حمدى عبد العزيز
31 يناير 2022
نأتي إلي معالم الحل الإسلامي كما يقدمه كتاب (الإسلام هو الحل )
الذي طبعه خالد الزعفراني في المطبعة التي كان يملكها بالإسكندرية (أو التي كانت
تملكها الجماعة).
، بغض النظر عن ملابسات إعداد مادته للطباعة والنشر والجهة
التنظيمية الحقيقية التي وضعت مادته وأمرت بإعداده وطبعه ونشره علي هذا النحو ..
لنبدأ أولاً بهذه الفقرة الكاشفة لقناعات قد تشكلت عبر استنساخ مجتمعات بدوية كانت
لها ظروفها المختلفة تماماً عما تعيشه البشرية منذ عبورها للقرون الوسطي وحتى الآن
..
يقول الكتاب في ص 40 :
((فالحل الإسلامي ـ في نظر الكثيرين ـ يتمثل في قطع يد السارق ،
وجلد الزاني ، أو رجمه ، وجلد السكيرين ، والقصاص من القتلة ، وتطبيق أحكام
الشريعة في إقامة الحدود فقط ، أو في سائر شئون المعاملات أيضًا..
ولاريب أن هذه الأحكام أو القوانين جزء أصيل من الحل الإسلامي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لابد منه ، ولاغني عنه ، يكفر من جحده ، ويفسق من أهمله ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولكنها ـ مع ذلك ليست كل الحل الإسلامي ))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مع ملاحظة أن الخطوط ماتحت العبارات هي من عند كاتب الدراسة ..
سنفهم إذن أنه لاتنازل ولاتوقيف، ولا إرجاء لقطع يد السارق أو رجم
الزانية وجلد الزاني أو ما إلي غير ذلك من تطبيق للحدود إرتبط بشروط وظروف مكانية
وزمانية وطبيعة مجتمعية معينة وليس في المطلق كما يريد مقدم الكتاب أو تلك العمائم
التي وقفت خلف كتابتة ووقفت ولازالت تقف وتتمترس خلف هذا السياق الفكري بدليل
إيقاف عمر بن الخطاب لتطبيق هذه الحدود لتغير الظروف ولتعذر الشروط ، فضلاً عن
أنها قد تعذر تطبيقها لفترات وسنوات في ظل بعض دول وسلطات الخلافة الإسلامية ،
ناهيك عن انكشاف كارثة التطبيق الإنتقائي لتلك الحدود والتي شهدها أسلافنا
وشاهدناها نحن في عديد من الدول التي طبقت ما أسمته هي (الشريعة الإسلامية) ..
ماعلينا فما يقصده كتاب (الإسلام هو الحل) أن هذه الحدود هي أساس
الحل الإسلامي ، ولن يتم تطبيق الحل الإسلامي بدون تطبيق هذه الحدود ..
قد لاندري ونحن نقرأ ..
أهذا حل أم كارثة مطلوب أن تحل بالشعب الذي يريدون حكمه .
، ناهيك أنهم عندما يتمكنون نهائياً من السلطة والدولة فدائماً
مايقولون (هذا حكم الله .. أفحكم الجاهلية تبغون) وطبعاً لن تكون الجاهلية هنا هي
جاهلية قريش، بل جاهليتنا نحن الذين لايرون أي قدسية لأية سلطة تزعم أنها تحكم
باسم الله وأنها أمتلكت توكيلاً عاماً للتصرف وفقما تشاء في البشر دونما أن يكون
هناك حق لإبداء الرأي أو المعارضة لأن ذلك سيعد كفراً وفسوقاً يستحق ما يستحقه
الكفر والفسوق في مجتمع "السلف الصالح" أو "الفرقة الناجية"
أو "الطائفة المنصورة" ..
، وحيث لامكان في المجتمع إلا للطائفة المنصورة ، ولامكان هنا
لاطوائف سواها ، ولامذاهب ، ولا عقائد سوي عقيدتها التي هي عقيدة كل جماعات
الفاشية المتأسلمة علي تنوعاتها المختلفة .
لامجال هنا إذن لمبدأ المواطنة ، ولامجال بالتالي لتنوع الثقافات
،بل لامجال للتنوع الإنساني بشكل عام ..
هم يريدون كارثة لا وطن حينما يرددون كما يردد كتابهم هذا مايلي ..
(( معني "الحل الإسلامي" أن تكون عقيدة المجتمع إسلامية
، وشعاراته إسلامية ، ومفاهميه ، وأفكاره إسلامية ، ومشاعره اسلامية ))
يقولون في حلهم الإسلامي المزعوم
في التعليم والثقافة (ص 45 )
(( وضع نظام ثقافي إسلامي بحيث يكون عقلية إسلامية موحدة للأمة ،
ويصبغ التعليم في جميع مراحله بالصبغة الإسلامية ، ويحدث وعي إسلامي عام ويقف أمام
الأنظمة الثقافية المستوردة))
لاحديث هنا في التعليم عن معالجة ظاهرة الدروس الخصوصية مثلاً ،
ولا عن تكدس الفصول ، ولاعن تطوير المعامل والبحث العلمي ، ولا عن الصحة المدرسية
، ولا عن تطوير الهياكل التعليمية من إنشاء مبان لمدارس وجامعات حديثة ، ولا عن
تطوير مناهج العلوم ، ولا شئ من هذا القبيل ، ولاعن إحلال ثقافة الفهم والتدبر
والتفكير والاجتهاد العقلي والإبداع والابتكار محل ثقافة التلقي الأصم والحفظ
الأعمي والنقل المغيب للوعي ..
لاشئ عن الثقافة والإبداع ولا عن دور الدولة والمؤسسات التابعة لها
في دعم المبدعين ، وضمان مناخ من التسامح الفكري وحرية الإبداع والاعتقاد والاجتهاد
في إطار من الحريات العامة التي تضمنها ثقافة المواطنة ... لاشئ من هذا القبيل ..
إذن هذا هو التعليم من وجهة نظر (الإسلام هو الحل) ، وهذه هي
الثقافة بالنسبة إلي من وضعوا هذا الكتاب ك"مانفستو" سياسي وإجتماعي
وثقافي للحركات المتأسلمة في مصر ..
تعليم لايضع في حساباته حق المواطنة لغير من هم علي مذهب أهل السنة
والجماعة بل يسقطها عن غيرهم في ظل أنه لامظلة إلامظلة حكم الطائفة المنصورة .
، تعليم وثقافة لا يضع في حساباته الإتصال المعرفي بالمنجز الحضاري
العام للإنسانية ، وثقافة تخاصم العصر الذي نعيش وتعطيه ظهرها ،لتدخل بنا إلي كهوف
وصحراوات ماقبل القرون الوسطي ..
إنه تعليم وثقافة قندهار وجبال تورا بورا ، وجلال آباد (علي أفضل
تقدير) في آواخر القرن العشرين وفي مقدم الألفية الثالثة !!
ـ ففي الناحية الإجتماعية ص 46 .. نرتطم بحاكمية (( منع الإختلاط
المثير بين الجنسين))
ـ وفي الناحية الاقتصادية ص 47 .. ((الإسلام عبادة مالية هي
"الزكاة" وأحد الموبقات السبعة كبيرة ومادية هي "الربا")) ثم
ماذا بعد ذلك ؟
ثم مجموعة من الشعارات العامة التي لاتليق بوضع أي خطوط عامة أو
ملامح لأي حل اقتصادي يجب أن ينص علي سياسات محددة وآليات لتنفيذها ..
وتبلغ الكارثة ذروتها الكبري حين نصل إلي آخر بنود حلهم الإسلامي
المزعوم ..
وذلك هو البند الخاص ب"الناحية العسكرية" ..
والغريب هنا أنه لايوجد استخدام لكلمة (جيش) باعتباره (جيش الدولة
المصرية) فالحديث هنا عن العسكرية دونما ملامح وطنية تحدد الالتزام الوطني لهذه
"العسكرية" ..
فهم يرون حسب (الإسلام هو الحل) ..
1- إعداد أقصي قوة حربية ..
2- خطه جادة متكاملة بالتعاون مع (مكانة المسلمين المخلصين - الاستفتاء
نهائيًا عن استيراد العتاد والسلاح) !!!!
3- إشاعة روح (الجهاد) في الأمة
ثم بوضوح تام يفسر ماسبق ويصل به إلي الذروة الكارثية :
((وأخيرًا - وهذا أهم من كل ماسبق - ربط الجهاد بالعقيدة الإسلامية
كما فسر ذلك رسولنا"من قاتل لتكون كلمة الله العليا فهو في سبيل الله)) (ص49)
إذن لن يكون هناك في - ظل حلهم الإسلامي المزعوم - جيش دولة وطنية
يحارب من أجل حماية حدود ووحدة أراضيها ، وإنما ستكون هناك عسكرة عقائدية تحارب من
أجل المذهب والديانة والطائفة سواء في الداخل أو الخارج ..
وستكون المعارك والحروب طائفية ومذهبية والأعداء لن يكونوا أعداء
الوطن بل سيكونوا أعداء الإسلام (إسلامهم هم بمدلولاته المذهبية والطائفية
والعقيدية المرتبطة برؤيتهم هم ، ومصالحهم هم)
.. أي كارثة هذه ؟؟
ثم ينتهي هذا القسم من الكتاب المانفستو (الإسلام هو الحل) بمجموعة
محددات للحل الذي يتحدثون عنه وهي :
أولاً / استبعاد فكرة فصل الدين عن الدولة والعودة إلي أنظمة
الدولة الإسلامية (الإمامة ثم الخلافة)
ثانياً/ ((لانفصل السياسة في الإسلام عن العقيدة ولاعن الشريعة
ولاعن الأخلاق))
(ص 50)
ثالثاً/ وضع دستور إسلامي يحدد نظام الحكم ، وهنا نأتي للهدف
النهائي من إصدار هذا الكتاب ومن مربط الفرس الذي أرادته العمائم
وهو الدستور المفترض أن يتم تطبيقه في مشروع أي سلطة (إسلامية)
قادمة أو أي دولة مزمعة طبقاً لنموذج الدستور الصادر من المجلس الإسلامي العالمي
المنعقد في إسلام آباد 10 ديسمبر 1983 وهو الذي يمثل القسم الثاني والرئيسي من متن
كتاب (الإسلام هو الحل) .
يحدد الكتاب ملامح السياسة الخارجية في الحل الإسلامي (إسلامهم هم)
بأنها تقوم علي أسس أهمها :
أ ـ (اعتبار المسلمين حيثما كانوا أمة واحدة ) ص 51
وطبقاً لتلك الرؤية فالمقصود هنا اعتبار الأمة هي أمة المسلمين
أينما كانوا وبالتالي فأن حقوق المسلم الأندونيسي في مصر هي نفس حقوق المواطن
المسلم أما المواطن المصري المسيحي الديانة فحقوقه هنا ستكون تالية لحقوق
الأندونيسي أو الغيني أو الأذيربجاني أو الشيشاني أو ماشابه ذلك طالما كان مسلماً
بينما يكون المصري غير المسلم (وربما غير السني المذهب) من الأغيار الذين تأتي
حقوقهم في مرتبة ثانوية بالنسبة للمسلم حتي ولو كان مواطناً في بلاد الواق الواق .
ولذلك تم التأكيد في (ب) علي أنه ((يجب حماية جميع أقطار المسلمين
ولها حق الحماية والنصرة ))
وهذا يذكرنا بالضبط بهتاف الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي حينما
ردد هتافه المشهور في جموعه المحتشدة "لبيك سوريه" وأمر بفتح باب التطوع
لصفوف عصابات الإرهاب الديني في سوريه (النصرة وجند الشام ، وداعش فيما بعد) ..
ثم فتح سيناء كنقطة تمركز وتدرب وكمسرح لعمليات تلك العصابات التي
دخلت إليها في عهده من مناطق وبلاد شتي ..
كل ذلك في ظل أن الرابط الأساسي للأمة هو الرابط المذهبي وليس رابط
المواطنة ، وأن مصالح (الأمة الإسلامية) تجب مصالح (الأمة المصرية)
ثم يطرح الكتاب أول شروط هذا الحل وهي :
1- ضرورة الدولة المسلمة ، وحاجة الإسلام إلي دولة (ص55)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ بمايعني إقصاء كل مظاهر المدنية عن الدولة وإصباغها بالصبغة
المذهبية الدينية ..
بل أن هناك وظيفة جديدة للدولة ستتمثل في :
((فالصلوات الخمس: لابد أن "تشرف" الدولة علي "حسن
آدائها" فتنشئ المسجد ، وتنصب الإمام ، و"تراقب" إقامة الفريضة ،
وترغب في إقامة هذه الصلوات ، و"تؤدب" المستهترين بهذه الفريضة ))
(ص 56)
2- الإستمداد من مصادر الإسلام (ص 57)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ ذلك بمعني أن يكون إسلامهم (إسلام الطائفة المنصورة) هو مصدر
شرعية أي إلهام أو فكر أو علم أو عمل ..
3 ـ لابد من عنوان الإسلام (ص58)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ بمعني أن توضع عناوين تنتمي إلي ماتسمي بعهود السلف الصالح ودول
الخلافة علي كل شئ ينبغي أن يكون له عنوان أو شعار أو لافتة أو ماركة مسجلة ، وإن
تتم إزالة أية عناوين أو اسماء تخالف ذلك ..
4- أن يكون الإسلام هو غاية (ص59)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معني أن يكون الهدف من أي عمل ومنتهاه هو خدمة المذهب والطائفة
لاغير ، وليس خدمة الوطن أو المواطن أو حتي الإنسان بعكس مانعرف جميعنا أن جميع
الديانات قد وجدت لخير وسعادة الإنسان ولقيم الحق والإنصاف العمومي .
5- الإسلام شامل لايقبل التجزئة (60)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي أن حلهم الإسلامي المزعوم لابد وأن يطبق مرة واحدة ككل لايقبل
التجزئة ولا إرجاء جزء وتقديم جزء .. بمعني أنه لاترحيل في التطبيق ولاتأخير أو
تأجيل لأي جزء من أجزاء هذا الدستور
وأخيرًا يصل الكتاب إلي الموقف مما أسماه تبجحاً ب(الأقليات الغير
مسلمة) ويخصص له جزءاً تحت عنوان رئيسي هو
((الحل الإسلامي والأقليات غير ____________________________
المسلمة)) ص79
____________________
ومن الواضح تماماً أن هذا الفصل مخصص للإجهاز علي أي ظن حسن قد
يفترض أن هؤلاء الفاشست المتأسلمين قد يغضون النظر الطائفي ولو قليلاً ليسمحوا
بالتعامل علي أساس قيم المواطنة مع تنوعات مذهبية أو عقائدية طبيعية تحت سقف الوطن
..
الموقف محدد هنا وهو بعبارات مثل "الرسول أوصانا خيراً
بالأقباط" ، "طعام أهل الكتاب ونسائهم حل لنا" ، أو ما إلي ذلك إلي
أن ينتهي بفرض مبدأ الجزية علي "غير المسلمين" مع تقديم برهان الرحمة
والتسامح المتمثل في إعفاء الأعمي والمريض المزمن ، والرجل العاجز، والشيخ الكبير
من الجزية !! ثم
((ولاتضرب الجزية علي نساء أهل الكتاب ، ولاصبيانهم حتي يبلغوا))
!!!!!!
(ص81) ..
أهذا حل إسلامي إذن أم كارثة مدمرة لكل معاني المواطنة والحقوق
الإنسانية ، فضلاً عن تفجير الوطن من داخله بمثل هذه التروهات ؟؟
وبعد ان انتهينا من قراءة لديباجة الدستور المفترض لننتقل إذن لبيت
القصيد الذي طبع من أجله هذا الكتاب ..
إلي الجزء الذي يدل علي أن هذا الكتاب قد صدر كتكليف معمم وكدليل
عمل موحد تعمل من أجله كل جماعات وعصابات التأسلم السياسي في بلدان العالم ..
إلي النموذج المعمم للدستور الإسلامي الذي أقره المجلس الإسلامي
العالمي في 10 ديسمبر 1983 كفريضة واجبة التحقيق علي كل هذه الجماعات والتيارات
والتنظيمات بعمائمها ودعاتها ومسلحيها وزعاماتها السياسية ..
وهذا سيكون موضوع المنشور القادم
إن سمح الأجل
ــــــــــــــ
0 تعليقات