آخر الأخبار

بوابات الأموال القذرة!! (38) البضاعة الفاسدة!!

 




 

نصر القفاص

 

يوم 10 أكتوبر عام 1957 وقف "خروشوف" ليتكلم أمام قادة الحزب الشيوعى, فى الاتحاد السوفيتى.. قال: "نحن نعلم أن جمال عبد الناصر, ليس شيوعيا.. بل أنه يضع الشيوعيين فى السجن.. ونحن نتعاون معه لأنه زعيم وطنى, يقاوم الاستعمار بكافة أشكاله"!!

 

يوم 23 يوليو عام 1958 دعا الرئيس الأمريكي "إيزنهاور" مجلس الأمن القومى, إلى اجتماع فى "البيت الأبيض" وتحدث ليقول: "أريد أن أفهم.. كيف استطاع ناصر أن يلهب حماسة جماهير جاهلة فى الشرق الأوسط ضدنا على هذا النحو.. وكيف استطاع خروشوف أن يلعب على الحصان الرابح.. وأن يحقق هذا النفوذ فى العالم الثالث خلال عامين"!!

 

 ثم طلب من "آلان دالاس" مدير المخابرات المركزية أن يتكلم.. قال "دالاس" وفق محاضر أصبح مسموحا بنشرها: "إننا يجب أن ننظر إلى القومية العربية, باعتبارها فيضانا يتدفق بقوة.. نحن لا نستطيع أن نقاومه.. لكننا فقط نستطيع أن نضع بعض شكائر الرمل, حول المواقع التى ننوى الدفاع عنها"!!

 

على هذه الخلفية.. كان منهج وسياسة "عبد الناصر" الذى نواصل عرض مقال كتبه, هاجم فيه الشيوعيين بضراوة.. أقتبس من هجومهم عليه, ما كانوا يزعمونه: "إن الغرض من التأميم هو وضع اليد على ودائع البنوك وشركات التأمين, لأغراض التنمية.. ومن المعروف أن نتائج السنة الأولى لخطة التنمية.. لم تنجح تماما, وفى سوريا لم يتم تنفيذ سوى 40% مما هو مرسوم فى الخطة" ثم كتب سطر قال فيه: "ألا يدعو هذا الكلام إلى السخرية وإلى الضحك؟!"

 

أضاف بعد ذلك: "الغرض مرض.. ومرضكم معروف.. مرضكم هو الفشل المريع.. مرضكم هو الانعزال عن الشارع العربي.. من سوء حظكم أن الخطة نجحت فى مصر.. ومن بلاء حظكم أنها نجحت فى سوريا أيضا.. الخطة للسنة الأولى تم تنفيذ 85% منها, والباقى فى طريق التنفيذ.. وما تم تنفيذه هذا العام هو ضعف ما نفذ فى العام الماضى.. أما فى سوريا, فإن الخطة للسنة الأولى تم تنفيذ 75% منها والباقى فى طريق التنفيذ.. ويتحدث الشيوعيون عن قروض حصلنا عليها بأرقام كاذبة.. والحقيقة أن الجمهورية العربية المتحدة حصلت على قروض قيمتها 400 مليون جنيه.. منها 200 مليون جنيه من الاتحاد السوفيتى, إستخدمنا منها 50 مليون فقط.. كما حصلنا على 200 مليون من الدول الغربية.. إستخدمنا منها, 25 مليون لألمانيا.. و10 مليون لليابان.. والباقى لم نستخدمه حتى الآن.. أما قروض أمريكا فهى نتيجة شراء حاصلات زراعية بالعملة المحلية.. ومقابل ذلك سددت مصر أموال المؤسسات البريطانية والفرنسية, كتعويضات عن تأميمها.. وتم دفعها بالكامل.. أما تعويض تأميم قناة السويس, فقد تم دفعه عدا قسط واحد.. هذه هى الحقيقة".

 

قبل ثورة 23 يوليو.. ومنذ رحيل "عبد الناصر" لم تمارس حكومة واحدة, هذا الوضوح مع الشعب المصرى. تلك هى "الشفافية" التى اخترعوها فيما بعد.. يرددونها كلمة بلا معنى دون ممارسة لها.. لأن ثمن "الشفافية" صعب.. وقد يكون فادح!! وباعتباره كان أستاذا يقوم بتدريس التاريخ فى الكلية الحربية.. كان يعرف قيمة وطنه وأهمية أن يكون شعبه فاهما واعيا.. كان يدرك أن مصر مصنع ومتجر حضارى.. كان على يقين بأن اللهجة المصرية هى أقرب اللهجات العربية لعقول وقلوب المنطقة.. وكان يرفض أن تكون مصر مجرد "متحف" للحضارة!!

 

توقف "عبد الناصر" أمام فقرة قالوا فيها: "إن أحد أسباب سياسات الجمهورية العربية المتحدة, أنها تسعى إلى تقوية الطابع الاحتكاري للاقتصاد.. إضافة إلى التناقض بين الزمرة الحاكمة وبعض الاحتكاريين المصريين.. لأن الزمرة الحاكمة منذ تسع سنوات, أصبحت لها أسس ومصالح اقتصادية".

 

ردنا على ذلك أن: "الشيوعيون يتخبطون.. على توزيع الأرض على الفلاحين فيه تقوية للطابع الاحتكاري؟! هل قوانين تحديد الدخل والضرائب التصاعدية فيه تقوية للطابع الاحتكاري؟! هل التأميم تقوية للطابع الاحتكاري؟! هل تحديد الملكية فى الشركات تقوية للطابع الاحتكاري؟! هل إشراك العمال فى الإدارة تقوية للطابع الاحتكاري؟! ونحن نسأل الشيوعيين.. ما هى المصالح الاقتصادية للزمرة الحاكمة كما تقولون؟! فهذا كلام لا دافع له, غير الحقد الذى تنفعل به قلوبكم.. بعد أن آمن الشعب العربى, بالاشتراكية العربية القومية.. ونفض أساليب الشيوعيين فى البلاد العربية, لأنه كشف تضليلهم فأصبحت الأحزاب الشيوعية فى البلاد العربية معزولة ومنبوذة.. وبعد ثورة العراق, كان أى شيوعى يخرج إلى الطريق يتابعه الأحرار بهتاف دخل التاريخ.. شيوعى.. فوضوى.. عميل"!!

 

مدهش جدا أن اتهامات الشيوعيين التى كانوا يرشقون بها "عبد الناصر" هى نفسها الاتهامات التى يوجهها تجاهه بعد رحيله "خدم الملكية والاستعمار" وهى نفسها التى يتهمه بها "رجال المال" الذين ترعاهم عواصم نظام "الأوف شور" بعد أن تمكنوا من ممارسة الاحتكار.. بعد أن تمكنوا من تصفية القطاع العام.. وبعد أن حطموا قوانين تحديد الدخل وألغوا قانون الضرائب التصاعدية المعمول به فى كل الدول الرأسمالية.. ويمارسون لعبة "الثلاث ورقات" بزعم أن ذلك هو مفتاح أبواب الاستثمار!! أصبح "نهب المال العام" اسمه استثمار.. أصبحت عودة الإقطاع.. هى الاستثمار.. وأضافوا للقائمة إقطاع عقاري.. وإقطاع سياحي لم يكن لهما وجود فى ذلك الزمان.. ومطلوب منا أن ننتظر منهم فتات ما يتساقط من الحصان لتأكله العصافير.. الفقراء.. كما يقول مفكري نظام "الأوف شور" الذين أطلقوا على "الإقطاع العقاري" اسما لطيفا وخادعا.. هو "التطوير العقارى"!!

 

ذهب بعد ذلك "عبد الناصر" إلى عرض ما تبقى من اتهامات يوجهها له الشيوعيون, فنقل نص ما اتهموه به: "إن عبد الناصر وعد بتحقيق يوم العمل, بالسبع ساعات.. وهذا ستجرى المماطلة حوله ولن يتم.. لأن هذا التبرير يهدف إلى تشغيل عدد من العاطلين عن العمل"!!

 

ذهب فى رده على ذلك بشرح مستفيض, قال فيه: "الدول التى تطبق يوم العمل بسبع ساعات, لا تزيد عن ثلاث أو أربع دول.. والكثير من الدول الشيوعية تطبق معسكرات العمل بثمان ساعات.. فهل هذا ما يريدون تطبيقه عندنا؟!

 

إن الصناعة فى الجمهورية العربية المتحدة تطورت وتضاعف إنتاجها فى سبع سنوات.. وآلات الحديثة تستدعى عددا أقل من العمال, وهذا سبب تخفيض ساعات العمل.. أما البطالة التى يتحدثون عنها, فهى نتيجة الاستعمار وحكم أعوان الاستعمار.. إن البطالة استمرت فى الاتحاد السوفيتى بعد الثورة الشيوعية, حتى عام 1932 – 15 سنة – لكن اشتراكيتنا ستقضى على البطالة بمضاعفة الإنتاج كل خمس سنوات, ومضاعفة الدخل القومى كل عشر سنوات.. وبتقليل ساعات العمل.. سنقضى على البطالة بالتوسع فى التصنيع الذى نقترض لننفذه.. والشيوعيون يهاجمون التوسع التجارى فى إفريقيا, ويسمون ذلك سياسة توسعية.. أى منطق يتحدث به هؤلاء".

 

يقول الشيوعيون: "فى سجون الجمهورية العربية المتحدة عدد كبير, وهؤلاء هم أشد أنصار الاشتراكية.. فكيف يمكن التوفيق بين ادعاء الاشتراكية وحبس الشيوعيين؟!".

 

أقول لهم: "نحن نحبس الشيوعيين لأنهم عملاء.. تنكروا لوطنهم وشعبهم وقوميتهم وعروبتهم.. ونحن نقول أن الاشتراكية ليست احتكارا.. الاشتراكية عندنا تلازم القومية.. وأنتم تنكرتم للوطنية والقومية.. تريدونها حربا أهلية طبقية.. ونريدها إنسانية وأنتم تنكرتم لكل قيمة إنسانية.. أنتم هدفكم الحكم والهدم والقتل.. والاشتراكية عندنا ملازمة للأخلاق, والحكم عندنا وسيلة وليس الغاية.. إن مكان العملاء عندنا هو السجن, أما العمل فهو للشرفاء.. نظامنا الاشتراكى يعتمد على الضرائب المباشرة وغير المباشرة.. لذلك فرضنا الضرائب التصاعدية.. الأنظمة الشيوعية تعتمد على الضرائب المباشرة فقط.. ثمن كيلو السكر عشرة أضعاف ثمنه عندنا.. ثمن الملبوسات عشرة أضعاف سعرها عندنا.. لقد كشفوا أنفسهم بتحالفهم مع البرجوازية والإقطاع والرجعية.. لذلك اكتسح تيار القومية العربية الشيوعية.. إكتسح التيار الاشتراكى العربى الشيوعيين.. ثم يتحدثون عن الديمقراطية, التى يفهمونها على أنها أن يحكم الحزب الشيوعى ويقتل معارضيه.. فالديمقراطية فى عرفكم هى معسكرات العمل والسخرة.. الديمقراطية فى عرفكم أن يكون الإنسان كالآلة, لا مجال له غير ما يقرره الحزب الشيوعى.. لكننا نسير فى طريق الاشتراكية الإنسانية"!

 

كان "عبد الناصر" يراهن على الاحترام.. ففاز به.

 

احترمه أعداؤه.. وأحبه واحترمه أنصاره!

 

رحل "عبد الناصر" فرفع حتى الشيوعيين راياته.. دافعوا عنه, ومن فسد منهم وانضم إلى معسكر خصومه لم يجرؤ على ممارسة سلوك "خدم الملكية والاستعمار"!!

 

لأن نظام "الأوف شور" المالى والسياسى, يعتمد بالدرجة الأولى على "رجال المال" ويفضل الراغبين فى ممارسة الفساد منهم!!

 

ويقوم على تزوير التاريخ وتشويه الحقائق.. ويعتبر أن البنك الدولى وصندوق النقد هما رافعته وقاطرته.. ستجد أن كل الذين يطوفون حول أمريكا باعتبارها كعبتهم!! لا يكفون عن قصف "عبد الناصر" باعتباره كان عنوانا لتجربة حيرت "إيزنهاور" وفرضت على رجاله محاولة إيقاف فيضانها.. وجعلت "خروشوف" يعترف أنه ضد الشيوعية, لكنه يستحق التقدير والاحترام.. وبقدر ما كان يخيف العملاء فى حياته.. بقيت سيرته تثير الذعر فى نفوسهم.. لذلك استخدموا تجاه تجربته منهج "هتلر" الذى يقوم على إقناع الفقراء بأنهم يعيشون فى الجنة, رغم أن النار تحرقهم وتحاصرهم!!

 

رحل "عبد الناصر" وتطايرت شرارات أفكاره وتجربته إلى "بنما" و"كولومبيا" و"الإكوادور" و"كوبا" و"فنزويلا" وغيرها من دول أمريكا اللاتينية.. وأخذتها "الصين" و"الهند" و"ماليزيا" وغيرها من دول آسيا بعين الاعتبار.. وبقيت سيرته فى إفريقيا والعالم العربى مضيئة.. رغم كل محاولات النيل من هذه التجربة.. أما شخصه فكان صعبا.. بل مستحيلا أن يغمز تجاهه أولئك أو هؤلاء!!

 

تم إجراء جراحة تجميل لنظام "الأوف شور" اللقيط.. بعد رحيل "عبد الناصر" ويجوز للموظفين فى مشروع السخرية من كل حقيقة.. أن يطلقوا ألسنتهم وسبابهم.. كما يجوز للموظفين فى مشروع "تسفيه المؤامرة" أن يخرجوا ما فى جوفهم!! لكن علماء ومراقبين ومفكرين فى الغرب, كتبوا ذلك فى دراسات ونشروه فى كتب.. والمثير أن ملايين قرأوا وناقشوا وانتهوا إلى قبول الفكرة ونتائج تطبيقها.. وأصبح الذين يقاومون نظام "الأوف شور" فى الغرب أشد ضراوة وأكثر عددا من المبشرين به عندنا.. بل أكثر من الذين يتكسبون بملايين من تلك "البضاعة الفاسدة!!.. لكن قومى لا يعلمون..

 بوابات الأموال القذرة!! (37) "الدوامة" و"النداهة"!!

 

يتبع

 

إرسال تعليق

0 تعليقات