محمود جابر
للتذكرة بدأنا الحديث فى هذا البحث بأن هناك نظرتان تحكمان منهج النظر إلى
الإنسان الأول : يرى الإنسان مخلوقات مفطورا على الطاعة والتقوى والخير ومعرفة
الله تعالى وهذا هو منهج الإسلام.
والمنهج الآخر: يرى الإنسان ابنا للخطيئة وعبدا لها ... وإذا كان الإنسان
صاحب خطيئة أولى فإن الذي دفع الإنسان الأول – آدم – إلى الخطيئة هي زوجه - حواء –
وعليه فقد اعتبروا حواء/ الزوجة / المرأة (شرا مطلقا)... وعليه يجب إخفاء مكمن هذا
الشر وإبعاده عن أماكن العبادة ...
ثم تحثنا عن لباس المرأة فى الجاهلية وقبل الإسلام.
ونستكمل الحديث عن لباس المرأة فى صدر الإسلام ...
أن زمن النبي ليس بالصورة التي يفهمها المسلمون البسطاء وفقا للدراما
التلفزيونية، وفقا لرؤية المشايخ والإفتاء الذين وضعوا هذه الصورة الافتراضية وفقا
لفهمهم ومخالفا للحقيقة، فمجتمع النبى والصحابة لم يكن قط مجتمعا من الملائكة، بل
كان مجتمعاً طبيعياً يعيش فيه الصحابة كما يعيش البشر ، و يعرف أن للمرأة أن تتجمل
فقد خلقت بذلك غريزياً ، و لم يكن أمرا ممجوجاً ولا محرماً . كذلك لم يمنع أو يحرم
لقاء الرجال بالنساء ، بل هو لم يحرم الغزل بينهما لأنه الرسالة الأولى للتواصل
الإنساني بينهما ، يروي البخاري عن عبد الله بن عباس أن أخيه الفضل كان رديف رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه ، فجعل الفضل بن
العباس ينظر إليها و تنظر إليه ، فجعل رسول الله يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر . و
لنلاحظ أن هذا الغزل بين صحابي و صحابية كان في حضرة سيد الخلق الذي أينما كان
حاضراً كانت السماء حاضرة ، و في أقدس الأماكن و أقدس الأزمان ، في حجة الوداع .
ولم ينزعج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولم ينهرهما ، بل كان فقط
يصرف وجه ابن عمه الفضل بأنامله الشريفة ليناً و لطفاً و تقديراً منه لفطرة الله
التي خلقنا عليها ، ولم يصرف وجه الخثعمية عن التملي من الفضل . وإما لم تكن هذه
الخثعمية لا مخمرة ولا منقبة ولا محجبة حتى بدت مفاتنها للشاب، أو كانت مخمرة و
محجبة و مع ذلك فإن الخمار لم يستطع أن يمنع نداء الطبيعة و لم يردع الفضل عن
الغزل في حضور رسول السماء و الزمن القدسي كله .
و لم يمنع الحجاب المرأة من التطلع و المغازلة ، فإن لها عيون ترى وآذان
تسمع ، و في زمن الخليفة عمر اشتهر نصر بن الحجاج السلمي بجماله الأخاذ حتى فتن
نساء المدينة، و أصبح يقلن فيه الشعر الماجن، الذي نختصره هنا في معناه لشدة مجونه،
فهذه صحابية تدعو ربها أن يصلها بنصر بن الحجاج ليطفئ نارها وشوقها ولوعتها، و
أخرى تنادي : من لي بابن الحجاج ولو ليلة واحدة، و هو ما أضطر الخليفة عمر رأفة
بالأزواج من الصحابة إلي إبعاده إلي بلاد الشام .
الحجاب المخترع حديثا يقال فيه أنه عفة وطهارة، و حتى تعرف المسلمة فلا
تؤذى، أي يحميها من التحرش أو ربما الاغتصاب، هذا رغم أن كل الميزات التي ميزت بها
حرائر الزمن النبوي أنفسهن بإدناء الجلاليب و تخمير الثدي إضافة لعادة تخمير الرأس،
فإن ذلك لم يمنع تعرضهن ليس فقط للإيذاء، بل للاغتصاب .
فعن أسباط بن نصر عن سماك بن وائل عن أبيه ، زعم أن امرأة وقع عليها رجل في
سواد الصبح و هي تعمد إلى المسجد، فاستغاثت برجل مر عليها و فر صاحبها ( أي الذي
وقع عليها ) فأدركوا الذي استغاثت به . و هو يقول لها : أنا الذي أغثتك ....!! / أورده
البهيقي في السنن الصغرى .
و في خلافة عمر " حدثنا
الحسين بن عبد الملك بن مسيرة عن النزال بن سيده قال : بينما نحن بمنى مع عمر إذ
امرأة ضخمة على حمار تبكي كاد الناس يقتلونها من الزحمة عليها و هم يقولون لها : زنيت
.. زنيت ، فلما انتهوا إلي عمر قال ما شأنك ؟ فقالت كنت امرأة ثقيلة الرأس و كان
الله يرزقني من صلاة الليل، فصليت ثم نمت، و الله ما أيقظني إلا رجل قد ركبني ثم
نظرت إليه معقباً ما أدري من هو من خلق الله .
بل و كان في الزمن النبوي من الصحابيات من هي متزوجة لكنها عاشقة رجال "
عن عكرمة عن بن عباس قال : جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : أن
امرأتي لا تمنع يد لامس ، قال : غربها (طلقها) ، قال :
أخاف أن تتبعها نفسي ( أي أنه يحبها بشدة ) ، فقال له النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) : فاستمتع بها " .
وسواء كان الحجاب موجودا بشكله الحالى أو كان غير موجود، بيد أن هذا لم
يمنع ان يكون لدى الناس – حتى لو كانوا من الصحابة- ان يميل إلى السلوك الطبيعى
بين رجل وامرأة كل هذا كان يتم فى وجود النبى سواء فى مكة أو المدنية أو غيرها من
مدن الإسلام .
بيد أن المشكلة تكمن فى أن مسلمى اليوم لا تقبل نفسهم و أمزجتهم و ربما عقولهم
بمثل هذه الشهادات لأن وعاظنا صوروا له
الزمن النبوي كما لو كان زمناً ملائكياً روحياً لا مجال فيه للخطأ، كي يلقوا فيه
بكل جديدهم اليوم و يستمدوا منه ما يدعم مخترعاتهم اليوم كالحجاب ليلبس قدسية ذلك
الزمان ، لأنهم لا يتلقون وحياً لكنهم يريدون لكلامهم القدسية و هم يستمدونه من
زمن الدعوة ، لذلك جرى تقديس ذلك الزمن ليعطي فتاوي مشايخنا و قولهم قدسية الوحي
ولا يعرجوا أبداً لمثل هذه الأحداث بل و يخفونها عن المسلمين عمداً و قصداً و رغبة
منهم عن سبق إصرار و ترصد ، كي يصنعوا المسلم الذي يريدون : الممتثل المطيع الذي
لا يعرف سوى قول (آمين) .
و ربما يأتي مسلم اليوم و هو يقرأ هذه الشهادات ليلقي بنفوره على كاتب هذه
السطور هنا و ليس على من دون الحدث و لا على من صنع الحدث و لا على المجتمع الذي
حدث فيه الحدث، لأن مشايخنا يصوغون له إسلاماً غير ما كان في زمن النبوة الشريفة،
حتى يلتقي مع ما يريدون الوصول إليه، و هو الإمساك بدماغ المجتمع كله و إجباره علي
الطاعة و التسليم بفروض لم تكن موجودة كالحجاب ، و هو ما يعني أنهم جعلوا المسلمين
أكثر طاعة لهم من الطاعة لدينهم و لنبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، حتى
فرضوا على أنفسهم بأوامر من نصبوا أنفسهم قيمين على الدين بما لم يفرضه الله .
و بإيعاز مستمر من مدعى العلم ، تصور المسلمون أن ما يسمى بالنقاب فريضة
إسلامية من الفرائض العظمى، حتى أنهم يخرجون في المظاهرات الصاخبة للاحتجاج على أي
حديث معلن لا يقول بأن الحجاب/ النقاب فريضة ، كما لو أن هؤلاء المتظاهرين جميعا
قد درسوا الأمر و عاينوه في مصادره الإسلامية المعاينة النافية للجهالة ، واقتنعوا
بأن الحجاب/ النقاب فرض ، فقاموا يرجمون من قال بغير ذلك . المسلم لا يعلم من شئون
دينه ما يجعله يفرز الأحاديث الضعاف من الصحاح المسندة من الآحاد .
بل و يبالغ المسلمون اليوم في عزل المرأة عن المجتمع ، فقاموا يخترعون
إضافة إلى اختراع ( الحجاب ) اختراعاً آخر يزري بمخترعه هو(النقاب).
الذي يغطي كل الوجه ولا يترك سوى العينين، أو ثقباً واحداً لعين واحدة ، و
هو النقاب الذي كانت ترتديه المعلمة المسلمة الفرنسية وصاحبة القضية المشهورة التي
رفعتها كي تدخل علي تلاميذها الصغار بنقاب له عين واحدة ، مما قد يرعب هؤلاء
الأطفال. ثم هناك نقاب لا يسمح حتى بثقوب ولا للعين الواحدة، وهو نوعاً من
الاستعلاء علي المسلمين، و أنه إعلان تميز، بل هو استعلاء على شرع الله و مزايدة
علي الله نفسه ، و إن النقاب إذ يعطي المرأة فرصة التطلع إلي الآخرين و فرزهم
واقتحامهم بعيونها ، فإنها بنقابها تمنع عنهم ذات الحق .
ولمن يعلم أو لا يعلم فقد منح النبى النساء حق الصلاة خلف الصفوف، وان يصلى
من جاء متأخرا فى المسجد خلف النساء اللاتى سبقناه إلى الصلاة، ففي مسجد النبي كان
النساء خلف الرجال و لم يكن بينهم أي حاجز ، ( اليوم يقيمون الحواجز في المساجد
مزايدة علي النبي !!!) .. و كان معروفاً أن العرب يلبسون إزاراً و رداء و كثير
منهم لا يلبس السراويل ، و لذلك قال النبي للنساء : لا تعجلن برفع رؤوسكن .
و الإزار أو الرداء هو قطعة قماش تلف علي الوسط الأسفل للرجل ، و كانوا لا
يلبسون السراويل، و هو ما يعني بروز الأعضاء التناسلية للخلف عند السجود مما يسمح
للنساء بالتطلع إليها، لذلك أمرهن النبي ألا يعجلن برفع رؤوسهن، و ينتظرن الرجال
حتى يقومون من السجدة فيقمن بعدهم . " قال الواقدي عن ثعلبة بن أبي مالك قال :
تزوج رسول الله ( ص ) امرأة من بني عامر، فكان إذا خرج اطلعت علي أهل المسجد،
فأخبرته زوجاته بذلك ، فقال : إنكن تبغين عليها، فقلن : نريكها و هي تتطلع، فلما
رآها فارقها، قال الكلبي : كانت عند رسول الله العالية بنت ظبيان بن عمر بن عوف بن
كلاب ، فمكثت عنده ما شاء الله ثم فارقها بسبب التطلع " .
المقصود أنه أياً كان الوضع ، حجاباً أم خماراً أم نقاباً ، أو أن يكون
أمام أو خلف في الصلاة التي هي وقت القداسة، أو في المسجد الذي هو قدس أقداس
الإسلام، أو في حضور النبي بشخصه و كرامته، و مع كل الحرص علي عدم التطلع فقد حدث
التطلع و من زوجة سيد المرسلين نفسه، و لم يعاقبها بشئ عظيم، فقط فارقها ، لأنه
يعلم أنه مع كل الحرص فإن نداء الطبيعة عند البعض أكثر استصراخاً، و أنه شأن غريزي
لا يمكن اقتلاعه الا من خلال منظومة قيمية وسلوكية وقد لا يفلح ذلك .
وللحديث بقية
0 تعليقات