آخر الأخبار

الجمهورية الثالثة !! " حانوتية الثقافة"!! ( 21)

  




 

نصر القفاص

 

إختلافى مع ما يسمى "جماعة الإخوان" يقوم على أسباب كثيرة.. ليس أولها نزوعها إلى العنف واستباحة الدم كلما وجدت أنها تقدر على ارتكاب الجرائم.. ولا آخرها انتهازيتها – كفكرة وتنظيم – منذ أسسها هذا "المغامر" – حسن البنا – الذى باع بعض قيادات جماعته لحظة إدراكه خطورة إقدام جماعته على اغتيال "محمود فهمى النقراشى" رئيس الوزراء بمدخل وزارة الداخلية, باعتباره كان يجمع بين المنصبين – رئيس الوزراء ووزير الداخلية – كما كان سائدا فى هذا الزمان.. لكن السبب الأكثر أهمية عندى, هو أنهم احترفوا – بعد أن كانوا هواه – التحالف مع الشيطان لبلوغ غايتهم!!

 

لعبت "جماعة الإخوان" دور الطرف الثانى فى معادلة حكم "الجمهورية الثانية" التى قامت على طرفين دائما.. أحدهما الفساد والثانى الإخوان.. لدرجة أننى أعتقد أن الفساد يحافظ دائما على وجود "الإخوان" وإن لم يجدهم, يبذل جهدا كبيرا لإعادتهم إلى الواجهة.. فى الوقت نفسه سنجد أن "جماعة الإخوان" مستعدة لاختراع الفساد أو استيراده ورعايته, باعتباره الأوكسجين الذى يعيش عليه كليهما.. والراصد الجاد يجد تلك الصورة, التى أعتقد بأنها حقيقة شديدة الوضوح!!

 

رهانى على أن تلك "الجماعة" – الإخوان – لها ماض كله حماقة وغباء.. يقابله خوفى الرهيب من "الفساد" لما يتمتع به من حيل وآلاعيب لا تقل عن "السرطان" فى خطورته.. لذلك أرى أن "الجمهورية الثانية" ما كان لها أن تعيش كل هذا العمر – أكثر من نصف قرن – لو لم تكن "جماعة الإخوان" قائمة على مسرح الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. وقد يفسر ذلك أن "أنور السادات" أعطاهم قبلة حياة, لكى يشاركوه القضاء على "الجمهورية الأولى" بدعم من وراء المحيط وخلف البحر!! وظنى أن "حسنى مبارك" باعتباره الرئيس الثانى فى "الجمهورية الثانية" أدرك كذلك.. فأجاد اللعب معهم وبهم, بقدر ما جعلهم يبدعون فى اللعب معه عبر أجهزته.. حتى تمكنوا منه لحظة اندلاع ما حدث فى "25 يناير" ويسميه الدستور "ثورة" ثم سقطنا فى ممارسة اللعبة ذاتها من جديد عندما حافظت عليهم مرحلة ما بعد "30 يونيو" عبر أولئك الذين نطلق عليهم "السلفيين" وكذلك الذين يمارسون الانتهازية تحت عباءة الدين.. وتصورى هذا جعلنى أرى أن الجلسة الأولى لمولد اسمه "الحوار الوطنى" تم نصبه مؤخرا.. شهدت كلاما مهما قاله اثنين.. أولهما الدكتور "جودة عبد الخالق" وثانيهما الأستاذ "نجاد البرعى" لأن كليهما قال كلاما يعكس وعيا وفهما قائمين على علم ومعرفة بحكم تجربة كل منهما.. وإن اختلفا فى التوجه السياسى جذريا!! فالأول أشار بوضوح إلى مسألة "الإسلام السياسى" بكل ألوان طيفه.. والثانى أكد على أن الحوار لا يجب جرفه بعيدا عن السياسة, باعتبار أن أزمة "الجمهورية الثانية" بكل الذين يمارسون الحكم تحت راياتها.. هى أزمة سياسية بالدرجة الأولى.. والأخيرة!!

 

يعلم الذين يجتهدون بقراءة التاريخ, ويهمهم فهم مراحله وتفاصيلها.. أن "الجمهورية الأولى" إختارت لنفسها طريقا اجتماعيا, وكانت تعلم أهمية الاقتصاد وقيمة السياسة مع ضرورة عسكرية لتحقيقه.. فمع الأيام الأولى لثورة "23 يوليو 1952" تم إعلان "قانون الإصلاح الزراعى" وبعد فترة ذهبت إلى التصنيع وفق رؤيتها.. خاصة وأن رهانها على ما يسمى "المستثمرين" قد انتهى إلى فشل ذريع.. والساقين – الزراعة والصناعة – فقط هما اللذان يقدران على حمل أى دولة ومجتمع على دخول سباقات التنمية والتقدم.. لا يتحقق ذلك دون قدرات عسكرية تحمل ما تحققه الأمة فى طريقها.. كل ذلك يتطلب ساسة يتمتعون بفهم حقيقى وعميق.. وهذا يدفعنى إلى القول بأن أخطر الرؤساء على أى دولة هو "الرئيس الساذج" الذى تبهره أضواء السلطة, بقدر ما تلعب أضواء المدينة برأس القروى الساذج!!

 

كل هذه المعانى شرحها "إريك رولو" الكاتب الصحفى الفرنسى – ثم سفير فرنسا فى تونس – الذى شغل موقع رئيس قسم "الشرق الأوسط" فى جريدة "لوموند" ولنا أن نعرف عنه أن أصله مصرى.. طرده "الولد الذى حكم مصر" قبل شهور قليلة من قيام "ثورة 23 يوليو" وهو "يهودى" الديانة.. يؤمن بأفكار "الشيوعية" ويعتقد فيها بإصرار على أن يكون مستقلا.. جمع تجربته أو قل خلاصتها بين دفتى كتاب "فى كواليس الشرق الأوسط" وهو واحد من الكتب التى تعرضت لتعتيم شديد.. لكن مازال معروضا فى المكتبات, وقد يختفى قريبا إذا التفت له "أراجوزات التنوير" وأبلغوا عنه "حانوتية الثقافة" الذين يرتزقون من مهنة "الدفن" لحماية الوطن!!

 

فى كتابه يحكى "إريك رولو" قصة عودته لزيارة مصر بعد أكثر من عشر سنوات, غابهم عنها قسرا.. حدث ذلك بدعوة من قائد وزعيم مصر – آنذاك – وضمن ما يرويه أن "لطفى الخولى" حمل إليه الدعوة فى "باريس" وأخطره أنها بتكليف من "محمد حسنين هيكل" رئيس تحرير الأهرام.. بغض النظر عن أنه كان "رئيس مجلس الإدارة" فى الوقت نفسه.. لأن منصب "رئيس التحرير" كان أهم.. والأهم منه أن تكون كاتبا مرموقا صاحب تاريخ فى محراب الصحافة.. أصدق أنه وضع شروطا لتلبية الدعوة, فهذا ما يفعله الصحفى الحقيقى.. بعيدا عن "جامعى أعقاب السجائر" داخل "بلاط صاحبة الجلالة" كما شاع وصفها.. وهنا يجب أن أسجل اعتقادى أن مهنة "المحاماة" هى التى تستحق أن تكون "صاحبة الجلالة" وقد سجلت ذلك فى تقديمى لكتاب "من منصة الدفاع" الذى تركه لأجيال قادمة شيخ المحامين "الأستاذ رأفت نوار" قبل أن يغادر دنيانا!!

 

يقول "إريك رولو" أنه فوجىء بقبول كل شروطه.. كان أهمها أن يحتفظ بحقه فى مواجهة "عبد الناصر" بما يراه, وأنه سيطرح عليه أسئلته بوضوح شديد.. ثم يقول أنه فوجىء باستقبال خيالى فى مطار القاهرة الذى أذهله تطوره.. بعدها يكتب تفاصيلا مهمة جدا عن مصر التى كانت.. ومصر التى أصبحت فى الستينات.. ويتوقف عند مفاجأته باستقبال "عبد الناصر" له مع زوجته – مصورة صحفية رافقته كمهنية – ولا يفوته وصف البيت, وهيئة الرئيس وملابسه التى نعرفها جميعا عبر ما شاهدناه – ونشاهده مسجلا – وكل هذا متروك للذين يقرأون!! لكن المهم هو سرده للحظات التى سبقت الحوار الصحفى.. فهو يقول: "سألنى عبد الناصر عن حياتى المهنية, وعن عمل وسائل الإعلام الفرنسية والحريات التى تتمتع بها.. بعدها فاجأنى بسؤال عن حياتى الشخصية.. وكيف هو مسكننا فى باريس؟! وبأى وسيلة تمكنت من شراء الشقة.. بأى معدل فائدة يتضمنها القرض الذى مكننا من شراء الشقة.. وهل ترهقنا الأقساط.. حين قرأ الدهشة على وجهى, بادرنى بالاعتذار عن تطفله!! وفسر ذلك بأنه يحاول أن يعرف إذا ما كان يمكن تزويد المصريين بشقق وفق النظام عندنا, على أن تكون منخفضة التكلفة.. وقال نحن بلد لا يكاد دخل الغالبية العظمى للمواطنين, يكفى حد الكفاف من أسباب المعيشة"!!

 

يضيف "إريك رولو" أنه: "انتقل للحديث عن أصولى وحياتى فى مصر.. ولحظة أن شعرت أننى أمام شخص عادى.. طلب منى أن أطرح أسئلتى.. وكان حديثى معه يفرض اهتمام كافة وسائل الإعلام والصحف فى العالم – بعد نشره – لأنه خصنى بانفراد عن أنه سيفرج عن المعتقلين السياسيين قريبا – حدث ذلك فعلا – ليجعلنى بطلا عندهم, وتفردت بما لم يسبق أن فعله غيرى"!!

 

هكذا كانت "الجمهورية الأولى" من اللحظة الأولى لقيام "ثورة 23 يوليو" وحتى رحيل "عبد الناصر" الذى انشغل جدا بالفقراء من العمال والفلاحين.. قدر انشغاله بالطلبة فى المدارس والجامعات.. لكنهم فرضوا فى "زمن الجمهورية الثانية" ضمن ما فرضوه من "خرافات" أن نظامه عاش على الشعارات.. لتنفيذ تعليمات الذين يديرون "شبكة تزوير التاريخ" وضمنهم أمثال "الثرثار باشا" الذى لا يكف عن الكذب بأنه كان يكره الأغنياء ويحقد عليهم.. وكان يتم ترويج ذلك بإخفاء صورته فى مستشفى متواضع, راقد على سرير كما أى مواطن وقت أن كان رئيس.. عندما احتاج إلى إجراء جراحة "الزائدة الدودية" وقد وفرت "وسائل التواصل الاجتماعى" سبل مطالعتها بضغطة زر.. لتتأكد أجيال من أن الحقيقة, عكس ما يتم ترويجه ضده وضد إنجازات فترة حكم لم تتجاوز بضع سنوات – 18 عاما منذ قيام الثورة, و14 عاما منذ تولى الرئاسة – دون إخفاء أنه تعرض لانكسارات قاسية وعنيفة.. إعترف بها وتحدث عنها بوضوح لا يحتمل شكا مع الشعب!!

 

قبل أن يقول "الثرثار باشا" ويكرر مع غيره أن "عبد الناصر" كان يحقد على الأغنياء لسنوات طوال.. كان قائد وزعيم "الجمهورية الأولى" قد فاتح الشعب وحدثه حول هذه "الخرافة" فى خطاب رسمى يوم 12 نوفمبر عام 1964 قال فيه: "قالوا جمال عبد الناصر عنده حقد طبقى.. ليه.. وازاى؟! أنا بقيت رئيس جمهورية.. يبقى حقد طبقى إيه بقى؟! أنا لا أحقد على طبقة وأسماء, لأنى ما اعرفهمش.. ما شفتهمش.. ما قعدتش معاهم.. أنا شفت الناس التانيين.. شفت الشعب اللى احنا طالعين منه.. شفت العمال الزراعيين.. شفت عمال التراحيل.. شفت الفلاحين.. شفت الشغيلة السهرانين.. شفت مخلة العيش الناشف والبصل.. شفت قدرة المش, وقدرة الملوحة.. وشفت الرجلين الحافية المشققة, والعينين الزايغة من الجوع.. شفت عمال التراحيل عريانين ملط, لغاية ما ينشف شوال بيلبسه كان غاسله فى الترعة.. كل ما نطلبه هو حق هؤلاء.. حق الكادحين والمطحونين"!!.. وبعد هذا الخطاب نشر الكاتب الانجليزى "جون جونتر" مقالا ذكر فيه: "مصدر قوة عبد الناصر أنه أصبح رمز تحرير وتقدم الجماهير.. فقد أعطى شعبه ما لم يملكه هذا الشعب من قبل.. لقد أعطاهم الأمل"!!

 

أخذنا الزمن.. أعلم أن هناك أجيال لا تعرف معنى "قدرة المش" و"قدرة الملوخية" وهؤلاء جعلناهم بلا وعى, لأننا أفقدناهم الذاكرة تجاه جذورهم وحقيقة أوضاع مجتمعهم.. فالذين يتعالون بادعاء أنهم أثرياء من يومهم.. بيننا من يعرف أصلهم وفصلهم.. هذا يزعجهم ويطاردهم فى صحوعم ونومهم.. معظمهم كونوا ثروات غير مشروعة.. بعضهم شاهد أهلنا آباءهم يتكسبون من إصلاح "وابور الجاز" أو "تربية الخنازير" دون التوقف أمام الذين قضى آباؤهم فترة سجن طويلة متهما بأنه لص.. سرق المال العام!!

 

يمارس "رموز الفساد" تنفيذ مهمة "تزوير التاريخ" بالنهج ذاته الذى تمارسه "جماعة الإخوان" ودون لحظات صمت لوقت قصير ليسمعوا وزيرا يقول: "لقد تعلمنا الدرس.. أدركنا أن الصناعة والزراعة هما اللذان يصنعان التنمية"!! وفى اللحظة ذاتها نجد وزير زميله يتفاخر ببيع شركات أخرى ضمن ما تبقى من ميراث "الجمهورية الأولى".. وكبيرهم يقف ليشرح بافتراء أن "مصر الملكية" كانت متقدمة وجميلة.. كما تقول إحداهن وجعلوها عضوا بمجلس النواب, لمجرد أنها تمارس الفخر بزمن "الولد الذى حكم مصر" حتى أنهم عادوا إلى ترديد "خرافة" أن "عبد الناصر" بدد رصيد من الذهب فى حرب "اليمن"رغم أن وزراء اقتصاد ومالية – كانت وزارة الخزانة – ومحافظ البنك المركزى وقتها كذبوا ذلك بأرقام وبيانات وحقائق.. لكن الكذب وفق "منهج جوبلز" مستمر.. دون التفات لشهادات "الدكتور مجدى يعقوب" ولا "الشيخ على جمعة" بالصوت والصورة أنه تم إفساد التعليم بعد رحيل "جمال عبد الناصر" ودون أن يطيقوا كلمة أستاذ التاريخ – الدكتور عاصم الدسوقى – وغيره كثيرين.. ثم صرف النظر عما ذكره "جمال حمدان" لمجرد أننا أصبحنا أمة فرضوا عليها.. ألا ترى ولا تسمع ولا تتكلم!! ثم يحدثونك عن "يوم القيامة" الذى يدعونك لانتظاره لكى تعرف الحقيقة.. لأنه "عندما يتحالف الجهل مع الفساد.. تقع الكارثة" كما قال الأستاذ "أحمد بهاء الدين" ولا تحدثنى عن ابنه الذى جعلوه "نائب رئيس وزراء" لكى يحاول إحياء "الميت الأمريكى" فى ضمير شعب يبحث عن الأمل.. والعزة والكرامة!!..

 

الجمهورية الثالثة !! " بطن الزير" (20)

يتبع

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات