علي المؤمن
إن من الخطأ المنهجي والواقعي والديني والإنساني أن نضع أي شعب
مسلم أو طائفة مسلمة في خانة التحالف مع الصهاينة أو اليهود، أو في خانة المتآمرين
على المسلمين، ومثال ذلك ما يتداوله الخطاب الديني الوهابي من اتهام للشيعة، أو ما
يتداوله الخطاب القومي العربي من اتهام للإيرانيين.
ولعل حل هذه المفارقة يكمن
في فهم عمق المعادلة الطائفية التاريخية التي قلبت النظرة تجاه الفرس؛ فيوم كان
الفرس يتبعون المدرسة السنَية، وكانوا يحكمون البلاط العباسي ويؤسسون المذاهب
والفرق السنية ويؤلفون كتب الحديث السنية؛ فإن العرب كانوا يعتبرونهم أساتذتهم
وأئمتهم وأشقاءهم وأحبتهم، ولكن عندما تحوّل الفرس الى التشيع؛ فإن الدعاية
الطائفية أصبحت تصف الفرس بحلفاء اليهود.
وهنا يكمن سر هذا الاتهام؛
فالسر لا علاقة له بالعداء للفرس والإيرانيين، لأن السنة لايكرهون الفرس، لأن
الفرس من الناحية التاريخية هم قوام بناء المذاهب السنية، ولايمكن للإنسان أن يكره
نفسه، لكن العداء هو للشيعة، والعداء للفارسي عندما أصبح شيعياّ، أي أن المستهدَف
في الاتهامات ليس الإيراني أو الفارسي بصفته القومية، بل المستهدف هو الإيراني
الشيعي بصفته المذهبية.
ولنحوِّل المفارقة باتجاه تركيا التي يعدّها الإسلاميون العرب
أنموذجاً يحتذى به في عملية أسلمة الدولة والحكومة، ويعدّها القوميون العرب
نصيرتهم في قضاياهم، بينما تتمسك تركيا بتحالفات إستراتيجية معلنة مع الصهاينة وإسرائيل
في المجالات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية والثقافية والسياحية، بل
تتباهى بها، وتعدها خياراّ إستراتيجيا، ولكن لم نسمع يوماً من الإعلام العربي
والحكومات العربية والجماعات الإسلامية السنية، أي استنكار وحملات إعلامية وسياسية
ضد تركيا أو ومقاطعة لحكومتها، بسبب تحالفها مع إسرائيل، كما لم نسمع منهم
اعتراضاّ على رئيس جمهورية تركيا ورئيس وزرائها، وهما إسلاميان سنيان، حينما
يعانقان بحرارة بالغة المسؤولين الإسرائيليين في كل المناسبات والزيارات
المتبادلة. لماذا ؟! لأن تركيا دولة سنية وحكومتها حكومة سنية، بل لأن الحزب الذي
يحكمها حزب إسلامي سني.
ولكن؛ ماذا لو تحوًلت تركيا يوماً ما الى دولة شيعية معادية
لإسرائيل والصهيونية؟، لاشك أن المخيال الطائفي العربي والإسلامي السني، سيقوم
بتحويل الأتراك تلقائياّ الى أعداء للعرب والى حلفاء لليهود والصهاينة، وإن كانوا
أشد المعادين لهم.
ولنتخيل أيضاّ أن إيران هي دولة سنية، وفيها جامعة دينية علمية
كبرى تروج للمذاهب السنية وتنشرها في العالم، ولديها قوات مسلحة تدافع عن السنة
بخلفية طائفية، وكانت على علاقة إستراتيجية بالكيان الإسرائيلي؛ حينها كيف ستكون
نظرة العرب والسنة لإيران وللفرس؟! ليس عندي أدنى شك بأنهم سيجعلون من ايران
قبلتهم وملاذهم وقائدتهم، وسيسبحون يومياّ بتطور الفرس وتقدمهم، وسيدافعون عنهم
باستماتة. وبالتالي؛ فإن مشكلة العرب والسنة ليست مع نفوذ ايران وتقدمها العلمي
والتكنولوجي والعسكري ومع تدخلاتها في الدول العربية، كما يزعمون، بل مشكلتهم مع
ايران لأنها شيعية، ولأن نفوذها الإقليمي يصب تلقائياّ لمصلحة شيعة المنطقة، حتى
وإن لم تتدخل.
ولنعود الى الواقع، ونتصور أن أنظمة إيران أو العراق أو سوريا أو
لبنان أو أي نظام آخر يشارك الشيعة في حكمه؛ قد قام بإجراء اتصالات مع الكيان
الإسرائيلي، لا أكثر، وليس إقامة علاقات دبلوماسية أو حلف أمني أو تعاون ثقافي؛
فماذا ستفعل حينها الدعاية الطائفية؟! وماذا ستقول؟!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
0 تعليقات