آخر الأخبار

بوابات الأموال القذرة!! "إنتم نصابين"!! (45)

 

 



 

 

نصر القفاص

 

المصريون – فقط – يفخرون ويفاخرون بزمن الخمسينات والستينات.

 

العرب الوطنيون – فقط – مازالوا يرفعون راية "عبد الناصر" دفاعا عن تجربته.

 

المخلصون لأوطانهم – فقط – فى آسيا وإفريقيا لا ينسون ما فعله زعيم مصر, دفاعا عن حقهم فى التحرر والاستقلال.. لذلك تجد اسمه يزين جامعاتهم وشوارعهم وميادينهم!

 

كان للسفارة البريطانية فى "واشنطن" مستشارا اسمه "هول" لا يكف عن ترديد جملة أمام ضيوفه.. وكانت تنقلها عنه الصحف, وهى "عبد الناصر عدو الشعب البريطانى رقم واحد" والمفارقة أن الانجليز كانوا يقولون عن "جورج واشنطن" عندما حارب استعمارهم أنه "عدو الشعب البريطانى رقم واحد"!!

 

كل الذين يطالبون – ويعملون – باستقلال بلادهم, أعداء للدول المستعمرة.. سوا كان الاستعمار بريطانى أو أمريكى أو فرنسى أو تركى.. إلى آخر قائمة الدول التى تمارس هواية نهب ثروات الشعوب ومص دماء أبنائها.. وكل الزعماء الذين حققوا لأوطانهم الاستقلال, يطربهم أن تعتبرهم عواصم دول الاستعمار أعداء لهم!

يبقى أن "عبد الناصر" كان يقدر على مواجهة أعدائه سرا وعلانية بشموخ.

 

فقد قال "لخروشوف" لا تترك أيدينا معلقة فى الهواء!

 

وقال "لكيندى" لقد تركتم أيادينا معلقة فى الهواء!

 

لا ينصف "عبد الناصر" أن تصرخ إعجابا به أو تقديرا له.. ينصفه فقط أن تفهم قيمة ومعنى ما كان يقوله ويعتقده.. فهو لم يقل غير ما يعتقد.. فى ذلك سر احترام أعدائه قبل أصدقائه له.. وفيه سر وجوده حيا بيننا, رغم رحيله قبل أكثر من نصف قرن.. ولا يمكن للذين امتهنوا خدمة الاستعمار أن يفهموا ذلك.. ولا يجوز أن نتصور أن "جامعى أعقاب السجائر" يمكن أن يفهموا.. لأنهم باحثون عن ربح رخيص, حتى لو كانوا يحملون درجة الدكتوراه!! هؤلاء ستجد أحدهم يحدثك عن "البقرات المقدسة" أو يقول لك أن "عبد الناصر" إنشغل بالشعارات, وهم يدركون أن مجتمعاتهم تنظر إليهم.. كما تنظر إلى "المهرج" وتسلى أوقاتها به ومعه!!

 

أعدا "عبد الناصر" يتكسبون من الترويج لنظام "الأوف شور" الاقتصادى والسياسى.. ويراهنون على طول زمن التزييف للوعى, وتزوير الحقائق مع تشويه التاريخ.. ففى ذلك مزيد من الأموال والوجاهة على حساب أوطانهم وشعوبهم!!

 

هم قرأوا رسالة "عبد الناصر" إلى الرئيس الأمريكى "جون كيندى" فى أول أغسطس عام 1961, ويعلمون أنها كانت درسا فى السياسة والتاريخ والأخلاق.. لكنهم لا يريدونك أن تعرف ما جاء فيها.. لذا كان سبب اجتهادى فى إعادة قراءتها.. وللتوضيح فقد كانت الرسالة ردا على رسالة للرئيس "كيندى" بعث بها للرئيس "عبد الناصر" قبلها بأكثر من شهرين!!

 

رسالة "عبد الناصر" للرئيس الأمريكى "كيندى" محظور تداولها فى مصر.. لكنها متاحة فى الغرب لكل من يريد أن يعرف ويفهم أمريكا.. وقد بدأت بقوله: "تلقيت بمزيد من الارتياح والتقدير خطابكم إلينا بتاريخ 11 مايو 1961, والذى تفضلتم فيه بإثارة بعض جوانب المشكلة, ذات الأهمية البالغة.. والخاصة.. بالنسبة للأمة العربية على اختلاف شعوبها, وهى دون شك قضية فلسطين.. وإذا كنت قد تأخرت فى الرد على هذا الخطاب, فلقد كان باعث التأخير هو إعطاؤه ما يستحقه من فرصة الدراسة الدقيقة المتأنية.. ولعل مبعث الارتياح الذى شعرت به حين تلقيت خطابكم.. أننى كنت من جانبى أقلب النظر فى فكرة الاتصال بكم, بشأن القضية التى أثرتم فى خطابكم بعض جوانبها"

 

رئيس مصر يؤكد أنه تأخر فى الرد على رسالة للرئيس الأمريكى, أكثر من شهرين.. كان يهمه أن يؤكد ذلك ويفسره بأنه كان يدرس الرسالة ليكون رده بناء على دراسة دقيقة متأنية.. يكفى ذلك ردا على أحد "جامعى أعقاب السجائر" من الذين يحملون درجة الدكتوراه.. فهو لا تشغله الشعارات.. لا تحكمه الانفعالات.. لا يباهى الأمم أنه تلقى رسالة من الرئيس الأمريكى.. ثم يصارحه بأنه كان يدرس فكرة الاتصال به.. طال وقت دراسته, فقطعه الرئيس الأمريكى بكتابة رسالة إليه يدعوه فيها إلى تسوية أمريكية للقضية الفلسطينية.. فرض ذلك أن يقول "عبد الناصر" فى رسالته: "كان فكرى فى الاتصال بكم.. يرتكن إلى مجموعة من العوامل"

ثم راح "عبد الناصر" يذكر ويعدد هذه العوامل.

 

"أولا: إن ما تم بالفعل من تبادل الرسالات بيننا فى عدد من مختلف المشاكل العالمية.. كان واضحا فى دلالته على أنكم تحاولون فتح أبواب التفاهم.. وإبقاءها مفتوحة.. بينكم وبين عدد من الشعوب التى تولى قضايا السلام اهتمامها الأول.. حفاظا على هذا السلام وصونا للجنس البشرى مما يتهدده من أخطار.. وفى اعتبارنا أن الوصول إلى التفاهم المشترك بين الشعوب, هو فى الوقت نفسه إقامة لفرص السلام على أمتن الأسس وأصلبها.

 

ثانيا: إن قضية فلسطين وما تفرع عنها من مشاكل, هى بجانب كونها من القضايا الرئيسية التى تمس السلام العالمى مباشرة فى عصرنا.. فهى فى الوقت نفسه ذات اتصال وثيق بالعلاقات بين شعبينا.. وأحب هنا أن أضيف, أننى لا أربط احتمالات التفاهم بيننا بضرورة التقاء وجهات نظرنا فى هذه المشكلة على نحو كامل التطابق.. إنما الذى أقوله هو أنه من الأمور الحيوية فى هذا الصدد, أن تكون لدى كل منا صورة واضحة للحقيقة.. بقدر ما يمكن أن يبدو منها إنسانيا من وراء ضباب الزمان ودخان الأزمات.

 

ثالثا: إننى تابعت باهتمام كل مرة تعرضتم فيها لهذه المشكلة, سواء فيما ألقيتم من خطابات فى الكونجرس حين كنتم تمثلون ولاية ماسشوستس أو ما صدر منكم خلال الحملة الانتخابية للرئاسة.. ولست أخفى عليكم أننى قبل أن يصلنى خطابكم.. كنت من تأثير الاتصال بكم فى موضوع فلسطين.. أحاول أن أستشف صورة لموقفكم, خلال سطور كتابكم عن استراتيجية السلام.. وقد كان إحساسى بما قرأت عنكم مباشرة, أو بما نسب إليكم فى هذا الموضوع.. يجعلنى أعتقد أن هناك زوايا كثيرة فى المشكلة تستحق مزيدا من الضوء.. على أنى برغم هذا كله تصورت أنه ربما كان المناسب أن أرجئ الاتصال بكم فى هذا الأمر, باعتبار ما كان يواجهكم من مشاكل ضخمة ذات طابع عاجل وملح فى الميدان الدولى.. ومن هنا – كما قلت لكم – أثار ارتياحى أنكم أخذتم المبادرة, وكتبتم إلى فى بعض زوايا الموضوع.. الذى كنت أنوى أن أحدثكم فيه بصورته الكاملة كما نراها على الناحية العربية.. ولست أريد هنا أن أملأ هذا الخطاب بالوثائق ومعانيها, والقرارات وأحكامها.. فذلك كله قد يكون له مجاله.. إنما أحاول أن أنقل إليكم تصورنا العام للمشكلة.. واسمح لى أن أؤكد لك أن هذا التصور لا يقوم على أساس عاطفى.. إنما ما حدث ماديا هو أساسه الوحيد"

"عبد الناصر" كان يكتب لغة شديدة الانضباط.. ومعلوم بالضرورة أن اللغة المنضبطة تعكس تفكيرا سليما.. لذلك سنجد أنه يتعمد كشف استمرار التواصل والاتصال مع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.. ويحرص على أن يتحدث حول العلاقات والتفاهم بين شعبين, باعتباره الأهم والأكثر متانة من العلاقات بين رئيسين أو زعيمين.. كأنه أراد أن يقول لكيندى أننى أشرح كل شىء لشعبى بصدق وأمانة وموضوعية.. وليتكم تفعلون!! ويؤكد أنه لا يبحث عن تطابق وجهات النظر, وهى الجملة التى تتردد على مسامعنا كلما تابعنا لقاء رئيسين هذه الأيام.. لكنه يبحث عن الفهم الصحيح للحقيقة.. وشاء أن يعرف كيندى" مدى قراءته لفكره ومنهجه, من خلال متابعته لآرائه فى "الكونجرس" وخلال خطاباته فى حملته الانتخابية.. بل وقرأ كتابه الذى طرح فيه تصوراته ورؤيته للسلام.. وبعد كل ذلك يقول له, يجب أن تعرفوا رؤيتنا الموضوعية!

نعود إلى الرسالة وفيها: "سيادة الرئيس.. إسمحوا لى أن أضع أمامكم الملاحظات التالية.. علها تساعد مترابطة على توضيح صورة سريعة للمشكلة..

 

أولا: قد أعطى من لا يملك وعدا لمن يستحق.. ثم استطاع الاثنان – من لا يملك ومن لا يستحق – بالقوة والخديعة أن يسلب صاحب الحق الشرعى حقه, فيما يملكه وما يستحقه.. تلك هى الصورة الحقيقية لوعد بلفور الذى قطعته بريطانيا على نفسها.. وأعطت أرضا لا تملكها, وإنما يملكها الشعب العربى الفلسطينى بإقامة وطن يهودى على أرض فلسطين.. وعلى المستوى الفردى.. فضلا عن المستوى الدولى, فإن الصورة على هذا النحو تشكل قضية نصب واضحة تستطيع أى محكمة عادية أن تحكم بالإدانة على المسئولين عنها!!

 

ثانيا: من سوء الحظ – يا سيادة الرئيس – أن الولايات المتحدة وضعت ثقلها كله فى غير جانب العدل والقانون فى هذه القضية.. لتجافى كل مبادىء الحرية الأمريكية والديمقراطية الأمريكية.. وكان الدافع لذلك مع الأسف هو اعتبارات سياسية محلية, لا تتصل بالمبادىء الأمريكية ولا بالمصلحة الأمريكية على مستواها العالمى.. لقد كانت محاولة كسب الأصوات اليهودية فى الانتخابات الرئاسية هى الدافع.. وقرأت لأحد السفراء الأمريكيين السابقين فى المنطقة, أن سلفكم هارى ترومان لما ألقى بكل قوته, وفيها بالقطع قوة منصبه الخطير على رأس الأمة الأمريكية ضد الحق الواضح فى مستقبل فلسطين.. لم يكن له من حجة إزاء الذين لفتوا نظره لخطورة موقفه.. غير قوله: هل للعرب أصوات فى انتخابات الرئاسة الأمريكية؟!

 

ثالثا: إن خرافة الانتصار العسكرى الذى تحاول بعض العناصر أن تقيم على أساسه حقا مكتسبا للدولة الإسرائيلية فى فلسطين.. ليست إلا وهما صنعته الدعايات التى بذلت جهدها لإخفاء الحقيقة.. ولست أريدك أن تسمع شهادتى, كجندى عاش هذه التجربة بنفسه.. إنما وثائق الأمم المتحدة وتقارير وسيط الهدنة فى فلسطين ولجانها.. تستطيع أن تثبت لك أن القوات الإسرائيلية لم تستطع احتلال ما احتلته من الأراضى خلال المعارك.. إنما من العجيب أن ذلك كله تم خلال الهدنة.. وكان ما فعله العرب فى ذلك الوقت أنهم أحسنوا الظن بالأمم المتحدة, وتصوروها قوة قادرة على فرض العدل.. وظن العرب أن الجانب الإسرائيلى سوف يعاقب على خرقه لأحكام الهدنة الدولية.. وأن ما تسلل إليه من الأرض تحت ستار الهدنة, سوف يعاد إلى مكانه الأصلى.. ومن سوء الحظ أننا عوقبنا فيما بعد على نظرتنا إلى الأمم المتحدة, لأنها كانت نظرة مثالية!

 

رابعا: الخطر الإسرائيلى بعد ذلك كله.. لا يمثل مجرد ما تم حتى الآن من عدوان على الحق العربى.. وإنما يمتد إلى المستقبل العربى ويهدده بأفدح الأخطار.. وإذا ما لاحظتم استمرار الهجرة اليهودية إلى إسرائيل وتشجيعها.. فهذه الهجرة ستصنع ضغطا داخل إسرائيل لابد له أن ينفجر ويتجه إلى التوسع.. ولعل ذلك هو التفسير المنطقى للتحالف بين إسرائيل ومصالح الاستعمار فى منطقتنا.. لأن إسرائيل منذ قيامها لم تبتعد عن الفلك الاستعمارى, لشعورها بترابط مصالحها مع الاستعمار.. كذلك كان الاستعمار يستخدم إسرائيل كآداة لفصل الأمة العربية فصلا جغرافيا.. كما يستخدمها كقاعدة لتهديد أى حركة تسعى للتحرر.. ولست فى حاجة لتذكيركم بظروف العدوان الثلاثى علينا والتواطؤ الذى سبقه عام 1956"

 

بهذه الدبلوماسية أراد "عبد الناصر" أن يقول للرئيس الأمريكى, لقد فهمنا "أنكم نصابين" وقالها بوضوح "قضية نصب" وكشف عن رؤيته للمستقبل الذى نعيش تفاصيله فى بلاهة شديدة بفعل رجال "زمن الأوف شور" وبينهم الذين حملوا درجة الدكتوراه لممارسة النصب على شعبهم!!..

 

بوابات الأموال القذرة!! (44) والسلام ختام

 يتبع

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات