آخر الأخبار

بوابات الأموال القذرة!! بتاع "الوترجيت"!! (52)

 





 

نصر القفاص

 

صباح 4 فبراير عام 1973 – لاحظ 4 فبراير – صدرت صحف الصباح.. كانت الأهرام والأخبار والجمهورية فقط.. تحمل فى صفحاتها الأولى عنوان "إسقاط عضوية 64 عضوا من الاتحاد الاشتراكي" وكانوا كلهم من الصحفيين.. ضمت القائمة أسماء:

 

 "لويس عوض" و"محمد عودة" و"أحمد بها الدين" و"لطفى الخولى" و"يوسف إدريس" و"الفريد فرج".. تم إضافة آخرين بعدها بساعات، ليصل العدد إلى 111 صحفيا تم توزيعهم على شركات الأخشاب والأحذية والأسماك وهيئة الاستعلامات..

 

تضحك بدموع العين، حين تقرأ أن هذا الإجراء تطبيقا لشعار "سيادة القانون"!

 

كان معنى القرار شطب أسماء هؤلاء من ممارسة مهنة الصحافة وعضوية نقابة الصحفيين.. فقد كانت عضوية الاتحاد الاشتراكي شرطا لممارسة المهنة.. تم الإعلان عن أن "هيئة النظام" بالاتحاد الاشتراكي هى التى اتخذت القرار.. هذه الهيئة المريبة لم يسمع أحد بها قبل ذلك.. لكنها ظهرت!!

 

كان يرأسها "حافظ بدوى" رئيس مجلس الشعب، وتضم فى عضويتها "محمد حامد محمود" و"أحمد عبد الآخر" و"أحمد كمال أبو المجد" و"يوسف مكاوى" و"محمد عثمان إسماعيل".. وأعلنت هذه "الهيئة المريبة" أن بعض الصحفيين والكتاب كانوا وراء أحداث الطلبة.. وأن هؤلاء أعطوا صحفا أجنبية ووكالات أنباء معلومات كاذبة ومضللة.. بهدف إظهار البلاد وكأنها تعانى عدم الاستقرار وتشهد فوضى!!

 

ذاكرة التاريخ فيها هذه الأحداث والوقائع.. لكن "ماكينات الكذب والتزوير" تروج للديمقراطية التى أرسى قواعدها "أنور السادات"!! يحدثونك عن "سيادة القانون" الذى كان يقدم بضاعته "حافظ بدوى" وفريقه من "رجال الزمن الجديد" وأسمائهم تقول كل شىء.. لا تحتاج إلى تعليق.. على جانب آخر دعا الرئيس – السادات – رؤساء تحرير الصحف لاجتماع كان صاخبا وشهد توبيخا لهم على توسعهم فى نشر ما يحدث فى الجامعات.. حدث ذلك يوم 10 فبراير.. فى اليوم التالى استقبل الدكتور "محمد عبد القادر حاتم" نائب رئيس الوزراء ووزير الثقافة والإعلام ثلاثة من كبار الكتاب لم تشملهم قرارات الاتحاد الاشتراكي.. هم:

 

 "توفيق الحكيم" و"نجيب محفوظ" و"ثروت أباظة".. ويوم 22 مارس نشرت "الأهرام" صورة للرئيس "السادات" يصافح "توفيق الحكيم".. وخبر يقول أن الرئيس استقبل "توفيق الحكيم" بحضور "عبد القادر حاتم" لمدة نصف ساعة، ثم اختلى مع "توفيق الحكيم" لمدة ساعة ونصف.. وصرح بعدها الأديب الكبير بأن: "البناء الجديد لمصر هو قوتنا الخلفية التى تدعم قوتنا المسلحة.. وهذا البناء يتطلب تضافر كافة الجهود.. وأن ننسى كل الانقسامات الطائفية والطبقية والعقائدية.. وأن يعمل الجميع دون عزل أو انعزال عن الإنتاج الذى ينفع المواطنين.. فالكل يجب أن يشارك وأن يعود إلى حضن الوطنية المصرية, من أجل بناء مصر منتصرة ومتحضرة وقوية".

 

ظهر بعد ذلك كتاب "عودة الوعى"!

 

انقسم اليسار بعد أن فجر "توفيق الحكيم" معركة ضارية رفع رايتها "محمد عودة" حين رد على الكتاب بآخر عنوانه "الوعى المفقود" وتنشر جريدة "اللوموند" دراسة للدكتور "حامد ربيع" فى شهر يوليو عنوانها "الحرب النفسية فى المنطقة العربية" لم تحظ باهتمام الإعلام الرسمى.. نشرتها صحف "بيروت" وركزت على أن الدعاية الصهيونية تروج إلى أن أوروبا هى حاملة لواء الحضارة.. وأن اليهود يقومون بمحاولة التنوير فى المنطقة!!

 

كانت تلك هى صورة المجتمع المصرى عشية "حرب اكتوبر".

 

سكت كل الكلام.. والبندقية أتكلمت.. انصهر الكل فى واحد.. تلاشت الفتنة.. اختفت الانقسامات.. رفع الشعب رأسه.. غفر للرئيس ما تأخر من ذنب!! اتفق الجميع على أنه بطل الحرب وقائد الانتصار.. أصبح يملك شرعية ومشروعية.. أذهلت القوات المسلحة العالم.. انحنى الجميع للجندى المقاتل المصرى احتراما وتقديرا.. اعتبر الجميع أن حرب أكتوبر.. العاشر من رمضان هى نقطة الانطلاق لبناء مستقبل يستحقه المصريون.

 

لا يختلف اثنان على إبداع وعبقرية العسكرية المصرية.

 

لم يختلف اثنان على احترام المؤسسة العسكرية من أصغر جندى إلى القائد الأعلى.

 

حدث الاختلاف الذى تحول إلى خلاف – على ومع – واضح مع القيادة السياسية.. فوسط أجواء أروع الانتصارات وأعظمها فى تاريخ الصراع العربى – الإسرائيلي.. كانت "الثغرة" ثم وقف إطلاق النار.. ثم كانت اجتماعات "خيمة الكيلو 101" وبعدها اجتماعات "جنيف" وتحرك "كيسنجر" بين "القاهرة" وتل أبيب" حتى حدث اللقاء المصري الإسرائيلي يوم 21 ديسمبر فى "جنيف" ليتم خلق فراغ.. ويتم استئناف سياسة "ملء الفراغ" التى كان "عبد الناصر" قد دمرها ونسف معها "حلف بغداد"!

 

عادت "واشنطن" من الباب الواسع للمنطقة.. جاء "نيكسون" ليزور "القاهرة" يوم 10 يونيو 1974 وأعلن وعوده الاقتصادية.. دخلت سفن الأسطول السادس لتسهم فى تطهير قناة السويس.. قدمت أكبر ثلاث بنوك أمريكية طلبات لفتح أفرع لها.. طلبت الجامعة الأمريكية رفع الحراسة عنها, لتعود مؤسسة أمريكية بلا تدخل أو توجيه من السلطات المصرية!!

 

كانت هناك أقلية واعية لما يدور حولها.. صوت هؤلاء تم حجبه باسم الديمقراطية.. فرحة الشعب وافتخاره بإنجاز القوات المسلحة, صرفتهم عن التدقيق فيما جاء بخطاب "السادات" يوم 16 أكتوبر أمام مجلس الشعب.. يومها كرر عرضه بالذهاب إلى السلام رغم أن الحرب كانت مستعرة.. أصيب كل المراقبين بدهشة.. قل بذهول.. هذا جيش يحقق انتصارا غير مسبوق وقيادته السياسية تعرض وقف إطلاق النار واستعدادها للسلام.. بدعوى أن أمريكا دخلت الحرب إلى جانب إسرائيل.. وعلى عجل استضافت "جنيف" يوم 21 ديسمبر 1973 مؤتمر جمع مصر مع إسرائيل بحضور الأردن والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي.. فقد كانت "واشنطن" ترغب فى أن تدخل مصر فى الاتجاه العكسي بأقصى سرعة.. لأن مصر التى حملت رايات التحرر الوطني أفقدت عواصم الاستعمار حصونا كثيرة.. ومصر التى كانت ترى وحدة المصير العربى, تمثل خطرا على إسرائيل.. فأصبح مطلوبا أن تنكفىء على ذاتها.. تبحث عن مصيرها على طريق الأوهام والسراب.. ومصر القائدة يجب أن تختفى, مقابل وعود بأن يغرق شعبها فى الرخاء والرفاهية.. أصبحت كلمتى الرخاء والرفاهية, بديلا عن العزة والكرامة!!

 

حدثت التحولات الجذرية باتفاق وقع عليه مجالس وزارات متعاقبة.. ومجالس نواب متعاقبة.. روجت لها صحف تولى اختيار قياداتها أجهزة أمنية من خلف ستار حتى وصلنا إلى مرحلة سفور, وإعلان ذلك بفجور منقطع النظير!! شارك فى صناعة هذا التحول نخب ثقافية وفكرية, انبهرت بزيارات عواصم الغرب.. وأصبح من ينال الرضى الأمريكى يحج إلى "واشنطن" و"نيويورك" ويمر فى طريق ذهابه وعودته بكل من "لندن" و"باريس" وغيرهما.. وفتحت السعودية خزائنها لشراء ولاءات من يقدرون على التأثير فى صناعة القرار داخل مصر.. ثم تسابقت معها كل من الكويت وقطر والإمارات.. بل حتى سلطنة عمان التى كونت "لوبى" محدود يدافع عنها!!

 

المفاجأة المذهلة.. أنه قبل أن تسكت المدافع.. داست عجلة الإجراءات التى تأخذ مصر إلى عالم "الأوف شور" فقد وقع رئيس الجمهورية يوم 16 أكتوبر 73 قرارا جمهوريا أخذ رقم 1637 يقضى بالموافقة على اتفاقية بين مصر وألمانيا الغربية لتوريد القمح.. لقطع هذا الرباط مع الاتحاد السوفيتي.. ثم تعاقبت القرارات الجمهورية التى وافق عليها مجلس الشعب لتصبح قوانين.. بداية من قرار جمهورى رقم 1905 الصادر يوم 15 نوفمبر 1973 والذى يمنح الموافقة على اتفاقيتي قرض لاستغلال حقل غاز أبو قير البحرى بين مصر وصندوق التنمية الكويتى.. ويوم 6 يناير عام 1974 صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 6 الذى يسمح بالترخيص لوزير البترول أن يتعاقد مع شركة ألمانية – ديمنكس – للبحث عن البترول واستغلاله فى خليج السويس.. ويوم 30 يناير عام 1974 صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 7 بتأسيس الشركة العربية لأنابيب البترول – سوميد – بين مصر والكويت والسعودية والإمارات وقطر.. وعندما تم التصديق على القرار فى البرلمان نص القانون على أن تدفع الشركة حصص الأرباح للمساهمين بالعملة الحرة.. ولا تسرى عليها قوانين الرقابة على النقد ولا قوانين الشركات المساهمة والمؤسسات العامة وشركات القطاع العام.

 

من هنا بدأت عمليات هدم القطاع العام.. بالقانون!!

 

فى يوم 17 مارس 1974 صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 337 بإنشاء جهاز "التعاون الاقتصادي العربي والدولي" وتولى هذا الجهاز العمل على تدعيم العلاقات الاقتصادية والفنية وهيئات التمويل الدولية والإقليمية وتشجيع الاستثمار العربى والأجنبى.. وصدر القانون رقم 43 لعام 1974 الخاص بالاستثمار العربى والأجنبى والمناطق الحرة.. أجاز القانون لرأس المال الأجنبي أن ينفرد بالعمل فى مجال البنوك التى يقتصر نشاطها على العمليات التى تتم بالعملات الحرة.. ونص القانون على أنه لا يجوز نزع ملكية عقارات تقام عليها مشروعات استثمارية.. ويسمح بالاستيراد دون حاجة إلى ترخيص, على أن تكون عملياتها مستثناه من إجراءات العرض على لجان البت الحكومية!! ونص القانون على إعفاء أرباحها من الضرائب التجارية والصناعية.. ونشرت الصحف كل هذه القوانين على أنها "لوغاريتمات" غير قابلة للفهم.. وكانت الصحف تهلل للقرارات الجمهورية التى ستنقل مصر إلى الرخاء والرفاهية!!

 

ولا تكف عن رشق ما كان قبل "أنور السادات" بأنه كان الخراب الذى حرم الشعب من "التفاح الأمريكانى" والملابس المستوردة والمياة الغازية العالمية.. قبل أن تكتسح "البيتزا" و"الهامبورجر" مصر.. وصولا إلى "زمن المول" و"أبراج" تنافس "برج خليفة" فى "دبى"!!

 

حصل "السادات" بحرب أكتوبر على الشرعية والمشروعية.. وخسرت مصر صوتها الواضح والحاسم فى كل ما يجرى حولها.. انتصرنا عسكريا ورفعنا "الراية البيضاء" اقتصاديا.. وكان هذا هو المطلوب إثباته لكى تنال مصر شرف زيارة "نيكسون" الذى قال عنه "أحمد فؤاد نجم" فى قصيدة "رائعة" "بتاع الوترجيت"!

 

ولكى نباهى الأمم بصداقة "


فاليرى جيسكار ديستان" الذى رحب "نجم" به وحملت التحية حنجرة "الشيخ إمام" القائل "فاليرى جيسكار ديستان.. والست بتاعه كمان.. حيجيبوا الديب من ديله.. ويشبعوا كل جعان.. والفقرا حياكلوا بطاطا.. وحيمشوا بكل ألاطة.. ويسموا ولادهم جان"!

انقلبت الخريطة الاجتماعية.. أصبح على الفقراء أن يأكلوا ما يتساقط من فم الحصان, كما تنص قواعد "الأوف شور".. وبدأت مصر تسمع كلمة "فساد" آناء الليل وأطراف النهار حتى تحولت إلى أغنية لها نجومها فى "زمن المهرجانات" ورحنا إلى "التمليك" بدلا من الإيجار وصولا إلى "زمن الكومباوند" الذى يحارب للقضاء على العشوائية!!..


بوابات الأموال القذرة!! مصر الغضبانة!! (51)

 

يتبع

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات