محمود جابر
مع حلول برد الشتاء، واستمرار الصقيع فى ربوع العراق، انقطعت الكهرباء كالعادة،
وبدأ الحديث عن أسباب انقطاع الكهرباء فى العراق، وكان الجواب هو عدم تزويد إيران
العراق بالغاز المخصص لتشغيل محطات التوليد، وهنا كثرت الأسئلة وتعددت الإجابات،
ولكن السؤال الأهم فى كل هذا الخصوص ما مصير الاتفاق الذى وقعته العراق والأردن
ومصر، وهل ستظل العراق الطرف الأضعف الذى يبدد ثروته البترولية دون أن يحصل الشعب
العراقى على أى مكاسب حياتيه ومعيشيه ويحرم من الكهرباء وهو يحتل المرتبة الثالثة
فى الدول المنتجة للبترول فى المنطقة برصيد (143 مليار برميل) بعد السعودية وإيران
؟!!
الجواب هو مشروع الشام الجديد ...
وهنا يتعاد السؤال ما هو مشروع الشام الجديد؟
هو اسم مشروع تعاون عربي يضم الأردن والعراق ومصر، يقوم على أساس
التفاهمات الاقتصاديّة والسياسيّة بين هذه البلدان الواقعة في قلب الشرق الأوسط.
تم إطلاقه بصيغته الحاليّة في أيلول/ سبتمبر 2020 بعد سلسلة من الاجتماعات بين
قادة الأطراف الثلاثة.
وفى الشهر السادس من العام الماضى التقى الرئيس السيسى والعاهل
الاردنى ومصطفى الكاظمى فى بغداد وتم توقيع عدد كبير من الاتفاقيات لتنشيط ما يعرف
بالشام الجديد، وكان أهم هذه الاتفاقات وما يخص الجانب العراقى هو نقل مليون برميل
نفط عراقى يوميا عبر مدينة البصرة الى مدينة حديثة ومنها الى ميناء العقبة
الاردنى، فى الأردن سيتم تكرير جزء من هذا النفط لاستخراج الغاز وربطه بخط الغاز
العربى مرورا الى مصر مما يسمح بتصديره الى آوربا، وعودة جزء منه الى العراق.
وقع العراق اتفاق الإطار مع الأردن لمد هذا الخط ونقل الخام من
البصرة إلى العقبة، كانت تكلفت المشروع حوالى 5 مليارات دولار كان ذلك فى 2013،
غير ان المعارضين للمشروع حاولوا عرقلته بكل قوة، وبدأ سلسلة من التدخلات
والعمولات حتى وصلت تكلفت مشروع الربط من 6 مليارات دولار الى 18 مليار فى حكومة
حيدر العبادى، وبذلك تم عرقلة المشروع بطريق غير مباشر مما أدى إلى استحالة تنفيذه
.
بعد وصول مصطفى الكاظمى بدأ مراجعة المشروع مرة أخرى، ومراجع
التكلفة الحقيقية له وبعد تعديل فى مسار الخط وتجاوز السمسرة بدأ المشروع ناجحا،
وهنا ظهرت تكتلات أخرى من جماعات برلمانية واحزاب موالية لدول الجوار – تركيا- إيران-
فى محاولات مستميتة لعرقلة المشروع مرة أخرى.
بيد أن الدراسة الجديدة للخط البصرة جرى تعيدله وسيكون مسارها
الجديد هو من حقول نفط البصرة ، الى مدينة النجف الأشراف ثم حديثة ، طاقة هذه
المرحلة 2.25 مليون برميل يوميا، وستتولى الحكومة العراقية تنفيذها بالكامل.. أما
المرحلة الثانية فهي تمر عبر محافظة الأنبار العراقية إلى ميناء العقبة الأردني
على البحر الأحمر، ليلتقي بخط البترول العربي، بطاقة مليون برميل يوميا.. يبلغ
أجمالي طول الخط 1665 كيلومترا، مزود بمحطات للضخ، ويتضمن المشروع مد خط أنابيب
آخر طاقته التصميمية 358 مليون متر مكعب يوميا من الغاز الطبيعي، منها 100 مليون
متر مكعب يوميا لتغذية محطات إنتاج الكهرباء في الأردن.. هذا الخط نتاج تطوير
استثمارات الغاز الحر في حقلي عكاز وراوة أكبر حقول النفط بمنطقة الأنبار شمال غرب
العراق.. وقد أمكن مراجعة التكلفة التقديرية الخاصة بالمشروع وتخفيضها الى نحو 7
مليارات دولار.
وكما سبق وقلنا ان العراق يعتبر ثالث منتج للبترول بعد السعودية
وايران ومع هذا يعانى العراق من فقر بالغ نتيجة سوء إدارة قطاع النفط وغلبة
السمسرة والسرقة عن طريق انتاج كميات تفوق قدرت خطوط النقل وموانىء التصدير، وكذلك
تدمير مصافى البترول مما يدعل العراق مضطرا الى استيراد احتياجاته من المشتقات
النفطية من الخارج باسعار تفوق سعر الخام مرات، وكذلك استخدام تقنيات قديمة فى
استخراج الخام مما يجعل الشركات العاملة فى الاستخراج تحرق كميات غاز تفوق
احتياجات العراق من الغاز !!
الموانئ وخطوط النقل :
ففى 2010 منح العراق عقود تنقيب لشركات بترول يضمن من خلال هذه
العقود استلام 12 مليون برميل خام يوميا، ولكن لعوار فى صيغة العقد، وبدلا من يكون
الاستلام من منافذ التصدير كان نص العقد هو استلام الخام من مناطق الاستخراج (
الابار)، وبمراجعة الطاقة الاستيعابية لميناء البصرة نجد ان ميناء البصرة لا
يستوعب الا ما يزيد عن 4 مليون برميل ونص يوميا، وبذلك يكون الفاقد من التصدير
اليومى يتجاوز ثلثى الإنتاج يتم تهريبهم خارج الحدود عن طريق متنفذين داخل دوائر
السلطة والأحزاب .
وبالنظر الى خط الشمال كركوك ميناء جيهان التركى، فإن الطاقة
الاستعابية للخط تقدر بحوالى 1.6 مليون برميل يوميا، بيد أن الكمية الفعلية التى
تصل الى الجانب التركى لا تزيد عن نصف مليون برميل، والباقى يتم أيضا تهريبه عن
طريق نفس الجماعات الحكومية والحزبية المتنفذة .
حرق الغاز :
يخسر العراق سنويا ما يزيد عن 5 مليارات دولار سنوياً نتيجة إحراق
الغاز المصاحب في حقول النفط، ومع تكرار هذا السلوك اليومى رغم حاجة العراق للغاز
فإن هذا الفعل من جانب الشركات المستخرجة وسكوت المسئولين عن تضرر العراق اقتصاديا
نتيجة جسارة هذه الكميات من الغاز اضافة لحجم التلوث الناتج عن حرق هذه الكميات فى
سماء العراق الذى يعانى من نقص فى كميات الماء يعر العراق لمخاطر جمة بيئة وصحية
واقتصادية.
مصافى البترول
ان عملية التدمير المنظم لمعامل التكرير النفطية، فرض على العراق
استيراد ما يتجاوز 40 مليار مشتقات نفطية سنويا، هذا بالإضافة الى ثمن نقل هذه
المشتقات التى تتم عن طريق حيتان النقل المتنفذين من الاحزاب والقوى السياسية
العراقية، هذه العصابة المتنفذة تسير فى خط إفقار العراق وتجريده من كل قوته
المادية وقلب كل ميزة يمتلكها العراق وجعلها مادة للإفقار والفقر والعوز
مصر ومشروع الشام الجديد
من هنا سعت مصر فى اطار محاولة استعادة العراق لدورها فى المنطقة
ورغبة مصر فى ان تكون منطقة لوجستية لتصدير النفط والغاز فقامت بعمل برتوكول او
مشروع الشام الجديد والذى يضم الاردن كمنطقة نقل وسيطة والعراق كمنطقة انتاج ومصر
كمنطقة تسويق وتصدير مشروع «الشام الجديد» الإستراتيجي الذى يتم في إطاره مد خط
نقل النفط العراقي من البصرة الى العقبة، وربطه بخط الغاز العربي حتى يتسنى تصديره
لأوروبا عبر منصات الشحن المصرية.
النفط العراقي سيتدفق إلى الأردن ومصر بأسعار تفضيلية، وخصومات تصل
إلى 16 دولارا للبرميل الواحد من السعر المتداول، فيما يستورد العراق الكهرباء من
مصر والأردن، ويعمل على استقطاب الاستثمارات من أجل إعادة الإعمار، إضافة إلى
إنشاء مناطق صناعية كبرى، وتوفير أكثر من ألف فرصة عمل لخدمة خط الغاز..
هذا الخط يستهدف زيادة قدرة العراق التصديرية من النفط إلى الأسواق
العالمية من مليون برميل إلى حوالى 7 مليون برميل يوميا عام 2025..
الدور الصينى فى مشروع الشام الجديد:
وفق هذا المشروع قامت الحكومة العراقية بتشكيل شراكة دولية بقيادة
أحد الشركات الصينية والتى ستقوم بمد ابنوب النقل الجديد وتشغيله وفق نظام (B.O.T) لفترة تتراوح بين 15 الى 20 عاما ثم تؤول
ملكية الخط للعراق والأردن، حيث ان الخط العربي تابع بكامله لمصر.. العمل في الخط
قد يبدأ منتصف 2022 ولن يستغرق طويلاً، لأن معظم المرحلة الأولى داخل العراق ستكون
استكمالات، لأن قطاعات طويلة منه مشيدة بالفعل، كما ان الخط العربي موجود فعلا بين
الأردن ومصر ويصل الى لبنان عبر الأراضي السورية، ما سيجعل من عمليات التشييد مجرد
توصيلات فنية وأعمال إحلال وتجديد وصيانة لن تتطلب طويلاً من الوقت.
هذا المشروع يواجهة صراعا دوليا وإقليميا كبيرا، و يوجه ضربة قاصمة
لمخططات الإيران في السيطرة على العراق، من خلال اعتماد العراق على ايران فى سد
احتياجها من الوقود والغاز والكهرباء، كما يجهض محاولات تركيا لربط مصالح العراق
التصديرية بها، عن طريق احتكار تصدير انتاج نفط كركوك، مما يقيد ردود فعله تجاه
تجاوزاتها بالمنطقة الشمالية من بلاده.
كما يسدد ضربات لامريكا عبر التعاقد مع شركات صينية تعمل فى حقل
النفط العراقى.
مصر تخوض حرب الغاز وهي تدرك جيدا انها أحد الأدوات الفاعلة
القادرة على تحقيق نقلة نوعية، تحولها الى مركز لوجستي للغاز والنفط بمنطقة الشرق
الأوسط وحوض البحر الأبيض وأوروبا، كما انها تسعى من خلالها الي تحقيق التعاون في
تنمية القدرات الذاتية واستثمار الثروات المتاحة لدول المنطقة في إعادة الإعمار،
وبناء ما دمرته الحرب.. والأهم، إعادة تشكيل توازنات القوى وتوزيع التكتلات
السياسية، على نحو يعيد الاستقرار للمنطقة .
وأقرأ أيضا :
الحديث عن الشيعة – الرجال – الدراية)
0 تعليقات