محمود جابر
بينما كنت أقرأ الجزء السادس من دراسة على المؤمن المعنونة بـ العلمانية
قاعدة الاحتلال الاستعماري الغربي المستدام/ 6، قفز إلى رأسي عدد كبير من مؤلفات
الاسلامويين الخوارج ومن هذه المؤلفات على سبيل المثال لا الحصر، يوسف القرضاوى
" بينات الحل الإسلامي وشبهات العلمانيين والمتغربين"، و سعيد عبد
العظيم " الديمقراطية فى الميزان"، مجدى عبد المجيد الصافورى "
سقوط الدولة العثمانية وأثرها على الدعوة الإسلامية"، على جريشة ومحمد الزيبق
" أساليب الغزو الفكري للعالم الإسلامي".
الكتاب الأول لمنظر الإخوان المسلمين وشيخهم يوسف القرضاوى وهو عنى
عن التعريف، والكتاب صادر عن مكتبة وهبة بالقاهرة 1993 وهو ضمن سلسلة تعرف بـ
حتمية الحل الإسلامي، والكتاب الثاني لسعيد عبد العظيم أحد مؤسسى المدرسة السلفية بالإسكندرية
ولا يحمل تاريخ نشر أو رقم إيداع، والثالث
هو مجدى الصافورى وهو من كتاب جماعة الاخوان المسلمين فى مصر والكتاب صادر عن دا
الصحوة 1990، والكتاب الأخير لمرشد الجماعة السرى نهاية عصر جمال عبد الناصر وهو
على جريشة والكتاب صادر عن دار الاعتصام الناشر الرسمى لجماعة الإخوان المسلمين،
والكتاب لا يحمل رقما للإيداع ولا تاريخا للنشر.
هذه الكتب الأربعة موجودة فى مكتبتى منذ نشرها واستغرق استخراجها
وقتا طويلا وعبئا يعرفه كل من دخل مكتبى، ولكن، المهم ان على المؤمن يعيد اجترار
ما اجتره التيار الاسلاموى بكل أشكاله وألوانه وتياراته التى قد نراها فى العلن
متعاركه ومتخاصمة ومتحاربة أحيانا أخرى الى حد القتل والتكفير ولكنهم متفقين فى
منهجهم الفكرى وقواعدهم السلوكية وانقساماتهم الانشطارية كقنبلة نووية تنتج
التكفير والتشوية والقتل والخراب سواء من لبس منهم قميصا كلاسيكيا، او عمامة بيضاء
او سوداء أو من كان يلبس بزة أوربية ورباط عنق غربيا.
تطابق النصوص :
ضمن ما قاله على المؤمن فى المقال السادس " والحقيقة؛ إن
الخصوصية المحلية التراكمية للبيئة الأوروبية ودينها المسيحي التلفيقي؛ تجعلان من
غير الممكن نقل تجربة الانقلاب على المسيحية الأوروبية السلطوية الحاكمة، الى
بيئات أخرى، ومنها بلاد العرب والمسلمين؛ فلا البيئة الأوروبية وصيرورتها
التراكمية الاجتماعية والتاريخية تشبه بيئات المسلمين ومسارات تكوينها، ولا
المسيحية الروحية الأوروبية تشبه الدين الإسلامي وعقيدته وتشريعاته المتكاملة، بل
إن الإسلام يختلف جذرياً حتى عن الديانة المسيحية الروحية الأخلاقية الأصلية
نفسها، وليس المسيحية الأوروبية وحسب، لأن دين السيد المسيح يخلو من التفصيل
العقدي ومن التشريع، وهو ما ينسجم مع الواقع الذي ظهرت في إطاره رسالة السيد
المسيح، بل هو الأمر الذي اضطر المبشر "بولس" الى التأسيس للعقيدة
المسيحية بالتدريج، وكتابة أغلب الانجيل بعد عقود على عروج السيد المسيح، كما اضطر
الكهنوت المسيحي الى التحالف مع الإمبراطور الروماني الوثني قسطنطين الأول، لحماية
المسيحيين ونشر المسيحية، مقابل إعلانه قديساً وإمبراطوراً للمسيحيين وللعالم،
ومبشراً بالمسيحية بالسيف والقهر".
وبمثل هذا قال القرضاوى فى كتابه ص 158" وفرق كبير بين الدولة الإسلامية،
أى الدولة التى تقوم على أساس الإسلام، والدولة الدينية التى عرفها الغرب النصرانى
- !!-
وعلة ذلك ان هناك خلطا كبيرا بين ماهو إسلامي وما هو دينى..
فالخطأ كل الخطأ الظن بأن الدولة الإسلامية التى ندعو إليها دولة
دينية !!
وبالنظر لما جاء فى كتاب سعيد عبد العظيم ص 85 يقول :" بماذا
نحكم على من ينادى بالديمقراطية ؟ وقد اتضح لنا ان الإسلام شىء والديمقراطية شىء آخر
وظهر لنا مدى انحرافها عن كتاب الله وسنة رسوله وخطر المناداة بها، فإذا كانت
الكلمة يونانية والمبادئ التى تنطوى تحتها كفرية وثنية والشرك شىء واحد تتفق صوره
فى أنها قصد لعصيان الله فى التوجه والطلب والتشريع والتعظيم والتقديس وهذه معان
متحقق فى كلمة الديمقراطية !!
وأما ما قاله الصافورى فى كتابه ص 307:" كانت الغارة
الاستعمارية الجديدة على العالم الإسلامي أخبث واعنف من موجة الحروب
الصليبية، لقد فرض الاستعمار الحديث
النظام العلماني وإحلاله محل النظام الإسلامي بحكم سلطانه وسيطرته .
إما الكتاب الأخير فيقول على جريشة :" عن تاريخ الإسلام لم يعرف
هذه التفرقة بين الدين والدولة وليس فى أحداثه ما يبررها..
فلئن عرفها الغرب كرد فعل لاضطهاد الكنيسة للعلم والعلماء وافتئاتها
على عقائد الناس وعقولهم حتى سولت لنفسها ان تصدر صكوك الغفران وقرارات الحرمان عن
هوى وتحكم اذا كان ذلك فان شرقنا الاسلامى لم يعرف اضطهاد العلم والعلماء .... بل
حفظ لهم الإسلام وحفظت لهم الامة إكرام مكانة واعز منزلة ... وكيف لا..؟ ومن ثم
فلن يكن هناك محل لا من الناحية الفكرية ولا من الناحية التاريخية لبث فكرة الدين
عن الدولة ... ولكن الأمر كان يدبر بالليل، فالاستعمار عمل بيد خفية لتقويض
الخلافة ببث فكرة فصل الدين عن الدولة ونشر الديمقراطية والعلمانية والقومية، حتى
اقتتل المسلمون تحت قيادة النصارى باسم القومية والتحرر!!
وقد صحب ذلك دعوة خبيثة الى العلمانية، بمعنى فصل الدين عن الدولة .
وبعد هذا الاستعراض نجد ان كل من سبق من هؤلاء اتفق معهم على المؤمن
على ان الإسلام يختلف عن المسيحية فى أن الإسلام ليس فيه استبداد ولا كنيسة ولا
اضطهاد، وانه من غير الممكن نجاح او نقل تجربة التحديث والعلمانية والديمقراطية
لاختلاف البيئة والواقع والتراكم، لهذا فقد قام العرب الاستعماري باستقطاب رواد
لعملية نقل الديمقراطية والعمانية وكان نصف هؤلاء الرواد أو النخب من المسيحيين، وقد
ذكر على المؤمن منهم ستة وهو: أحمد لطفي السيد وقاسم أمين وطه حسين وسلامة موسى وشبلي
شميل وفرح انطوان..
بيد أن المؤمن لم ينتبه ان رفاعة الطهطاوى رائد التحديث والتعليم فى
مصر وهو الشيخ الازهرى كان فى طليعة كل هؤلاء، ومن العجب ان يحذو على المؤمن حذو
خوانه من الاسلامويين فى اتهام طه حسين الذى يعتبر لدى جماعته – الشيعة- واحد من
اهم رواد نصرة الشيعة وهو صاحب الاكتشاف الأول فى ان ابن سبأ شخصية وهمية صنعها
سيف بن عمر!!
ولكن المؤمن
مثله مثل كل الاسلامويين يعشقون السفسطة وقول كل شىء وعكسه، واثبات الفعل ونقيضه، والأكل
على كل الموائد والتنكر للجميع وادعاء التواصل مع الجميع ... ولا عجب فهؤلاء حالهم
أعجب من العجب ...
فهم جميعا
متفقين على معاداة القومية – العربية- على وجه الخصوص، وليس لديهم أى غضاضة فى
اتباع قومية اردوغان أو قومية الخمينى او الخامنئى أو الانقياد تحت مشاريعهم
السياسية القومية، ولكن لديهم مانع نفسى وولائى ان يخدموا بلادهم وأوطانهم،
وجميعهم يرى ان العلمانية قضت على نموذج الحكم الاسلامى، وان المحتل الغربى حاء من
أجل القضاء على هذا النموذج المتميز، وهذه السردية البلهاء اعتقد لا تحتاج لنقاش
او رد لدى كل عاقل يعلم ان المسلمين لم يكونوا بعد نصف قرن من وفاة النبى أمة
واحدة بل يمكن ان نعتبرهم عالما واحد، ولكنه عالم متعارك ومتشابك ومتضارب ومتصارع
ومتقاتل، يحتوى على دول متعددة من أقص الشرق الى أقصى الغرب، بل ان بعض مناطق
الحكم الاسلامى رغم تقاربها كانت متعاركة ومتصارعة ويستعين بعضها على بعض
بالمسيحيين والكافرين كما حدث بين ممالك الشام بعضهم البعض، وبين العثمانيين
والصفويين، أو بين العثمانيين والمماليك فى مصر والشام والأمثلة على ذلك كثيرة ولا
يتسع المجال لذكرها .
يتبع
0 تعليقات