محمود جابر
هناك عوامل عديدة أدت
إلى ظهور البدع والابتداع، حيث ان ظاهرة الابتداع فى الدين تبدأ ساذجة بسيطة، ويتم
التعامل معها بتسامح فى الأدلة المرسلة أو أدلة الآحاد، ثم ما تلبث هذه الظاهرة أن
تتحول – وفق التراكم – من الاستحباب إلى الوجوب.
المتابع لتلك الظاهرة
فى التاريخ الإسلامي نجد أن أصحاب البدع انطلقوا من نوايا حسنة، وأسلوب عفوى،
واندفاع فى الطاعة أو المحبة – سطحي، ثم تتحول مع الوقت الى تشريع يوازى التشريع السماوي
ولها أنصار ومدافعين، فعلى سبيل المثال...
قيام الليل سنة عن
النبى صلى الله عليه وآله وسلم، أوصاه بها الله تعالى (قم الليل إلا قليلا نصفه أو
انقص منه قليلا) وقوله تعالى فى صفة المؤمنين ( والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما )
وكل مؤمن يجب عليه أن يقوم الليل استحبابا عملا بسنة النبي صلى الله عليه وآله،
وما أوصى بهم الأئمة المطهرين فى أحاديثهم المتفق عليها إجماعا بين المسلمين،
ويمكن أن نقوم الليل فى جماعة وإن كان الإجماع أن تكون صلاة فردية على الاحوط وليس
على سبيل الحرمة، أي أننا يمكن ان نصليها فى جماعة استحبابا، ولكن إذا تحول
الاستحباب الى أصل بحيث أن يكون الأصل فيها هو الجماعة هنا يتحول الاستحباب الى
التحريم ...
والشيء بالشىء يذكر، فالذين
يقولون باستحباب الإتيان بالشهادة الثالثة – استحبابا- لا نستطيع أن نشكل عليهم
فيما ذهبوا، ولكن القضية هنا هو أن العوام إجمالا وتفصيلا وشمولا أصبحوا على يقين
بأن الأصل فى الآذان هو بصيغته الاستحبابية وليست الصيغة التشريعية التوفيقية، وان
من يأتي بالآذان بصيغته الأصلية ربما أصبح يعرض نفسه للخطر الاعتداء عليه، وتهديد
حياته...
من هنا نقول قولا
واحدا لا إن هذه الزيادة على حالة أصبحت بدعة لا تقل عن بدعة قيام الليل فى جماعة،
بل إن هذه الزيادة بهذا الشكل الاجماعى والتى وصلت الى حد اليقين لدى العموم أصبحت
فيها حرمة بالغة، ويحضرنى موقف عاينته بنفسى كنت فى زيارة لأحد الدول احضر مؤتمرا
للقرآن الكريم وكان هناك ضيوف من قراء مصر المعروفين، وطلب من احدهم ان يؤذن
للصلاة وسوف يتم نقل الآذان عبر التلفاز فى عموم البلاد، صاحب الطلب كان مسئولا حوزويا
كبيرا وأستاذ بها ذو شان كبير، والقارىء المطلوب منه ان يؤدى الآذان للصلاة قارئ مصري
معروف، ولكنه سنى المذهب وتحصيله العلمى الشرعى بسيط... فسأل الرجل ببساطة :"
هو ينفع أذن للصلاة زى الآذان فى مصر .......... فرد عليه سماحة الأستاذ بشكل قاطع
وصوته يحمل قدرا من الحدة يخفيها عبر ابتسامة يعرفها كل من يتعامل مع هؤلاء، فقال
: أنه لا يجوز وان الآذان فى مصر فيه مخالفة شرعية ...
وبما انى لم أكن طرف
فى الحوار التزمت الصمت، واحترمت المضيف، وبدأ سماحة الأستاذ يلقن فضيلة الشيخ القارئ
كيفية أداء الآذان، ولكن مع التكرار والارتباك لم يستطع القارئ أن يحفظ صيغة الآذان
الجديدة فكان هناك اقتراح ان يكتب الصيغة فى ورقة يضعها فى كفه لان الآذان سيكون
مذاعا عبر التلفاز مباشرة.
أدى الرجل مهمته على أكمل
وجه، ولكن الكارثة هو ما لحق به من أذى بعد عودته الى مصر، وبناء عليه، هل نستطيع
وفق ما أوردناه ان نقول يجوز هنا ان نأتي بالشهادة الثالثة على سبيل الاستحباب؟!
أستاذ الحوزة
والمتأهل للمرجعية قال لا يجوز الصيغة التشريعية، وهل يمكن ان نتصور ان يرفع الآذان
بصيغته التشريعية فى جمعة طهران، هل تتخيل ماذا يمكن ان يفعل جمهور الحاضرين
بالمؤذن؟
هذا الأذى الذى وقع
على فضيلة القارىء من يتحمله ....
هل بعد ذلك يمكن ان
نقول انه مستحب، نعم هو مستحب ان كان الأمر شكلا فرديا أو يفعل بين الحين والأخر،
ولكن ان يصبح الفرع أصلا والأصل محرما ولا يجوز الإتيان به هنا .......... الكلام
مختلف ..............
والسلام .........
يتبع
1 تعليقات
الشهادة الثالثة بدعة
ردحذف