نصر القفاص
كان "عبود باشا"
واحدا من عناوين "زمن الولد الذى حكم مصر"..
وأصبح "الثرثار
باشا" عنوانا بارزا من عناوين "الجمهورية الثانية" التى تحتضر!! ويمكنك
أن ترى "عزيز صدقى" و"ثروت عكاشة" عناوينا بارزة لزمن "الجمهورية
الأولى" التى لم يتوقف قصفها بالكذب والباطل!!
إخفاء المعلومات حدث
بالقانون, لتنفيذ منهج!!
تشويه الحقائق وتزوير
التاريخ, كان لتنفيذ خطة سابقة الإعداد!!
تسطيح الوعى وضرب الذاكرة, قام
بتنفيذه أنصاف مثقفين أنفق عليهم رجال المال!!
قد تندهش إذا علمت أن
"أنور السادات" كان الأمين العام الأول للاتحاد القومي, بعد إعلان قيامه
يوم 28 مايو عام 1957.. واستمر عضوا للمكتب التنفيذي للاتحاد الاشتراكي حتى تولى
السلطة.. وكان "أنور السادات" المسئول المباشر والمقاتل لكى تدخل مصر "حرب
اليمن" كما كان المسئول المباشر والمقاتل.. لكى تذهب مصر إلى الوحدة مع سوريا..
وتفاصيل ذلك كله تحفظه ذاكرة التاريخ ووثائقه التى لا يمكن أن تكذب أو تتجمل.. وكان
رئيسا لمجلس الأمة لسنوات, ثم نائبا لرئيس الجمهورية.. وبعد أن أصبح رئيسا انحنى
أمام تمثال "عبد الناصر" بالطريقة ذاتها التى كتب بها كتابه "يا
ولدى هذا عمك جمال" عام 1956, الذى شهد ولادة زعيم رائع.. والبرهان الحى على
ذلك أنهم يحاربونه بعد رحيله بقسوة وعنف فاق حربهم ضده حيا!!
فى مطلع عام 1956, وتحديدا
يوم 16 يناير.. صدر الدستور الأول للجمهورية الأولى.. ونص هذا الدستور لأول مرة فى
التاريخ على أن "مصر دولة عربية مستقلة ذات سيادة.. وهى جمهورية ديمقراطية.. والشعب
المصرى جزء من الأمة العربية" وكان هذا النص يحمل رقم "1" فى مواد
الدستور.. وحدد الدستور السلطة التشريعية فى مجلس منتخب – مجلس الأمة – وتم إقرار
هذا الدستور بعد الاستفتاء عليه يوم 23 يونيو مع الاستفتاء على رئيس الجمهورية.. ولظروف
حرب 1956 المعروفة باسم "حرب السويس" باعتبارها اندلعت ردا على قرار
تأميم قناة السويس.. تأجلت انتخابات "مجلس الأمة" ليتم إعلان نتائجها
يوم 15 يوليو 1957.. وانعقد المجلس بانتخاب "عبد اللطيف بغدادى" رئيسا.
أهمية خريطة تشكيل مجلس الأمة, أنها
تعكس صورة المجتمع عند هذه اللحظة.. وهى كاشفة لتغيير جذرى حدث خلال خمس سنوات.. فقد
سيطرت "الطبقة الوسطى" على أغلب مقاعد هذا البرلمان.. فقد تم إعلان فوز 16
وزيرا بعضوية المجلس.. وفاز 46 محاميا مع 46 مزارعا بالعضوية.. وفاز ثلاثة من
مستشارى مجلس الدولة مع ثمانية قضاه.. كما فاز 40 عمدة قرية وكذلك 33 ضابطا سابقا
بالجيش مع 20 طبيبا.. وفاز 20 موظفا وأربعة من رجال الأعمال.. وثمانية صحفيين مع
اثنين من المذيعين.. وضم المجلس شيخا واحدا من الأزهر.. كما فاز تسعة من رجال
الصناعة و15 من ملاك الأراضى و14 ضابط بوليس تركوا الخدمة.. إضافة إلى 12 مهندسا
وتسعة من أساتذة الجامعات, وخمسة ممن يشغلون وظيفة شيخ بلد.. وفاز عشرة تجار مع
أربعة مراقبين للحسابات وأربعة صيادلة و4 عمال مع 7 موظفين.. وضم المجلس سيدتين!
خريطة المجتمع مهمة
إن شئنا فهم تطور الصناعة والزراعة والطريق الذى اختارته دولة حصلت على استقلالها
لأول مرة بعد 500 سنة فى ظل حكم مماليك وعثمانيين وانجليز.. ليصبح الذين حرروا
وطنا بأكمله متهمين بضياع سيناء – وهذا حقيقى – فى حرب 67.. وهى هزيمة بكل معنى
الكلمة واعترف بها "عبد الناصر" وأنه المسئول عنها.. لكن هؤلاء لا
يذكرون أن سيناء ضاعت – أيضا – فى حرب 1956 وعادت بعد انتهاء الحرب بأربعة أشهر, بشروط
مصر التى وضعها "عبد الناصر" ودون الذهاب لعقد أى اتفاق أو تفاوض مع
إسرائيل!!
العاملون فى "وظائف
تزوير التاريخ" الدولية والمحلية.. يقلبون كل إنجازات "ثورة 23 يوليو"
إلى هزائم وكوارث.. وليس مستغربا أن يلتقى طرفى "معادلة الحكم" فى زمن "الجمهورية
الثانية" – الإخوان والفساد – على فعل ذلك.. ويتعامون حتى عن تحقيق استقلال
الوطن.. بل نجحوا فى التعتيم على "عيد الجلاء" الذى أدرك الشعب قيمته
ومعناه, فلجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعى لإعادة إحيائه!! ويحاول أولئك تصوير "مجلس
الأمة" الأول على أنه كان خانعا.. خاضعا.. مع أن المضابط فى مكتبة "مجلس
النواب" الحالى حافلة بما كان يشهده من معارك سياسية وحياة.. ويكفينى الإشارة
إلى أن "أبو الفضل الجيزاوى" نائب الجيزة وكان أحد ضباط ثورة يوليو, وقف
داخل المجلس ليعلن بأعلى الصوت اعتراضه على إشراف وزارة الداخلية على السجون
والمعتقلات.. وراح يقدم البيانات عن التجاوزات فى حق المساجين والمعتقلين.. وكانت
جلسة صاخبة تفاصيلها تعكس روح هذا المجتمع.. وفى الوقت نفسه شهد "مجلس الأمة"
جلسة يوم 10 ديسمبر 1957, فتح خلالها النيران على "كمال الدين حسين" وزير
التربية والتعليم – آنذاك – متهما إياه بفرض نظام عسكرى على الجامعات.. ولأن
الهجوم كان كاسحا, خرج وزير التربية والتعليم من الجلسة معلنا تقديم استقالته.. وتراجع
عنها بعد تدخل رئيس الجمهورية!!
مصر التى كانت فخورة بكفاحها
وانتصارها.. مستحيل أن تصمت!!
مصر كانت قادرة على أن تتكلم
وتقاوم.. فرضت إنشاء جريدة "المساء" يوم 7 نوفمبر عام 1956 لحظة تداعيات
قرارات تأميم قناة السويس, وقبل الحرب.. وتولى رئاسة التحرير "خالد محيى
الدين" التى استمرت حتى 12 مارس عام 1959.. وجعلها منبرا للمثقفين واليسار
والليبراليين, وكانت نصف صفحاتها مخصصة للمقالات والرأى.. يرصدون التغيرات التى
يشهدها المجتمع بكل السلبيات قبل الإيجابيات.. وكان "عبد الناصر" حريصا
على قراءتها, ولو انشغل يوما وقرر تأجيل قراءة ما تحمله من مقالات.. يتصل بالأستاذ
"خالد محيى الدين" ونجح فى أن يفرض هذا اللقب ليسبق اسمه – وهو أحد
أعضاء مجلس قيادة الثورة – ليسأله: "الدكاترة عندكم كتبوا إيه النهاردة؟"!!
وكان يقول له أحيانا: "الدكاترة بتوعكم بيقولوا إيه النهاردة؟"!!
ليس خروجا عن مسألة "القطاع
العام" لكن إضاءة على الصورة!!
لأن معركة التصنيع التى خاضتها
مصر, وحققت انتصارات مذهلة.. بدأ إجهاضها بمجرد رفع "رايات الجمهورية الثانية"
التى تولى فى بدايتها "عزيز صدقى" رئاسة الوزراء.. ثم كان إبعاده وشن
حرب على إنجازاته بالكلام, وهدمها بيد "مراهقى الاقتصاد" من "خبراء
الغبرة" الذين يمارسون الهدم على أنه هواية!! وهؤلاء جعلوك تنسى أن "عزيز
صدقى" كان أول وزير صناعة, وضع خطة ومشروع لتصنيع مصر.. واستمر قائدا لمسيرة
وضعت قاعدة صناعية ضخمة أذهلت الدنيا فى نجاحها وتطورها.. بدأت بخطة لثلاث سنوات
تمثل نهاية الخمسينات.. وبعدها الخطة الخمسية التى واكبت منهج التخطيط فى الاقتصاد..
وإذا خضت فى التفاصيل سأضطر إلى نقل عشرات الكتب والدراسات.. وهو ما يجعلنى أخرج
إلى ما يجب إعادة مناقشته داخل دوائر علمية أو سياسية.. إذا كان ما يقال عنه "الحوار
الوطنى" حقيقيا.. وليس تكرارا للحظة إنتهازية سياسية سبق أن أرسى قواعدها "أنور
السادات" حين أراد هدم "الاتحاد الاشتراكى"!! ولجأ إليها "حسنى
مبارك" عندما وجد نفسه فى مأزق.. وفى الحالتين كان لدى كل منهما من يملكون
قدرات فى ممارسة هذا الفن الردىء!!
رؤيتى تفرض العودة
إلى "القطاع العام" الذى قام على نهضة أسسها "طلعت حرب" قبل
الثورة.. كانت بداية هذا المشوار – الإنجاز الضخم – بالتمصير ثم التأميم.. وصولا
إلى قرارات يوليو الاشتراكية عام 1961, عند اكتمال منهج الحكم.. لنشهد أشرس معارك "عبد
الناصر" ضد الشيوعيين وأزهى فترات العلاقة مع "الاتحاد السوفيتى" وهى
مفارقة كان يحكمها أن قائد وزعيم الثورة لم يخف شيئا عن الشعب.. فقد كان يؤمن بأن:
"الشعب هو القائد والمعلم" وذلك جعل الشعب يقف معه منتصرا ومهزوما.. واستمر
الشعب يستخدم صورته مستنجدا!!
قال "عبد الناصر"
للشعب يوم 9 يوليو عام 1970: "لايمكن أن تكون هناك خطة اقتصادية دون هدف
اجتماعى.. وإذا حدث لا يمكن أن تحقق الخطة غير عكس المقصود منها"!! وشرح هذا
بقوله: "الخطة لا يمكن أن تزيد الأغنياء غنى.. ولا تزيد الفقراء فقرا"..
وتحدث عن الغنى بالوراثة والفقر بالوراثة.. وسخر من الذين يقولون بأن الفقراء
يدخلون الجنة, فعرض عليهم نصيبا من الجنة مقابل نصيب للفقراء من الدنيا!! وكان ضمن
قوانين يوليو 1961 الاشتراكية.. القانون رقم 117 الذى قضى بتأميم مائة وتسعة
واربعين شركة.. كما شملت تأميم 17 بنكا مع تأميم 17 شركة تأمين.. وبعده القانون
رقم 118 الذى جعل "القطاع العام" قاطرة التنمية إضافة إلى بقية القوانين
التى جعلت لاقتصاد مصر هوية واضحة المعالم – حقك أن تقبلها أو ترفضها – يجب أن
نعيد طرحها لفهمها.. ودراسة ما حققته.. وكيف تم تدمير هذه الهوية, بتخريب القطاع
العام قبل بيعه! ثم يقولون أن "عبد الناصر" هو السبب!!
غير مقبول أن يشهد
الأعداء لتجربة "عبد الناصر" لأنهم يرفضون "الكذب" وأن يستمر "السفهاء"
فى الهجوم عليه.. لمجرد أنهم يستمتعون بالجهل ويتقاضون أجرا عن الكذب!!
غير مقبول أن يمتد
صمت الذين يعرفون الحقيقة!!
قال "جون بادو"
سفير الولايات المتحدة الحقيقة, فتم التعتيم على مذكراته حتى داخل الجامعة
الأمريكية بالقاهرة, رغم أنه كان رئيسا لها قبل أن يصبح سفيرا.. ثم يتم تمكين "الثرثار
باشا" الذى يسخر من كل قيمة فى مصر, فيذهب إلى اللهو بأن يعمل "دى جى"
فى ملهاه الليلى مع جعل حاملى "دكتوراه السيراميك" فى صدارة مشهد وطن
ومجتمع.. عندما وصلنا إلى المربع رقم "صفر" بأن عدنا لاستيراد الغذاء
والطعام مع السيارات والشيكولاته والبيتزا والعلامات التجارية للمقاهى وأطلقنا
عليها اسم "كافيه"! لمجرد أننا فقدنا الذاكرة تجاه إنجاز تصنيع مصر الذى
بدأ باستثمارات قيمتها 12 مليون جنيه – كان الجنيه يساوى أكثر من ثلاثة دولارات – عام
1956, لنصل فى عام 1965 إلى أن مصر أصبحت تمتلك 750 مصنعا للصناعات الثقيلة
والمتوسطة.. إضافة إلى المئات من المصانع التى تسهم بدورها فى الصناعات الخفيفة.. وكانت
هذه المصانع تعمل 24 ساعة – ثلاثة ورديات – بعد هزيمة 1967 إستعدادا للمعركة.. وتخرج
من هذه المصانع عشرات الآلاف من العمال والفنيين.. وآلاف القيادات والخبراء الذين
أغواهم "القطاع الخاص" برواتب فلكية لكى يبنى بهم "قصور الوهم"
فى زمن "الجمهورية الثانية".. وبعدها ألقى بمعظمهم فى عرض الطريق!!
برحيل "عبد الناصر" كان
القطاع العام ينتج 75 بالمائة من الإنتاج الصناعى.. وكان القطاع الخاص يسهم بنحو 25
بالمائة من جملة الإنتاج.. وكل هذا البناء الصناعى الضخم تحقق بالتعاون مع دول
عربية إلى جانب الاتحاد السوفيتى.. فمصانع الحديد والصلب فى حلوان وصناعة الأسمدة
والكيماويات فى أسوان قامت بالتعاون مع المانيا الغربية.. وصناعة السيارات تأسست
بتعاون مع إيطاليا.. وكان للولايات المتحدة الأمريكية دور فى بناء وتجهيز
التليفزيون وإدارة شركات الفنادق!! وتعاونت فرنسا فى عمليات كهرباء خزان أسوان.. أما
الاتحاد السوفيتى فقام بالشراكة فى بناء وتأسيس كافة الصناعات الثقيلة والسد
العالى.. وكل هذه المشروعات كانت تسدد قيمتها من إنتاجها.. واستمر الجنيه يساوى
أكثر من ثلاثة دولارات.. وحتى انتهت حرب اكتوبر 1973.. لم تتجاوز ديون مصر 2 مليار
جنيه!!
فى "زمن السلام"
تجاوز الإنفاق العسكرى أضعافا مضاعفة مما تم إنفاقه فى "زمن الحرب" ولما
جاءت الحرب الروسية – الأوكرانية عرفنا أنه لا قيمة لكل أسلحة روسيا, دون امتلاكها
زراعة لها كلمتها فى ميزان الاقتصاد العالمى.. إضافة إلى صناعة تحمى ظهر المقاتلين,
إضافة إلى مواد خام فرضت على أعداء روسيا التعامل معها بحذر وخوف شديدين.. وذلك فى
حد ذاته يكشف أن "أنور السادات" أخذ مصر إلى طريق "بسة والخمس"
كما قدمهما "أسامة أنور عكاشة" فى رائعته "ليالى الحلمية" ووصولا
إلى "الثرثار باشا" الذى يؤمن بحرية "حموبيكا" ويفخر بإنجاز "آخر
الزمان" واسمه "محمد رمضان!!..
يتبع
0 تعليقات