آخر الأخبار

الجمهورية الثالثة !!الديكتاتور يتأسف (22)!!

  

 


 

نصر القفاص

 

قبل ساعات من مغادرته كرسي الحكم.. تذكر "حسنى مبارك" التاريخ، فقال أنه سيحكم بما له وما عليه.. فبدأ محاولة تعريف الماء.. بأنه الماء!! لأن أحكام التاريخ صدرت على الذين حكموا "الجمهورية الثانية" بقسوة عند لحظة النهاية.. لكن "ماكينات الكذب وتزوير التاريخ" استمرت تدور لإنتاج الخرافات ضد "الجمهورية الأولى" أملا فى شطبها من ذاكرة المجتمع.. رغم أن حاكم "الجمهورية الأولى" كان قاسيا على نفسه علانية.. أمام الشعب.. تابعه الرأى العام منتقدا سلبيات عشر سنوات على قيام "ثورة 23 يوليو" وانتهى إلى تقديم "الميثاق الوطنى" ثم تابعه يعلن استقالته وتحمله مسئولية هزيمة يونيو 67.. حتى أقدم على أقسى درجات النقد الذاتى فى "بيان 30 مارس" الذى لم ينكر وجود "مراكز قوى" وأعلن خلاله إسقاط "دولة المخابرات" وقدم ملامح "الدستور" الجديد, وشاءت الأقدار أن يتم إعلانه بعد رحيله بشهور!!

 

كل هذه الحقائق فشلت "ماكينات الكذب" فى قتلها.. وتأكد ذلك حين ظهر علينا "وزير المالية" ليعلن أنه اكتشف طريق التنمية الحقيقية, وأنه لا مستقبل دون تركيز على الصناعة والزراعة.. ليسمع الشعب هذا الكلام على وقع "موسيقى جنائزية" لم تتوقف لسنوات يتم خلالها تصفية "القطاع العام" وكان صوتها عاليا لتغطى على تدمير زراعة القطن والأرز والذرة والقمح.. مع إعطاء الأولوية لسياسة زراعة "الكنتالوب والفراولة" وإعلان ذلك دون خجل!!

 

كان عدد الحالات التى فرضت عليها لجنة تصفية الإقطاع قراراتها، تبلغ 334 حالة على سبيل الحصر.. وكان مجموع الأراضي التى شملتها قرارات هذه اللجنة هو 55,052 فدان فقط.. وصدرت قرارات رفع الحراسة عنهم اعتبارا من 26 يوليو 1967, ثم توالت بعد ذلك ليتبقى فقط 25 حالة بمجموع أراضى 3117 فدان قبل نهاية العام نفسه – 1967 – وقد حقق قطاع الزراعة فقط أعلى مستوى إنتاج خلال السنوات الثلاثة الأخيرة لحكم "عبد الناصر" والأرقام التى تؤكدها مستندات ووثائق, تقول أن الزراعة أسهمت بمبلغ 950 مليون جنيه فى الإنتاج القومى عام 1967 – 1968.. مع ضرورة الإشارة إلى أن الجنيه كان يساوى ثلاثة دولارات.. وفى العام التالى قفز الرقم إلى 978 مليون جنيه.. وارتفع عام 1970 ليصل إلى 1070 مليون جنيه – مليار وسبعون مليون جنيه – وكلها أرقام سجلها "سيد مرعى" فى مذكراته – أوراق سياسية – وذكر أن إنتاج محصول القطن سنة 1969 بلغ عشرة ملايين وثمانمائة ألف قنطار.. 10,800 مليون.. وهو أعلى رقم لمحصول القطن فى تاريخ الزراعة المصرية – حتى الآن – ووصلت المساحة المزروعة أرز لأكثر من مليون فدان.. وهى أعلى مساحة شهدتها هذه الزراعة, وأعطت للدخل القومى من التصدير عملات أجنبية.. وشهدت هذه الفترة استنباط أنواع جديدة من القمح منها القمح المكسيكى و"جيزة 155" الذى ابتكره عالم مصرى!!

 

يحكى "سيد مرعى" أنه ذهب بهذه النتائج إلى الرئيس "عبد الناصر" ليلحظ سعادة غامرة بدت عليه لأول مرة منذ "نكسة 67": "ويومها قلت له أن الخبير الذى ابتكر هذا الصنف من القمح معروض عليه وظيفة دولية بمرتب سنوى يبلغ خمسين ألف دولار.. بينما هو يتقاضى مرتب شهرى لا يتجاوز سبعين جنيها.. ثم قلت له.. ألا ترى أنه يستحق مكافأة استثنائية.. أجابنى: طبعا ويتم صرفها بسرعة.. اقترحت صرف 2000 جنيه – ألفى جنيه – فرد على اقتراحي بسرعة قائلا: بل اصرف له عشرة آلاف جنيه.. هنا قلت: يبقى أربعة آلاف مشرف زراعي ساهموا فى تحقيق هذه الإنجازات.. طلب منى اقتراح مكافآت مجزية لهم, وقال أن هؤلاء قدموا لبلدهم ما لا يقل عما يقدمه الجنود على الجبهة.. ثم أوضح أنه سيوافق على الاعتماد المطلوب.. رأيت صرف مرتب شهر ونصف لكل مشرف.. ولكل رئيس مجموعة مرتب شهر.. والمستوى الأعلى نصف شهر!!.. أذهلنى أن الرئيس كان يلقى خطابا فى اليوم التالى, وتوقف طويلا أمام العاملين فى قطاع الزراعة.. بداية من الفلاح وتحدث عنه بإكبار وتقدير شديدين.. مرورا بالمشرفين, ووصولا إلى نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة – سيد مرعى – وقال أن الإنجاز الاقتصادى لو سار بهذه الروح من الإخلاص والتحدى, فإن مصر ستحقق انتصارا فى كل معاركها.. قررت.. يقول سيد مرعى.. أن أذهب إلى الرئيس لتقديم الشكر على هذه الإشادة التى أسعدت الجميع.. فإذا به يقول لى: سيبك من الكلام دة.. فين مشروع المكافآت؟!.. أخرجت نسخة كنت أحملها فى حقيبة, ليسألنى: كم المبلغ الذى رصدته؟.. ترددت فى أن أذكره.. ثم قلت: ربع مليون جنيه.. أخرج قلمه وكتب.. موافق ويتم صرف الاعتماد فورا"!!

 

وقت انكسار "الجمهورية الأولى" تمسك الشعب برئيسها.. قرر العامل والفلاح تأكيد إرادتهم وقدرتهم على هزيمة الهزيمة.. عجلة الصناعة كانت تدور 24 ساعة فى اليوم – ثلاث ورديات – وحصيلة الزراعة حلقت لأعلى مستوى, ثم راح كل هذا يخفت بعد أعظم انتصار عسكرى حققه أولاد العمال والفلاحين من الجنود.. كانت مصر كلها تغنى للعامل والفلاح والجندى والطالب.. لأنهم ثروتها الحقيقية.. قبل أن تظهر نغمة تحولت إلى "اسطوانة مشروخة" تقول أن هذه الثروة عبء على الاقتصاد.. وأنها سبب التراجع فى مستوى المعيشة, والعجز عن التقدم.. لأن "الجمهورية الثانية" تفرغت لرعاية "رجال المال" وتعاملت مع الفساد "بقفاز من حرير"!! وقدمت النماذج الطفيلية إلى الواجهة.. وجعلت "النفاق" سبيلا للترقى ليفرز المجتمع "نخبة جديدة" أصبح الشعب يطلق عليها "النكبة" وكم كان مذهلا الحرص على هذه "النكبة" ورعايتها حتى أصبحت سرطانا يأكل فى لحم وعظم الأمة, وظهرت النتائج بعد نصف قرن من انتهاء "الجمهورية الأولى"!!

 

ليست صدفة.. أن يتم عرض 50 ألف دولار على خبير زراعة, حقق نجاحا يضيف للإنتاج القومى.. ولم نذهب إلى "انفتاح السداح مداح" بالصدفة.. كما لم يظهر "منهج التوريث" صدفة.. بداية من تولى قرينة الرئيس منصب رئيس المجلس الشعبى لمحافظة المنوفية.. مرورا بمحاولة تنصيب ابن الرئيس ليخلف ابوه.. وليس انتهاء بتوريث مقاعد مجلسى الشيوخ والنواب باتفاق "القصد الجنائى" المنقول عن "زمن الملك أحمد فؤاد" لأن الحنين للملكية أصبح منتهى حلم الذين ينظرون للشعب على أنه يستحق الصدقة والزكاة!!

 

الذى تحمل مسئولية تصنيع مصر.. كان "عزيز صدقى" وهو مدنى!!

 

الذى تولى ملف الزراعة فى مصر.. كان "سيد مرعى" وهو مدنى!!

 

الذى وضع أساس نهضة "الإعلام" فى مصر.. كان "عبد القادر حاتم" وهو عسكرى!!

 

أما الذى بنى نهضة "الثقافة" فى مصر.. هو "ثروت عكاشة" وجذوره عسكرية!!

 

المسئولية عن "اقتصاد" مصر تولاها مدنيين منذ قامت ثورة "23 يوليو"!!

مهندس "الدبلوماسية" الذى حمل حقيبة "الخارجية" فى "زمن الجمهورية الأولى" كان هو نفسه أول رئيس وزراء فى "زمن الجمهورية الثانية" ولا يغيب عن ذاكرة كل من عملوا – ويعملون – فى هذا الميدان.. وهو "محمود فوزى" الذى لم يطاول قامته أحدا بعده!!

 

إذا وضعنا أسماء هؤلاء أمامنا.. ودققنا النظر فيها سنكتشف زيف "إسفين المدنى والعسكرى" الذى تولى رجال المال – الفساد.. والإخوان – الفاشية الدينية – رعايته منذ بدأ تمكينهم بمجرد انطلاق "الجمهورية الثانية" التى تلفظ أنفاسها بعد أن أكلت الأخضر واليابس.. وجعلت "الأخضر" يلتهم الجنيه المصرى!!

 

يحكى "سيد مرعى" أنه ترك الوزارة.. رشحه "عبد الناصر" لتولى قيادة "بنك مصر" لكنه اختار أن يشغل منصب "العضو المنتدب" ثم أصبح وكيلا لمجلس الأمة – النواب حاليا – وعاد وزيرا يوم 19 يونيو 1967 فى مفاجأة لم تسعده.. ويذكر أنه بعد أن أقسم اليمين.. صافحه "عبد الناصر" وقال له: "يا سيد.. أنا متأسف.. كان لازم آخد رأيك.. لكنى خشيت أنك تتردد فى القبول.. ولما أخذتنى المفاجأة.. قلت: العفو يا فندم, إننا جميعا فى خدمة البلد.. فقال لى: حبيت أقول لك متأسف"!! وقد ذكر هذا الحوار لأنه شرح فى مذكراته, أنه عرف بعودته للوزارة من الإذاعة.. ونشر شهادته عام 1977, وقت أن كان على علاقة مصاهرة مع "أنور السادات" الذى أغضبته هذه المذكرات, رغم أنها حملت تقديرا شديدا له!!

 

تم دفن مذكرات "سيد مرعى" كما حدث مع مذكرات "مراد غالب" ومذكرات "سامى شرف" وكذلك "أمين هويدى" إضافة إلى عشرات الكتب والشهادات التى قالت الحقيقة بعد رحيل قائد وزعيم "الجمهورية الأولى".. لأن "حانوتية الثقافة" دفنوا "الوعى والمعرفة" ثم أقاموا "حفلات زار" اعتقدوا أنها "إعلام" وجعلوا "النفاق" مصدرا وحيدا لما يرونه تنويرا!! لنصل إلى فتاة تسرق إبداع غيرها, ويحمل جنسية روسية.. بل تتقاضى عن السرقة أجرا بالملايين من دولة, جعلوها لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم.. رغم ما يحدثوننا عنه بأنه "الرقمنة" و"الحوكمة" وبعد أن أصبحت "دبى" قبلتها!!

الحقائق تؤلم السفهاء واللصوص, إذا سيطروا على مقدرات وطن!!

 

لا يجوز إنكار ما حدث من انتصار عسكرى غير مسبوق فى "زمن الجمهورية الثانية".. ولا يمكن إخفاء حقيقة ما تم من إنجازات يجب أن نفخر بها.. لكن يجب إطلاق "طائر المعلومات" لكى يحلق بنا.. بدلا من "ديناصور الكذب" الذى التهم عدة رؤساء طوال سنوات "الجمهورية الثانية" ونتركه متفاخرا علينا.. حتى أنتج "أراجوزات التنوير" الذين جعلونا أمة حزينة تشكو أعراض الاكتئاب!!

 

نشرت مجلة "فورين افيرز" الأمريكية حديثا مع "عبد الناصر" فى عددها الصادر فى ديسمبر 1954.. حدد خلاله أعداء الشعب المصرى وفق رؤيته, فقال: "الشيوعيون والإخوان المسلمون وساسة النظام القديم.. وأن أهداف الثورة هى إتمام الإصلاح الزراعى وإجلاء الاستعمار وإنشاء بنك صناعى"!! وأضاف فى حديثه ردا على سؤال حول الصراع العربى – الإسرائيلى قائلا: "ليس للحرب مكان فى السياسة البناءة, التى خططنا لها لتحسين أحوال شعبنا.. علينا أن نصنع الكثير فى مصر والعالم العربى.. والحرب لن تؤدى لغير إهدار ما نسعى إلى تحقيقه"!!
هذه المفاهيم وتلك اللغة, جعلت "بن جوريون" رئيس وزراء إسرائيل يعلق عليها بقوله: "ذلك يدعونا للتشاؤم تجاه المستقبل.. لأنه لا يجب أن نترك مصر ولا عالمها العربى, لكى يذهبوا إلى بناء تنمية حقيقية ترتكز على الزراعة والصناعة والعلم"!! وهذا يوضح ويكشف حقيقة توجه "ثورة 23 يوليو" وحقيقة ما كانت تريده "إسرائيل" التى فرضت الحرب على مصر والعالم العربى عبر غارة غير مبررة على مصر فى فبراير عام 1955 سقط خلالها عشرات الشهداء والجرحى فى "غزة" ليقبل "عبد الناصر" التحدى ويسعى لتسليح الجيش المصرى.. لمجرد أنه يرفض فرض الاستعمار لإرادته على بلاده والعالم العربى, وذهب إلى صفقة الأسلحة التشيكية كما تم وصفها.. حتى أعلن الاستجابة للتحدى بتأميم "قناة السويس" التى انتهت إلى انتصار ساحق.. جعلوه هزيمة نكراء!! والذين فعلوا ذلك فرطوا فى انتصار اكتوبر 73 بالسلام الذى جعل "إسرائيل" تتحجج بإعلان رغبتها فى تولى قيادة العالم العربى بما فيه مصر!!

 

يحكى "أنور السادات" فيذكر مشهد مغادرته "القدس" بعد زيارته الأولى, فيقول: "فوجئت بالسيدة زوجة عيزرا وايزمان تهاجمنى فى المطار, صافحتنى بحرارة مع تقديم الشكر والتقدير لشخصى.. ثم خلعت خاتما من الذهب فيه فص من الأحجار القديمة, من أصابعى وأخذته كذكرى.. وأعطتنى خاتم فالصو ليكون ذكرى لهذه المناسبة"!! والموقف الذى يمكنك أن تقرأ تفاصيله فى كتاب "البحث عن الذات" هو الحقيقة بلا رتوش.. وهو تجسيد حى لما حدث فيما بعد!! ثم يكررون الحديث عن هزيمة – يونيو 67 – مع القول بأنها أضاعت سيناء.. وهذا حقيقى.. والحقيقى – أيضا – أن سيناء كانت قد ضاعت خلال حرب السويس عام 1956 وعادت كاملة مع غزة بلا اتفاق مع إسرائيل.. بل بشروط مصر فى "زمن عبد الناصر" بعد أربعة شهور من اندلاع العدوان الثلاثى!!

 

لا الدفاع عن "الجمهورية الأولى" يفيدنا.. ولا الهجوم على "الجمهورية الثانية" هو هدفنا.. لأن المهم هو أن نراجع ما حدث بهدوء.. ونحاول رسم خارطة طريق للمستقبل.. بغض النظر عن الذين يتولون تنفيذها.. وإذا حدث سنكون قد ذهبنا إلى "الجمهورية الثالثة" وغير ذلك تجويد للعبث واللعب بمقدرات وطن ومجتمع!!..



الجمهورية الثالثة !! " حانوتية الثقافة"!! ( 21)

يتبع

 

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات