير المذكى من الحيوان فلاحظ ،
نعم: وفي قبال
روايات التحريم توجد روايات تفيد الحل، منها معتبرة حماد بن عثمان عن الصادق(ع) عن
رسول الله(ص) فيها - فأتى بأرنب فكرهها ولم يحرمها - واستفادوا الحلية من صدر
الرواية بعد المناقشة في لفظ الكراهة المصطلح إذ أن صدرها ذكر عزوف نفس الرسول(ص) وهو
معنى عدم الرغبة مع الإباحة،
وخبر أبي بصير عن
الصادق(ع) قال: كان يكره أن يؤكل من لحم الدواب لحم الأرنب .. الخ .. إلا أنها غير
ناهضة ودعوى الحلية بلحاظ كون لفظ الكراهة يحمل على المبغوضية لا على لفظ الكراهة
المصطلحة. ناهيك عن ضعفها السندي على ما أفادوا. من جهة علي بن حمزة البطائني.
ومن هنا وجد التعارض
المستقر وعمد غير واحد إلى ترجيح طائفة على أخرى من الروايات لمخالفتها للجمهور. وموافقة
الروايات الأخرى لهم. هذا بناء على تقديم المرجح - الرشد في خلافهم - وأما من قدم
ويقدم موافقة الكتاب وعدم مخالفته فسوف يتجه للحلية بلا كلام.
بالتالي: كما ترى لو
كنا نحن والقرآن الكريم فالجواز والإباحة وأما نحن والروايات المناقشات السندية
والدلالية وتوجيه التعارضات.
وعلى كل حال
فالاحتياط أوفق بالتحريم مع عدم وجود ما يمكن أن يركن إليه من دليل والى الله تصير
الأمور ..
0 تعليقات