محمود جابر
النقاب عادة قديمة
جدا، تعود إلى ما قبل ظهور الديانات كلها اليهودية والمسيحية والإسلام، فقد عرفه
الآشوريون والآراميون والبابليون والفرس والتركمان، وكان النقاب معروفا في
الجاهلية بين قبائل البدو وليس في الحضر... فالمرأة البدوية التي تعيش في الصحراء
وترعى الغنم لا يراها أحد، فهي لا تحتاج إلى غطاء الوجه.. فإذا دخلت المدينة فإنها
تشعر بالهيبة من مواجهة المجتمع، فتغطي وجهها، فلما جاء الإسلام.. أمر بتحرير
المرأة من كل قيد فيه مذلة لها وحجر على آدميتها، ابتداء من عادة وأدها وهي
مولودة، إلى حقوقها وهي ابنة ثم زوجة ثم أم.
نساء يهوديات يرتدين النقاب |
النقاب فى مصر :
لا يمكن أن يتم النظر
إلى قراءة التحولات الحادثة في مصر اليوم دون أن نعتبر تماما بالوعي الجمعي
الشعبي، وأن نلحظ تعقد وتعدد مستويات التركيبة السكانية لمصر ومكوناتها الثقافية
وخلفياتها الاجتماعية،فالذين يطالعون المشهد المصري من وجهته السياسية أو
الاقتصادية أو الدينية يطالعونه من منظور نظري محض، أو من منظور قارىء الصحيفة
الجالس على شرفة بحرية في مكان قصي لا تروق له قسوة المكان الشعبي أو ازدحامه، أو
اكفهرار أوجه ناسه بمختلف مستوياتهم الشعبية.
من هنا فإن هذه
القراءة تسعى لتوصيف المشهد من داخله. فمصر ليست كورنيش النيل أو الساحل الشمالي و
مارينا أو الفيلات المسورة فقط، مصر الحقيقية في الأحياء الشعبية وفي الحواري وفي
القرى الريفية، وفي المدن الشعبية المكدسة على ضفاف النيل من الدلتا إلى أسوان،
منها تنبع القيم، وتتولد الأفكار، وتنبثق الظواهر.
ولقد أثيرت مؤخرا
مسألة النقاب في مصر، وحبرت على لوحته السوداء الكثير من الكلمات والمقالات، وجلها
تنظر للمسألة من زاويتين:
الأولى: النظر للنقاب
من منظور ديني شرعي، يرى أن النقاب مجرد عادة اجتماعية وليس عبادة، وأن الدين
الإسلامي لم يأمر بارتداء النقاب. فيما ترى الجماعات الوهابية وعلى رأسها الإخوان
المسلمون أن النقاب فريضة دينية لأنه صنو الحجاب.
- الثانية: النظر
للنقاب من منظور سياسي دستوري يتمثل مفهوم : الحرية الشخصية، والمساواة في الحقوق
الاجتماعية، ومنها حق اختيار نمط الحياة من مأكل وملبس ومسكن.
بدأت ظاهرة انتشار النقاب
في مصر بشكل بطيء جدا، إذ لم تكن ترتدي النقاب سوى " الأخت" المنتسبة
إلى جماعة إسلامية/ الوهابية وتجلى ذلك على استحياء في عهد الرئيس السادات. كانت
مصر الستينيات في العهد الناصري قد عرفت موجة العري والميني جيب، وانكسرت هذه
الظاهرة قليلا بعد هزيمة 1967، وإن تجلت في عدد من الأفلام السينمائية التي أنتجت
بعد النكسة التي تخلت عن القيمة بعد أن فقد الجميع مشروعهم القومي.
كما تجلت ظاهرة جديدة
بين الشباب والشابات في مصر في السبعينيات في ارتداء الملابس الضيقة والقصيرة
والأحذية ذات الكعوب العالية، وإطالة الشعر، فيما أطلق عليه موضة: "الخنافس"
واستمرت حتى بدايات الثمانينيات من القرن العشرين، وفي ظل ذلك كله لم يكن للحجاب
أو النقاب في مصر إلا وجود بسيط، بدأ ينتشر مع عهد الرئيس مبارك، منذ أواسط
الثمانينيات الميلادية، وتجلت الظاهرة التي أخذت ضجتها الإعلامية مع اعتزال بعض
الفنانات وارتدائهن الحجاب مثل: شمس البارودي،و شهيرة، ثم عفاف شعيب، وسهير
البابلي، وشادية وسهير رمزي، وغيرهن، مما أسهم في زيادة الاتجاه نحو الحجاب (لا
النقاب) بين النساء وبنات الجامعة، والمرأة العاملة، خاصة في الأحياء الشعبية.
ومع انتشار شركات
توظيف الأموال الإسلامية، وزيادة الحضور الديني (الشعبي) للجماعات الإسلامية،
ونشاط الجمعيات الإسلامية الرسمية خاصة: الجمعية الشرعية، وجمعية أنصار السنة،
وغيرها والتأثير الخليجي للعائدين والعائدات من الخليج، وانتشار العباءات النسائية
السوداء – بتأثير خليجي - كموضة ( شعبية) أولا، ثم كزي إسلامي مصحوب بالحجاب
ثانيا، بدأ التفكير في النقاب يراود بعض المسلمات المتدينات، حيث بدأت المنقبات
يظهرن في الجامعة، وفي مجال التعليم كمعلمات، ثم في القطاع الوظيفي خاصة قطاع
الممرضات، حيث يبلغ عدد الممرضات المنقبات كما تشير إحصائيات وزارة الصحة المصرية
نحو (9500) ممرضة منقبة!!
كانت المنتسبات
للجماعات الإسلامية/الوهابية "الأخوات" هن وحدهن من يرتدين النقاب، خاصة
وأن آباءهن من أعضاء الجماعات الوهابية تلك يلزمنهن بارتداء الحجاب أو النقاب من
سن الطفولة المبكرة، منذ العام الثالث أو الرابع حتى يعتدن عليه. كان المنظر غريبا
أن ترى طفلة تسير في شوارع القاهرة أو بعض محافظات مصر وعمرها ثلاث سنوات وهي
ترتدي الحجاب .. لكن هذا الأمر أصبح معتادا بعد ذلك.
في حقيقة الأمر لا
ترتدي النسوة النقاب في مصر إلا إذا كن ينتسبن لإحدى هذه الجماعات، وكانت أجهزة
الأمن المصري تطاردهن، وتعرفهن بشكل محدد،أما اليوم فالظاهرة باتت ملحوظة، خاصة في
الأحياء الشعبية المصرية في القاهرة والإسكندرية وبعض المدن الأخرى ذات الكثافة
السكانية.
ولأن مصر تمر بأزمة
اقتصادية شديدة الوطأة ملحوظة لدى قطاع كبير من الشعب المصري، فإن العامل
الاقتصادي والاجتماعي يشكل أحد أسباب انتشار النقاب، فهو زى منخفض التكاليف،
وتكرار ارتدائه يعفي الأسر من مسألة معايشة الموضة وغلاء أسعار الملابس النسائية،
وغلاء متطلبات المرأة من الماكياج والكوافير والإكسسوارات النسائية، وهو الأمر
الذي يفسر انتشار النقاب – وإن بشكل محدود – في الأحياء الشعبية الفقيرة لا في
الأحياء الراقية الثرية.
كما أن ارتداء النقاب
لا يشترط بالضرورة " تدينا" أو معرفة بالدين أو حتى بالسياسة، ذلك لأن
بعض من يرتدينه من النساء في مصر قد يرتدينه لمرورهن بحالات نفسية أو سيكولوجية
صعبة، كالعزلة أو الطلاق، أو العنوسة، أو الإحساس بالإحباط واليأس والشعور
بالاغتراب، بل إن هناك أميات يجهلن القراءة والكتابة ويرتدين النقاب، بل إن "
النقاب" أصبح من سمات تخفي بعض الخارجات على القيم الأخلاقية، وفى الأخير
ظهرت المتسولات المنقبات، كنوع من ابتزاز بأداة يظن البعض أنها دينية.
وتشكل القنوات
الفضائية الوهابية أحد العوامل الإعلامية في انتشار النقاب، فقد ظهر دعاة وهابيون،
لا يقومون سوى بحكي قصص التراث الإسلامي في عهد الرسول يقومون بقص ولزق الأخبار
القديمة وتقديمها للمشاهدين على أنها هي الإسلام الحقيقي، ومن بينها الدعوة لـ"النقاب"
على أنه عنوان المرأة المسلمة الملتزمة.
تحركت المؤسسة
الدينية الرسمية في مصر بشكل متأخر لمحاصرة ظاهرة "النقاب" فيما تابعناه
من رأي شيخ الأزهر الشيخ سيد طنطاوي في النقاب وقراره منع دخول المنقبات جامعة
الأزهر، واعتباره النقاب عادة اجتماعية وليس عبادة، وهذه طروحات جاءت متأخرة جدا.
لقد سكتت الدولة عن
الحجاب، لاعتبارات اقتصادية واجتماعية يعلمها الجميع، والريف المصري، وتطور الحجاب
وأصبح" نقابا" وأصبحت ترى بعض الكتل السوداء تسير في الشوارع بشكل عادي
ومألوف، على الرغم من أن غالبية المجتمع المصري تنظر لهذه الظاهرة باستهجان، كما
أن تناقض العلاقة السيكولوجية بين المصريات والحجاب والنقاب بدأ يظهر فى ارتداء
البنات والنساء من الطبقة الثرية والمتوسطة لأحدث خطوط الموضة والأزياء، من
التيشرتات والكولونات، والبنطلونات الضيقة، والتنورات الطويلة الضيقة جدا، مع
الإبقاء على إيشارب على الرأس يسمينه " الحجاب"، وبالطبع الظاهرة شعبية
وليست لها علاقة بالتدين.
وقد أثارت بعض مؤسسات
حقوق الإنسان في مصر مسألة: "الحرية الشخصية" في ارتداء النقاب، ويبدو
أن القائمين على هذه المؤسسات ومعظمهم يرفض الحجاب ويرفض النقاب، يريدون تأكيد
الحضور على الساحة المصرية في أية قضية عارضة أو طارئة حتى لو كانت قضية" النقاب"
مبتعدين عن قراءة الأسباب الاجتماعية والاقتصادية لهذه المسألة وضعف التأثير
الديني الرسمي مقابل تأثير الجماعات الوهابية في الشارع المصري، فأين شعارات حرية
المرأة، وحقوق المرأة، وعصرنة المرأة التي يطلقونها ويرفعونها في شعاراتهم، وأين
هو المجتمع المدني الذي ينشدونه؟
الذي عليه أن يقوم
بدور تنمية المجتمع والحد من التمايز الديني والطائفي ، لان هذا النقاب وتابعه
الحجاب بشكله الذي رسمته الجماعة الوهابية فى مصر ، ما هو إلا لباس طائفيا ليس له
علاقة لا بالدين ولا بالشخصية ، بل هو ثياب احترابي وتحريضي يميز صاحبة الحجاب أو
النقاب على اعتبار إنها رمز العفة ، ويتهم الأخريات التي لا يرتدين نفس الزى وان
كن مسلمات مؤمنات محتشمات ، ولكنهن لا يلتزمن بالزى الوهابي الرسمي .
هذا هو العقل المسكون بالفصل بين الجنسين |
المرأة بين الاختلاط والنقاب قراءة بين منهجين (6)
2 تعليقات
المقال الخاتمة
ردحذفمن المهم قراءة كافة السلسلة السابقة
ردحذف