آخر الأخبار

مفهوم هدهد سليمان (2)

 



 

 

إذا كان الهدهد طيرًا، فلماذا قال سليمان ؏ لأذبحنه؟

 

فاعلم أن الذبح في العربية يعني القتل والفتك أيضًا (تاج العروس). كما قال الله تعالى في القرآن الكريم عن فرعون: (يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ) (القصص: 5).. أي أنه كان يقتل أبناء بني إسرائيل. فلو جاز للمفسرين اعتبار الهدهد طيرًا لورود لفظ الذبح في حقه، فلم لا يجوز اعتبار أبناء بني إسرائيل طيورًا لورود الذبح في حقهم أيضًا؟

ثم اعلم أنهم إذا أطلقوا اسم شيء على شيء لمشابهة بينهما وصفوا المشبَّه بكلمات تناسب المشبَّه به، وهو مما يفضي على الكلام جمالاً وبهاءً. فمثلاً إذا شبّهتَ إنسانًا بالأسد، فتقول إنه يزأر كالأسد، ولا تقول إنه يغنّي كالأسد. وبالمثل لما استعمل القرآن الكريم لفظ الهدهد لهذا الإنسان استعمل له كلمة الذبح أيضًا تزيينًا للكلام، وإن كان هذا قائد جيش.

 

الاسم: هدهد

 

لماذا سمى القرآن هذا الشخص هدهد؟

 

عندما نتصفح كتب بني إسرائيل لمعرفة ماهية الهدهد ولنرى ما إذا كان فيهم إنسان بهذا الاسم، نكتشف أنه كان في اليهود في زمن سليمان ؏ أناس كثيرون اسمهم “هُدَد”. والحق أن الاسم العبراني “هُدَد” تحوَّلَ إلى الهدهد في العربية شأنه شأن أبرهام الذي صار إبراهيم، ويسوع الذي صار عيسى، وموشي الذي صار موسى في العربية. ولا غرابة في ذلك مطلقًا، وبالمثل إن القرآن الذي نـزل بالعربية عندما ذكر اسم “هُدَد” العبري جعله الهدهد.

 

والتاريخ يبين لنا أن “هُدَد” كان اسم العديد من الملوك الأدوميين، ومعناه: الجلبة الكبيرة. والهدُّ في اللغة العربية أيضًا يعني الصوت الغليظ (الأقرب). ويبدو أن بني إسرائيل كانوا يسمون الطفل الغليظ الصوت هُدَدًا أو هُدهُدًا. وقد أُطلق اسم “هُدَد” على الملك الأدومي الثالث الذي ألحقَ الهزيمة بقوم مَدْين، وأيضًا على الملك الأدومي الأخير (الموسوعة اليهودية، تحت: Hadad). وكان الهدهد اسم أحد أبناء إسماعيل ؏ أيضًا.(المترجم: لم نعثر على هذا الاسم).

 

وقد ذكر الكتاب المقدس (في الملوك الأول 11: 14) أحد أمراء الأسرة الأدومية وكان اسمه هُدَد، وكان قد فرّ إلى مصر خوفًا من القتل العام الذي أمر به يوآب.

 

وورد في الموسوعة اليهودية أن لفظ “هُدَد” إذا ورد في العهد القديم خاليًا من أي صفة أو فعلٍ فيعني أحد أفراد الأسرة الأدومية. (تحت كلمة: Hadad)

 

باختصار، إن الهدهد تعريب للكلمة العبرية “هُدَد”.

 

ثم يقول المفسرون أن ما دل سليمان ؏ على غياب الهدهد هو أنه كان في سفر في برية لا ماء فيها، فحان وقت الصلاة، فأراد الوضوء فلم يجد ماء، فقال لأصحابه: أين الهدهد؟ اطلبوا منه أن يبحث عن الماء. ذلك لأن الهدهد هو الذي كان يدلهم على الماء كلما احتاجوا إليه. فبحثوا عن الهدهد ولم يجدوه. فاستشاط سليمان ؏ غضبًا وقال: حينما يأتي الهدهد (لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ) (النمل: 22). (روح المعاني)

 

ولكن البعض الآخر قد اختلف مع هؤلاء المفسرين وقال إن الواقع أن سليمان ؏ كلما سافر أظلته أسراب الطيور، وفي أحد الأيام وصلت الشمس إليه من خلال ثغرة كانت في هذا الظل، فرفع بصره وعلم سبب الثغرة وهو أن الهدهد كان قد ترك مكانه. (القرطبي)

 

إذًا، فمن عادة المفسرين نقل حكايات خرافية في تفاسيرهم. مع أن كل ما في الأمر هو أن لفظ الهدهد الوارد في القرآن الكريم تعريب لاسم “هُدَد” العبري، والمراد منه أحد أمراء الأسرة الأدومية الذي كان قائدًا في جيش سليمان ؏. كانت الأسرة الأدومية من أعداء سليمان وكانت تعيش خاضعة لمُلكه، فلما فقد سليمان قائده الهدهد ظن أنه ربما خانه وذهب إلى الأعداء للتآمر عليه، فأعرب سليمان ؏ عن قلقه وغضبه.

 

وقد يكون الهدهد رئيس قبيلة عربية، إذ يخبرنا الكتاب المقدس أن أحد أبناء إسماعيل ؏ كان يسمى الهدهد. ومن الثابت تاريخيًا أن القبائل العربية كانت مقيمة في الطريق المؤدي من فلسطين إلى اليمن. وكان العرب واليهود يعادون بعضهم بعضًا، ورغم أن العرب خضعوا لملك سليمان إلا أن العداء لم يزُل من القلوب، فلما وجد سليمان ؏ أحد الرؤساء العرب غائبًا أوجس منه خِيفة فثار وغضب. وبما أن منطقة اليمن التي كان سليمان ؏ قد خرج بنيّة الهجوم عليها كانت بلدًا عربيًا فالأقرب إلى القياس أن الهدهد كان أحد الرؤساء العرب.



مفهوم هدهد سليمان


إرسال تعليق

0 تعليقات