نصر القفاص
عندما يتحدث العالم الكبير ومبدع "شخصية مصر" بكل
أبعادها "جمال حمدان" نكون محظوظين إذا قرأنا وفهمنا.. وهو يرى أن هناك
ثلاث ثورات كبرى فى التاريخ.. يشير إليها فيقول: "الثورة الفرنسية وكانت
قومية واستعمارية.. والثورة الروسية وكانت لا قومية ولا استعمارية.. والثورة
المصرية فى 23 يوليو 1952 وكانت قومية ولا استعمارية".
هذه الثورة شارك فى التمهيد لها "إحسان عبد القدوس"
بحملته على صفحات "روز اليوسف" التى تناولت قضية "الأسلحة
الفاسدة" فى حرب فلسطين عام 1948.. وحتى لا نهضم صاحب الحق حقه.. نذكر أن
الحملة الصحفية, قامت على استجواب برلمانى تاريخى قدمه النائب "مصطفى
مرعى" ليزلزل عرش "الولد الذى حكم مصر" والتفاصيل نائمة فى مضبطة
البرلمان.. ومدفونة فى صفحات جرايد هذا الزمان.. واستراحت مع غيرها من الأحداث
التى حققتها رسائل ماجستير ودكتوراه ناقشتها الجامعات المصرية.. ومازالت.. لكن
تزوير هذه الأحداث والوقائع, يفرض نفسه بفعل فاعل.. مع سبق الإصرار والترصد!!
لجأ "إحسان عبد القدوس" إلى الأدب, ليقول رؤيته فيما
يحدث عندما اختار النظام السياسى الذهاب إلى عالم "الأوف شور"
اقتصاديا.. ورفع رايات ما أطلق عليه "الديمقراطية" التى جعل لها أنياب!!
فكتب "يا عزيزى كلنا لصوص" ليشير إلى أن السرقة والنهب أصبح لهما منهجا
ورجال.. ولا يمكن أن تنكر مواقف مفكرين وكتاب ومبدعين, حذروا من خطورة هذا
الطريق.. لكن الذين أغراهم الفساد, وقدمهم للواجهة كانوا أعلى صوتا.. أكثر خطورة.
تمكنوا, لتدخل مصر فى "الدوامة" بعد استجابتها "للنداهة"!!
إتفق الجهل مع الفساد.. وقعت الكارثة.. وكان "عبد
الناصر" فى مقاله يرى هذه الصورة قبل أن تتضح بعشرات السنين.. لذلك سنجده
يقول: "ذكرت جريدة الأخبار لسان حال الشيوعيين العرب.. أن الحكم فى الجمهورية
العربية المتحدة.. إرهابى.. وموجه ضد جماهير العمال والفلاحين, وضد مصالح
البورجوازية الوطنية فى سوريا.. ألم يفقد الشيوعيون العقول؟! ألم يفقدوا المنطق؟!
هل تحديد الملكية الزراعية والقضاء على الإقطاع موجه ضد الفلاحين؟! لصالح من؟!
لصالح الإقطاع!! هل تأميم 80% من وسائل الإنتاج موجه ضد العمال.. لصالح من؟! لصالح
رأس المال والبورجوازية؟! ثم يكشف الشيوعيون أنفسهم وهدفهم, حينما يتملقون
البرجوازية السورية.. الأمر واضح وضوح الشمس.. لأن حقد الشيوعيين مرضى مزمن
وخطير.. لا يمكن أن يبرأوا منه.. لقد فقدوا أملهم فى الحكم, ففقدوا أملهم فى سوريا
بعد أن كشفهم الشعب.. إن الشيوعيين أفلسوا.. لن تنفع شعاراتهم.. ليس أمامهم غير
البرجوازية والإقطاع, لكى يتحالفوا معهم.. لهدف واحد هو أن يصلوا إلى الحكم!! لكن
اشتراكيتنا تسير فى إطار الوحدة الوطنية.. ومهما تباكى الشيوعيون على البرجوازية
الوطنية.. فالكل يعرف أنهم لو وجدوا الفرصة لذبحوهم جميعا!! بل لذبحوا بعضهم البعض
فى سبيل شىء واحد.. هو السلطة.. الحكم.. ثم تستمر جريدة الأخبار فى هذيانها فتقول:
إن الرأسمال الاستعمارى يشارك فى القطاع العام, ويجسد خطر توسع الاستغلال
الاستعمارى للشعب فى إقليمى الجمهورية – مصر وسوريا – عن طريق هذا القطاع العام..
ثم يستمر الهذيان فيقولون.. إن قضية تأميم التجارة الخارجية ستكون عاملا مفيدا
لاقتصاد البلاد, إذا ترافق بتوسع التعامل مع المعسكر الاشتراكى.. أما إذا اتجه
لتوسيع التعامل مع المعسكر الرأسمالى – وهذا ملحوظ حاليا – فإن الوضع سيتردى.. أما
القروض فهى وسيلة استثمار أخرى"!
أثق فى أن هذه الصورة تصدمك.. فقد خدعوك بأن "عبد
الناصر" كان "شيوعيا"!!
أعلم أن الحقائق تذهلك.. لأنهم قالوا لك أن عداء "عبد
الناصر" للغرب كان بلا مبرر!!
أعرف أنك تطرح السؤال على نفسك.. هل يناقش الدكتاتور الذين يختلفون
معه؟!
تلك هى الحقيقة التى لا تموت.. بل يموت من يحاولون قتلها بعد
تزويرها!!
بعد ذلك كانت إجابة "عبد الناصر" التى قال فيها:
"حقا.. أنتم فقدتم عقولكم.. أين هو الرأسمال الاستعمارى سواء فى سوريا أو
مصر.. لقد أممنا كل المؤسسات البريطانية.. وكل المؤسسات الفرنسية.. وكل المؤسسات البلجيكية..
ثم أممنا 60% من شركات البترول البريطانية.. أين الرأسمال الغربى الذى دخل سوريا
بعد الوحدة للاستثمار.. لم يدخل سوريا رأسمال للاستثمار.. أما مصر فإن استثمار رأس
المال الأجنبى مشروط بصدور قرار جمهورى.. ما دخل مصر منذ أول الثورة حتى الآن لا
يزيد عن ثمانية ملايين من الجنيهات, من مجموع استثمارات 800 مليون جنيه سنويا وفق
موازنة عام 1961-1962.. هل نسى الشيوعيون أن لينين بعد نجاح ثورته, طالب برأس
المال الأجنبى وأباحه؟! وهل ينسى الشيوعيون أن لينين بعد الثورة, حاول بكل الوسائل
الحصول على قروض أجنبية لينقذ الاقتصاد المنهار؟! أما عن التجارة.. فلماذا يريد
منا الشيوعيون ألا نتاجر إلا مع المعسكر الاشتراكى؟! لماذا حلال على دول المعسكر
الاشتراكى, أن تتاجر مع الدول الرأسمالية.. مع أمريكا والمانيا وانجلترا وإيطاليا
وفرنسا؟! ولماذا يحرمون علينا أن نتعامل مع العالم على قدم المساواة؟! ألم يوقع
الاتحاد السوفيتى اتفاقية مع بريطانيا منذ عدة أسابيع إشترى عن طريقها مصانع
وآلات؟!.. أما نحن فغير مباح لنا ذلك.. ألم تحصل بولندا على مساعدات من أمريكا,
فائض القمح والمواد الغذائية بما يبلغ 600 مليون دولار.. هذا مباح لبولندا.. أما
لنا فهو غير مباح وفق رأى الشيوعيين.. هذا منطق العملاء.. القروض التى نحصل عليها
بنبنى بها بلدنا, وندفعها من ثمرة عملنا وجهدنا.. نحن نتاجر مع العالم كله بلا قيد
أو شرط.. نقترض بلا قيد أو شرط.. أما كلامهم فهو قول الأتباع, الذين لا تهمهم
مصالح بلادهم.. أو رفاهية شعوبهم.. كل ما يهمهم أن يكونوا عملاء".
رئيس مصر كان يملك الوقت والمقدرة على الكتابة.. لأنه كان يقرأ.
رئيس مصر كان يواجه خصومه وأعداءه علانية.. ويترك القول الفصل
للشعب.
رئيس مصر كان يرد بالأرقام والمعلومات والبيانات.. لأنها ليست
أسرارا عليا.
رئيس مصر كان يهاجم الذين تحميهم عباءة الاتحاد السوفيتى.. وهو
صديق للسوفييت!!
ريس مصر كان لا يمانع من التعاون مع الغرب بلا قيد أو شرط.. لأنه
يبحث عن تقدم بلاده.
هكذا كان "عبد الناصر" الذى استمر يوضح فى مقاله, وقال:
"استمرت جريدة الشيوعيين فى هذيانها.. قالت: هناك شكل خطير يطبق فى الصناعة
بالجمهورية العربية المتحدة.. إذ تقوم صناعات مشتركة تساهم فيها شركات استعمارية
مع رأسمالية الدولة – القطاع العام – مثل صناعة السيارات.. فهذه الصناعة المتفق
عليها مع شركات ألمانيا وإيطاليا, تقوم على تصنيع الأجزاء الرئيسية للسيارة فى
الخارج, ويتم تجميعها عندنا لاستثمار الأيدي العاملة.. وتعفى من الجمارك والضرائب
وتحتكر السوق, وتجنى أرباحا طائلة تحت ستار قطاع الدولة".
يتوقف هنا الرئيس ليرد, فيقول: "الشيوعيون يتبعون أسلوبهم
المبنى على التجرد من كل أخلاق.. لأن صناعة السيارات فى الجمهورية العربية
المتحدة.. صناعة عربية خالصة.. والاتفاق مع الشركات الألمانية, هو اتفاق لبناء
مصنع لعربات النقل والأتوبيس.. ونص الاتفاق على أن نقوم بتصنيع 30% من السيارة..
وفى السنة الثانية نصنع 70% من السيارة.. وفى السنة الثالثة نصل إلى 90% من
السيارة.. وكذلك الأمر مع سيارات الركوب التى ستقوم الشركة الإيطالية – فيات –
ببناء المصنع, وبعد ثلاث سنوات سيتم تصنيع 96% من السيارة عندنا".
بدأت فعلا صناعة السيارات فى مصر.. دارت عجلاتها.. تم إيقافها فى
زمن الانفتاح, بعد حملات سخرية من مستوى التصنيع المصرى.. لأن "العملاء الجدد"
الذين كانوا يبشرون بقدوم الأمريكان, كان يهمهم هدم هذه الصناعة.. كانوا يمهدون
للتجارة والسمسرة, يجنوا الثروات التى جعلت منهم مليونيرات.. ثم مليارديرات فيما
بعد.. حدث ذلك مع كل الصناعات التى تم إفشالها وفق منهج, لتستورد مصر الغذاء
والدواء والكساء.. وبثرواتهم راحوا ينفذون المرحلة التالية من نظام "الأوف
شور" بنقل ما جمعوه من ثروات إلى بنوك الغرب لتقوم هناك الصناعات وتستمر
الفجوة واسعة بين بلادنا, والدول التى ترعاهم وتحميهم!!
كان "عبد الناصر" يهاجم عملاء أصدقائه.. ثم جاء بعده من
يخشى عملاء أصدقائه!!
تحدث بعد ذلك "عبد الناصر" فى المقال نفسه عن القروض:
"تقول جريدة الشيوعيين.. إن أخطر ظاهرة فى الاستقراض من الدول الاستعمارية.. استخدام
القروض فى الدول الأخرى.. لأن القرض الألماني فيه بند يسمح بتوظيف كميات من هذا
القرض فى البلدان الأخرى, وهذا يعنى أن قطاع الدولة سيكون ستارا للاستعمار الألماني
الغربى.. للتغلغل فى البلدان الإفريقية, التى يصعب عليه الدخول فيها"!!
ثم يرد "عبد الناصر" فيقول: "الشيوعيون لم يكتفوا
بنشر الأكاذيب لخلق الشكوك فى داخل الأمة العربية.. بل يحاولون نشر الشك فى
إفريقيا.. إن الجمهورية العربية المتحدة, وهى تعطى القروض للدول الإفريقية.. إنما
تحارب الاستعمار بكل أشكاله, ونفوذ إسرائيل.. وهى تعطى هذه القروض من أموالها..
أما بالنسبة لما ذكروه عن بند يسمح بإعطاء جزء من قروض المانيا لإفريقيا.. فهذا لا
يوجد إلى فى رؤوس الشيوعيين.. لا يوجد نص بهذا الشكل.. ونحن لا نحصل عل قروض أموال
سائلة, من روسيا أو ألمانيا.. لكننا نحصل عليها فى شكل آلات ومعدات.. لكن حقد
الشيوعيين يدفعهم لتسهيل الطريق لإسرائيل فى إفريقيا.. وكل ما يقلقهم أننا لا نقبل
طريق التبعية".
فى هذا الزمان.. لم تكن الصحف تعبر الحدود بسهولة.. كان صعبا أن يصل
ما تنشره صحيفة لبنانية إلى مصر.. كانت صحف مصر.. إذاعة مصر.. ثم تليفزيون مصر..
هم الذين يقدرون على الوصول للعالم العربى من الخليج إلى المحيط.. كان ذلك مبرر
لعدم الرد, على ما يتم نشره فى بيروت وغيرها.. لكنه كان يؤمن بأن معظم النار من
مستصغر الشرر.. وكان لا يقبل التشكيك فى سياساته التى يعلنها.. لأنها هى نفسها
التى تحفظها الملفات السرية فى الخارجية والرئاسة.. ولأنه كان لا يراهن على غير
وعى الشعب المصرى, وهو من حقه أن يعرف كل شىء.. وعلى احترام الشعوب العربية, وباقى
دول العالم.. بما يجعل إطلاعهم على الحقائق, هو واجب عليه!! وكان يعلم أن ما قاله
لجموع الشيوعيين فى مقال نشرته الأهرام, وكررت قراءته الإذاعة.. هو نفسه الكلام
الذى قاله للزعيم السوفيتى "خروشوف" فى رسالة خاصة, سنعيد قراءتها رغم
أنها كانت رسالة طويلة.. لأنها شديدة الأهمية, وكاشفة لعقل وفكر لم تتوقف
"ماكينات الكذب والتزوير" لأكثر من نصف قرن بعد رحيله عن أن تعمل ضده..
ويحرص أعداؤه على تشغيل كل "خدم الملكية والاستعمار" فى هذا المشروع!!..
يتبع
0 تعليقات