محمود جابر
لم يكن حدث الجمعة – إقامة صلاة الجمعة – حدثا عاديا فى المجتمع
العراقى الذى الموغل فى القبيلة والمذهب، وصاحب التقاليد الحوزوية الصارمة صرامة
تبلغ حد القتل والموات فى الآن نفسه، وهى حوزة تقليدية استاتيكية، وقد زاد سكونها
وطابعها المحافظ خاصة بعد رحيل السيد الخوئى وتولى السيستانى خلفا له .
##
مثلت تجربة في العراق صورة تصاعدية من صورة الحركة الاجتماعية التى
تنبع من ظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية وخصوصية للمجتمع العراقى ومن هنا جاء إبداع
الصدر كفقيه ثورة اجتماعي، كانت الجماهير والجمعة وإعادة قراءة التاريخ أحد أهم أدواته.
واستطاع ان يكشف اللثام عن الطبقة ( الساكتة) فى الحوزة الدينية، وأسباب
سكوتها، وان مشروع إعادة إنتاج العراق والعالم الإسلامي والحوزة مرتبط ارتباطا
شرطية بإعادة تأسيس ومنهجه هذه الحوزة.
وهنا دخل الصدر مناطق محظورة سواء لدى هذه الطبقة أو لدى جمهورها،
أو لدى زعماء مشاريع الإسلام السياسي خارج العراق.
قدم الصدر نموذجا جديدا لتعاطي الفقيه مع السلطة، وهو نموذج يجد له
مصاديق في تاريخ إشكالية العلاقة بين الفقيه والسلطة. واستطاع انتزاع بعض الأدوات
من يدها، وتصفير الصراع معها، وتوجيه الصراع الى الفاعل الأصلي للعداء ما بين
السلطة والفقيه والذى يقع مركزه فى بيزنطة او من يقوم مقامها، وضح ذلك جليا من
خلال شعاره (كلا كلا يا أمريكا)...
هذه العلاقة تحتاج إلى قراءة جديدة غير القراءة التى درج عليها
الوسط العراقى والشيعى ما بعد 2003، فالصدر استطاع ان ينتزع من السلطة أدوات
ومساحات لم يستطع فقيه قبله انتزاعها، ولعل هذا ما سهل المهمة على أعداءه فى إعلان
الحرب عليه وتسقيطه، فالفرص التى حصل عليها الصدر من النظام سواء كانت داخلية او
خارجية جعلت منه طرفا فى المعادلة الاجتماعية العراقية والحوزوية الدنية طرفا قويا
ومنافسا لمراجع كبار ودول ترفع لواء المرجعية الولائية، ولم يجد هؤلاء قدرة فى
مجاراته أو إزاحته إلا من خلال إعلان الحرب عليه وتسقيطه وإشاعة الكذب عليه وترويج
ان الصدر (فقيه السلطة) و (مرجع السلطة) و (عميل البعث)، بيد أن الصدر استطاع ان
يفكك كل تلك الإشاعات ويوضحها، بل كان كل همه استكمال مشروعه وتحيد خصومه، والشروع
بمشروعه التغييري.
وقد بلغ من علاقة الصدر بالدولة بالإفتاء بعدم سرقة أموال الدولة أو
الاستيلاء على أراضيها أو استحلال ما يخضع لسلطتها، وهو حكم خالف فيه الأعم الأغلب
ممن لا يؤمنون بفكرة الدولة الوطنية وفى الغالب كانوا ولائيين او موالين لهم أو
تابعين لهم وكل همهم كان هدم الدولة العراقية ..
إن حركة الصدر الاجتماعية انطلقت من القاعدة الدنيا فى المجتمع
العراقى ومن المجتمع العشائرى، وكان ذلك خروجا عن المألوف المرجعى، والعرف الحوزوى
متجاوزا بذلك الفعل ولاخطاب فى بناء قاعدة شعبية، تجاوز خطاب ما كان معهودا عرفا
وتقليدا حتى ان أصبح الصدر جزء من مشاكل المجتمع العراقى اليومية، وهو الأمر الذى
لم تعهده الحوزة ولم يعهده المواطن البسيط الذى أصبح قاعدة انطلاق لمشروع الصدر .
إن تجربة الصدر أثبتت ان الشعب العراقي يختزن الاستجابة للعمل الذى
يسير فى الاتجاه الصحيح بقيادة صحيحة.
ان الدور العملي الميداني الاجتماعي التجديدي للصدر ميز مشروعه التغيري
وطبعه بطابع الصدق والواقعية الاجتماعية وهذا الأمر الذى أخاف منه المشروع الموازى
لمشروع الصدر .
0 تعليقات