نصر القفاص
إذا كانت الحقيقة أكبر من قدرة الناس على استيعابها وفهمها..
يستطيع من لا يعرفها أن يتلاعب بعقول ملايين البشر!
صاغ هذه الرؤية الكاتب البريطانى "ديفيد آيك" وأنفق
سنوات من عمره لشرحها, وقام بتأليف عدة كتب لاقت رواجا وانتشارا فى اوروبا
والولايات المتحدة الأمريكية.. وكلها تكشف منهج "الأوف شور" والذين
يديرون عجلته.. هى نفسها عجلة الاقتصاد العالمى.. وضمن ما ألقى الضوء عليه ما يسمى
"الفاميلى بيزنس" أى إدارة الاستثمارات من داخل عائلة.. هذا النوع من أشكال
ممارسة الاستثمار ظهر فى مصر بعد منتصف التسعينات.. وفى كتابه "آليات
المؤامرة الكونية" تناول أسماء أكبر وأهم وأخطر العائلات, التى تدير السياسات
الاقتصادية فى الغرب.. ثم تفرض منهجها وإرادتها على دول العالم "النايم"
كما يريدونه, عبر ما يروجون له باسم "التنمية المستدامة" والتى تقوم على
الديون.. ولعلى حين وصفتها بأنها "التنمية المستدانة" كنت واعيا.. وأقصد
المعنى تماما.. لأن العائلات الثلاث عشر التى تتحكم فى اقتصاد العالم, بينها ما
نسمع عنه مثل "روتشيلد" و"روكفلر" و"لورين"
و"هابسبورج" و"ثارن" و"تاكسيس" غير أن أخرى لا
يتناولها الإعلام كثيرا!!
ظهر فى "استراليا" سلسلة مقالات كتبها "جون
بيلجر" فضح فيها ما يسمى بالعولمة, فذكر أسماء مائتى شركة تتحكم فى ربع
اقتصاد العالم.. وأثارت هذه المقالات بما احتوته من معلومات ضجة غير عادية عام
2001.. ربما لأنه كشف فيها دور ما وصفه بالنفايات الإعلامية والصحفية, فى غسل
أدمغة الرأى العام!! وذلك يدخل فى صلب منهج "الأوف شور" الذى قامت على
صياغته وبلورته "بريطانيا" وتولت "الولايات المتحدة
الأمريكية" ترويجه وفرضه على توابعها ومن تستهدفهم من دول العالم!!
يقول "ديفيد آيك" نصا: "تم التخطيط لكى تحل ديون
العالم الثالث, محل الاحتلال العسكرى للدول.. خاصة تلك الغنية بثرواتها ومواردها
ومواقعها الاستراتيجية.. الخطوة الأولى أن تقع تلك الدول تحت "الاحتلال
المالى" بأن تتسلم دفة القرار فيها البنوك الأجنبية, ثم تسلم سلطة القرار إلى
مصرفيون يربطون مصير الدول بالبنك الدولى وصندوق النقد, وهما يقومان بفرض
الإملاءات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية, على كل من تصطاده هذه
الشبكة"!!
قبل أن يأخذك الدوار.. وتشعر أن الحقيقة أصعب من أن تفهمها.
يجب أن تفهم سر المسميات المثيرة الغامضة.. مثل الأوف شور..
الملاذات الآمنة.. التنمية المستدامة.. الفاميلى بيزنس.. الاستثمار.. رجال
الأعمال.. إلى آخر قائمة المفردات والأوصاف فى كل ما يتعلق بالاقتصاد, والتى يخرج
عليك من يطلقون عليهم خبراء أو مستثمرين لترديدها وربطها بأحلام كاذبة بدعوى أنها
لصالح الشعوب والمجتمعات التى قرروا "مص دمائها" لكى تقنع نفسك بأن
الموضوع أكبر من قدرتك على الفهم.. ثم يتم إقناعك بأن ذلك يفهمه الذين يملكون
ملفات الأسرار الخطيرة.. وقبل أن تندهش يمكنك أن تذهب إلى كتاب "كفاحى"
ومنهج أولئك الذين يفرضون "الأوف شور" على الدول النايمة!!
يقول "هتلر" فى كتابه نصا: "يجب أن تتسم الدعاية
بالشعبية الكبيرة.. وأن يكون المستوى الفكرى لها مفهوما حتى من جانب الأفراد
الأكثر حماقة, الذين يتم توجيه هذه الدعاية لهم.. يمكنك أن تجعل الناس ينظرون إلى
الجنة على أنها الجحيم.. والعكس صحيح.. المهم أن تقنع الذين يعيشون الحياة
البائسة, بأنهم دخلوا الجنة"!!
أفكار النازية تم تجميلها, وإعادة صياغتها لتصبح طريقا للحرية
والديمقراطية وتحقيق التنمية المستدامة – المستدانة – وبقيت حقائق عشناها خلال
السنوات الأخيرة تؤكد ذلك.. فأسباب احتلال العراق وغزو أفغانستان, تأكد العالم
أنها كانت أكاذيب لا أساس لها.. والهدف تحقق بوضع اليد على بترول الخليج, وتفكيك
العالم العربى.. وفى أفغانستان كان الهدف استكمال خطوط الغاز لتربط وسط آسيا,
ولحظة أن تحقق الهدف غادرت قوات أمريكا وحلفاؤها بسرعة بعد اتفاق نهائى ملزم وسرى
مع "طالبان" التى بدا أنهم يحاربونها عشرات السنوات!
لا يهم "الولايات المتحدة الأمريكية" والغرب أن يسقط
"شاه إيران" أو أن يتم انقلاب أب على ابنه كما حدث فى قطر.. كما لا يهم
أن يتسلم حكم "تشاد" إبن "إدريس ديبى" الرئيس الذى تم
اغتياله.. ولا يهمهم استمرار أو وقف حرب مجنونة فى اليمن.. لكن يهمهم تحقيق
مصالحهم ونهب ثروات الشعوب, سواء حدث ذلك بيد عسكرى أو مدنى.. بيد ديمقراطى أو
ديكتاتور!! ويمكننا أن نضرب مثلا يوضح ذلك.. ففى يوم 31 ديسمبر عام 2002 أعلن
"جورج دبليو بوش" تعيين "زلماى خليل زاد" مبعوثا خاصا إلى
أفغانستان.. واضح من اسمه أن جذوره أفغانية.. هذا صحيح.. وهو ابن لواحدة من عائلات
النخبة القديمة فى أفغانستان.. كان والده أحد مساعدى الملك "ظاهر شاه"
الذى حكم البلاد, حتى تم نفيه عام 1973.. وتربى "زلماى خليل زاد" فى
الولايات المتحدة الأمريكية, وتلقى تعليمه الراقى حتى تخرج ليعمل بشركة
"يونوكال" التى كانت تتولى تنفيذ مشروع خط أنابيب أفغانستان.. ممر الغاز
إلى بحر قزوين.. وانتهى إلى إنجاز المهمة.. ونقلت الصحف الأمريكية عنه اعترافه بأن
إدارة "كلينتون" قامت بتمويل طالبان عبر مخابرات باكستان التى كانت تسلم
المرتبات لكبار قيادات طالبان!!
نشرت صحيفة "نيويوركر" الأمريكية مقالا كتبه
"نيكولاس ليمان" بعد انهيار الاتحاد السوفيتى عام 1989.. ذكر فيه أن
"ديك تشينى" الذى أصبح فيما بعد نائبا للرئيس, قام بتشكيل فريق لتخطيط
ورسم استراتيجية التسعينات وما بعدها.. كان الفريق يضم "رامسفيلد"
و"بول وولفويتز" الذى أصبح فيما بعد رئيسا للبنك الدولى, و"كولن
باول" و"لويس سكوتر" و"زلماى خليل زاد".. وهؤلاء الذين
صاغوا فلسفة وسياسة "الحرب على الإرهاب" بعد سقوط الشيوعية.. ثم كانت
التفاصيل والأحداث التى عشناها – ومازلنا – وقد سبق هؤلاء بعشرين عاما فريق آخر..
إنتهى إلى وضع ما يسمى "إستراتيجية إدارة المياة" التى أصبحت مصر فى
قلبها عبر مؤامرة "سد النهضة" وسبقت مصر إليها "العراق" الذى
تعرض للخنق بأياد تركية.. وجاء ذلك كله بعد تنفيذ نموذج تحويل مجرى نهر الأردن,
الذى انتهى إلى صفقة مع إسرائيل لبيع خمسين مليون متر مكعب من المياه إلى الأردن
خلال شهر يوليو عام 2021!!
يجوز لنا القول أن "المؤامرة" هى تخطيط سرى لعملية قذرة!!
حتى لا ينكشف أمر أى "مؤامرة" لابد من مجموعات تمثل
سواعد لنظام "الأوف شور" تقوم بالسخرية من الذين يتحدثون عن المؤامرة..
ليتم تحويل الحقيقة إلى "نكتة" سخيفة.. يحدث ذلك حتى داخل الولايات
المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الاستعمارية.. لكنهم فى الغرب تملك الشعوب أسلحة
للتصدى للمؤامرة وكشفها وفضحها بالمعلومات والبراهين.. أما فى دول "العالم
النايم" فيتم رشق من يحاول كشف المؤامرة بأنه مجنون أو يحاول زعزعة
الاستقرار, وصولا إلى الاتهام بمحاولة قلب نظام الحكم!!
عشرات المقالات والكتب تناولت حقيقة "ذا سيتى" فى
بريطانيا, وهو حى المال الذى يدير سياساتها ويشارك فى إدارة سياسات العالم.. هذا
الحى تديره شركة مملوكة للقطاع الخاص, وتحتل مساحة 677 فدانا فى قلب
"لندن" وشهدت توسعا بما أطلقوا عليه "التطوير العقارى".. وعدد
سكان "ذا سيتى" خمسة آلاف مواطن.. ربما أكثر قليلا.. يقوم على شئونهم
أكبر قوة تشارك فى الإمساك بمفاصل اقتصاد العالم.. منها خرج "منهج الأوف
شور" التى بدأت عمليات تحويله إلى نظام سياسى.. يدير هذا الكيان ثلاثة عشر
رجلا, تتم معاملة منطقتهم على أنها دولة داخل الدولة.. بل تقوم بإدارة بريطانيا
فعليا, وهى لا تخضع لسلطة أو برلمان.. إنها فوقهم.. تلك حقيقة يصعب أن يتخيلها من
لم يسمع عنها.. لكن العالم يعلمها وكل مواطن بريطانى أصبح يعرفها, لأنهم هناك لا
يسخرون من الذين يشرحون الحقيقة.. ولا يتهمون من يكشف المؤامرة بمعلومات.. لأنهم
دفعوا ثمنا فادحا لبناء مجتمع, ويرفضون أن يتم التفريط فيما كسبه المجتمع.. وأهم
شىء فى مكتسبات المجتمع, يتمثل فى أن إدارة شئون البلاد تقوم عليها مؤسسات
حقيقية.. وليست شكلية كما أرادوا لدول "العالم النايم"!!
ربما كان مناسبا.. ومهما.. أن نترك أنفسنا لقراءة واحد من مقالات
"محمود عوض" وكان عنوانه "ومن النجوم ما تكنسه الرياح" وفيه
يروى أن "حلمى رفلة" كانت تدور حوله ممثلة ناشئة.. عرضت هذه الممثلة على
"حلمى رفلة" أن يدعو صديقه "عمر الشريف" إلى سهرة بمنزلها..
حدث ووافق عمر الشريف واستمرت السهرة حتى ساعات الصباح الأولى.. كان هناك مصور
يركز على لقطات للممثلة الناشئة مع عمر الشريف.. سافر عمر الشريف إلى
"باريس" ليفاجأ بأسئلة من صحفيين التفوا حوله, ليسألوه عن خبر نشرته
الصحف المصرية حول أنه سيتزوج هذه الممثلة الناشئة.. فأكد كذب الخبر ونفاه جملا
وتفصيلا.. وضمن ما كتبه "محمود عوض" أن صديقه "عثمان لطفى"
سأل "حلمى رفلة" عن سبب هذه الكذبة.. فأجاب بأنها وجدت لنفسها مكانا فى
الصحف وشغلت الرأى العام.. ثم تركت احتمالات تصديق الكذبة!!
ستجد فى السياسة أمثال هذه الممثلة الناشئة كثيرين!
الغريب أننا مازلنا نقف فى المنطقة نفسها, رغم مرور عشرات
السنوات.. السبب هو أنه تم إعلان استهداف المنطقة العربية – خاصة مصر – بأن تسقط
فى شبكة "الأوف شور" لتدور عمليات "تزوير التاريخ"
و"تشويه الحقائق" هى الأولى بالرعاية من جانب القائمين على اتخاذ القرار
والحكام بعد حرب 1973, والتى نجحت عمليات إجهاضها بأن تذهب المنطقة إلى حلم الرخاء
والرفاهية – وهو سراب – وذلك لا يتحقق دون سلام.. واليوم أصبح عمر السلام ما يقرب
من نصف قرن, فانتشر الفقر أكثر.. أصبح التخلف مرضا مزمنا.. إنهارت اقتصادات.. ضاعت
ثروات.. ومطلوب منك أن تصدق.. وقد تكون صدقت واعتقدت.. أن السبب هى سنوات ما بعد
ثورة 23 يوليو.. "زمن عبد الناصر".. وكم كان مؤسفا ومحزنا أن نشهد رئيس
مجلس وزراء يقف محاضرا لنحو ساعة, ليردد هذا الكلام الفارغ فى حضور رئيس الجمهورية
وكبار رجال الدولة والسياسة والإعلام!!
أتجنب كثيرا – متعمدا – تناول ذهابنا فى مصر إلى مصيدة "الأوف
شور" وأعود إلى معلومات وحقائق تم تزويرها وتشويهها عن "زمن العزة
والكرامة" بقدر ما أعرض المعلومات والحقائق الثابتة فى عواصم الغرب, وكلها
تكشف حجم الكارثة.. لكننا سقطنا فى فخ "الدعاية" القادرة على إقناعك بأن
الجحيم هو الجنة.. ولا يختلف فى ذلك "هتلر" عن أولئك الذين يطلقون عليهم
زعماء العرب!!..
يتبع
0 تعليقات