نصر القفاص
كراهية التاريخ علامة
مميزة, لكل الذين يمارسون تزويره كهواية أو باحتراف.. وكل الذين تؤلمهم الحقيقة, يفضلون
العيش فى "نعيم الزيف" والسباحة داخل "مستنقعات الأوهام" الراكدة!!
إحترقت مئات الأكاذيب
والخرافات التى تأسست عليها "الجمهورية الثانية" فى نيران الواقع على
مدى أكثر من نصف قرن بعد نهاية "الجمهورية الأولى" الصادمة!! وضمن هذه "الخرافات"
ما استمر يتردد حول أن مصر أهدرت رصيدها من الذهب فى "حرب اليمن" والتى
كان "أنور السادات" أبرز من دفعوا للذهاب إليها.. وعندما أقدمت السعودية
مع الإمارات على الحرب فى اليمن, فقد هؤلاء الذاكرة تجاه خرافتهم التى يعلمون أنها
معجونة بالكذب!! وهذه ليست وجهة نظر.. لأن المعلومات والمستندات التى تنفى تلك "الخرافة"
يصعب شطبها, وإن كان قد تم التعتيم عليها.. فتفاصيل هذا الملف عندما يتم فتحه
بشجاعة وصراحة, ستكون مزعجة لكل "أراجوزات التنوير" وستكشف "حانوتية
الثقافة" الذين أصبحوا "نخبة الزمن الحزين" بتعبير رقيق مهذب!!
إنعقد مجلس الوزراء
فى "قصر القبة" يوم الخميس الموافق 19 أكتوبر عام 1961.. وشهدت الجلسة
مناقشة طويلة حول دعم مصر للدول العربية والإفريقية.. تحدث خلالها "جمال عبد
الناصر" بكلام شديد الأهمية فقال: "نحن لم نفرغ خزائن مصر فى سوريا – الاجتماع
كان الأول بعد انهيار الوحدة – لأن كل ما أنفقناه هناك كان 13 مليون جنيه.. وبالنسبة
للعلاقات الإفريقية, فنحن لا نعطى دولها معونات ولا بقشيش.. نحن نعطيهم قروض كما
فعلنا مع الصومال وغينيا ومالى.. نعطى هذه القروض حتى نستطيع منافسة أمريكا وفرنسا
وانجلترا فى أسواق هذه الدول التجارية.. نحن ننتج سلعا لابد من تصديرها, والقروض
تفتح لنا أسواق هذه الدول.. هناك إشاعات تقول أن نصف أموالنا تم توزيعها على دول
عربية وإفريقية.. وهذا كلام لا أساس له من الصحة, لأننا نسعى إلى إقامة سوق عربية
مشتركة.. لأن صناعتنا هى التى ستتواجد فى هذه السوق.. لقد أصبحنا الدولة العربية
الصناعية الوحيدة فى المنطقة, وكذلك الأمر فى إفريقيا"!!
نشر هذا الجزء من
الاجتماع "سامى شرف" فى مذكراته "سنوات وأيام مع جمال عبد الناصر"
لتجاوز عقبة قانون يمنع إعلان الوقائع والحقائق, أصدره "أنور السادات" وجعل
كل وثائق الدولة سرية لمدة نصف قرن, تنتهى عام 2029 ما لم يتم تعديله وتمديد الأجل!!
وبموجب هذا القانون تم فتح الأبواب أمام كل ممن يرغب فى الكذب – هواية أو احترافا –
لخدمة هدف أكبر خطط له الذين يسكنون خلف المحيط أو وراء البحر المتوسط, بأن يتم
شطب "الجمهورية الأولى" مع "ثورة 23 يوليو 1952" من الذاكرة
الوطنية بتحويلها إلى شيطان رجيم وسبب الخراب للبلاد والعباد!!
ذكرت ذلك عبورا لكى
أحاول تقديم إضاءة, على حكاية الذهب الذى أهدرته مصر فى "حرب اليمن" باعتبارها
"خرافة" لقيت رعاية "سامية" طويلا.. ولنبدأ من عند "حسن
عباس زكى" وزير الخزانة – المالية – والاقتصاد وقت الحرب.. فقد ألقى محاضرة
عنوانها "الإسلام والعقل" ونشرت "الأهرام" بعضا من تفاصيلها
يوم 16 نوفمبر عام 1998, ويومها قال: "إن احتياطى مصر من الذهب قبل الثورة, لم
يمس ومازال موجودا فى البنك المركزى.. ولم يحدث أن استخدم هذا الرصيد فى تمويل
صفقات سلاح.. أو مساعدة الثورات فى اليمن أو الدول الإفريقية.. لأن الدولة فى عهد
عبد الناصر, كانت تعتمد على إحلال الصادرات محل الواردات.. كما كان يتم استيراد
السلاح والمعدات الصناعية مقابل الصادرات المصرية من القطن والمنسوجات والبترول
عبر نظام الصفقات المتكافئة مع دول الكتلة الشرقية والاتحاد السوفيتى السابق.. وهذا
الأمر ساعد الدولة فى الاعتماد على مواردها الذاتية دون اضطرار إلى الاقتراض
الخارجى.. إلا فى أضيق نطاق.. وذلك ساعد على عدم وجود عجز فى الموازنة العامة
للدولة, ولم يتجاوز حجم ديون مصر خلال هذا الزمن مبلغ أربعمائة مليون دولار فقط.. وبفضل
احتياطى مصر من الذهب, حافظ الجنيه المصرى على سعره لما يعادل ثلاثة دولارات
أمريكية.. وجعل معدل النمو الاقتصادى يتجاوز 6 بالمائة, وهو معدل غير مسبوق قبل
الثورة أو حتى خلال الفترات اللاحقة"!!
شهادة "حسن عباس زكى"
قالها بعد 28 سنة من رحيل "عبد الناصر"!
المعلومات تم نشرها
على صفحات "الأهرام" وبعدها انطلق المشاركين فى تدوير "ماكينات
الكذب" لترديد الكلام الفارغ و"الفاجر" المطلوب ترويجه.. ولم يخرس
هؤلاء سوى بعد تورط السعودية والإمارات فى "حرب عبثية" على أرض "اليمن"..
ولما استخدم هذا الوصف "جورج قرداحى" وقت أن كان وزيرا لإعلام "لبنان"
إنقلبت الدنيا.. تم إعلان حرب دبلوماسية على بلاده, لم تهدأ رحاها سوى بعد
استقالته أملا فى إطفاء النيران!! لكن ذهاب مصر إلى دعم "ثورة اليمن" كانت
– ومازالت – يتم قصفها داخلها وخارجها بالسباب والأكاذيب والافتراءات!!
وقطع "حسن عباس
زكى" خلال محاضرته الشك بالبحث عن اليقين, الذى دلنا عليه بقوله: "من
السذاجة أن يعتقد البعض أو يدعى.. أن الثورة استخدمت رصيد الذهب فى تمويل ثورات
اليمن أو الدول الإفريقية.. وأى مزايد على ذلك يمكنه أن يذهب بنفسه إلى البنك
المركزى ليسأل ويتأكد"!! لكن الذين يكذبون على سبيل الهواية أو كمحترفين.. لا
يقرأون.. لا يسمعون.. يرفضون أى مناقشة أو محاولة لإقرار الحقائق, لذلك استمر "فجرهم"
كما النباتات الطفيلية المتسلقة تزدهر فى موسم وتذبل فى موسم آخر.. ويبدو أن
السعودية والإمارات أمرتا بعدم رعاية هذه النباتات لو استمروا فى زراعتها!!
نشر "على نجم"
محافظ البنك المركزى الأسبق مذكراته.. كتب مطولا حول هذا الموضوع.. كان أكثر قطعا
وتوضيحا حين قال: "لا يجرؤ أحد أن يشكك فى ذمم الحكومات المتعاقبة فى عهد
الثورة.. أو الرئيس جمال عبد الناصر فى موضوع الاحتياطات القومية للذهب"!! ثم
راح يسرد الحقائق المجردة, فقال: "فى عام 1964 لم يكن فى خزانة الدولة نقد
أجنبى.. كانت البلاد تعتمد فى وارداتها الخارجية من القمح والسلع الضرورية على
الاتحاد السوفيتى, الذى كان يرسلها بالكامل مقابل صادرات مصرية من القطن والمواد
الخام الأولية.. وفى هذا العام شهد محصول القمح الروسى اضطرابا نتيجة سوء الأحوال
المناخية هناك.. لم يستطع الاتحاد السوفيتى توريد الكميات المتفق عليها من القمح
لمصر فى هذا العام لأن إنتاجه كاد يكفيه.. إستغلت الولايات المتحدة الأمريكية
الموقف لتجويع الشعب المصرى, من أجل إسقاط نظام عبد الناصر عدوها اللدود فى الشرق
الأوسط..وزعيم حركة التحرير من الاستعمار داخل العالم الثالث.. أمرت واشنطن بمنع
توريد القمح الذى كانت تقدمه لمصر كمنحة.. فانعقد مجلس الوزراء لمناقشة الموضوع.. إقترح
الدكتور عبد المنعم القيسونى بيع جزء من الذهب قيمته 10 مليون دولار – عشرة مليون
دولار – أى حوالى ثلاثة ملايين جنيه مصرى, يتم دفعها لشركات القمح العالمية لتحويل
شحنات كانت تحملها السفن فى عرض البحر المتوسط إلى ميناء الإسكندرية.. واتخذ مجلس
الوزراء القرار برئاسة على صبرى, وتم رفعه إلى جمال عبد الناصر الذى صدق عليه
بقوله.. كنوز الدنيا لا تساوى أى شئ أمام تجويع مواطن واحد من هذا الشعب"!!
دقق فى كلام "حسن عباس زكى"
و"على نجم" لأن كليهما يقرن الثورة باسم "جمال عبد الناصر" وكليهما
تحدث وكتب ونشر بعد رحيله.. والمعنى يصب فى نهر حقيقة يجب تعريفها, بأن الثورة
انتهت برحيل قائدها وزعيمها.. وأن ما حدث بعد ذلك كان "الجمهورية الثانية"
التى عاشت برعاية غربية – أمريكا والذين معها – طويلا!!
واصل "على نجم"
كشف الحقائق بوضوح أكثر, فقال: "فى خريف عام 1964 رافقت سبائك الذهب.. حملتها
أربع طائرات إلى بنك التسويات الدولية فى بازل – سويسرا – وكانت السبائك تزن حوالى
15 طنا من الذهب.. تمثل 10 بالمائة – عشرة بالمائة – من مخزون الذهب, الذى كان
يقدر بنحو 154 طن, وهو يزيد قليلا عن تقديرات وزير مالية ما قبل الثورة.. وكل
الشهود لمرحلة ما قبل 1970 يعلمون ذلك"!! وأضاف تفاصيلا أخرى حول الذهب
كقاعدة تعامل فى الاقتصاد وقوته وقيمته.. وأوضح ما حدث من تطورات لرصيد مصر من
الذهب بعد ذلك!!
لا أجد وصفا للمسألة
غير مثل شعبى يردده الناس: "نقول تور.. يقولوا احلبوه"!!
يعرف الذين يمارسون
الكذب أنه بلا ساقين.. لكنهم يرددونه للتغطية على كل محاولات تحذير من خطورة
الطريق الذى أخذته "الجمهورية الثانية" واستمر طويلا.. وبين هؤلاء
الدكتور "سلطان أبو على" وزير الاقتصاد الأسبق الذى قال: "قوة أى
عملة وطنية لأى دولة فى العالم, تستمد قوتها من قوة اقتصادها.. فقد انتهى عصر ربط
غطاء الذهب بالعملة الوطنية"!! ثم أشار إلى انخفاض حاد فى رصيد مصر من الذهب,
وطالب النائب العام بالتحقيق فى أسباب ذلك مؤكدا على أن هذا حدث بعد عام 1970.. وكانت
إشارته سببا فى إبعاده والتعتيم عليه!! وتكرر الأمر مع الدكتور "فؤاد هاشم"
رئيس بنك الاستثمار العربى – كان وزيرا للمالية أيضا – حين أكد أن: "قوة
النقد فى أى دولة تقاس بقدرتها على الإنتاج, وحجم الناتج القومى.. ومن الأصول التى
تملكها الدولة" ليدفع الثمن إبعادا وتهميشا بعد ذلك, رغم أن كليهما يؤمن
برأسمالية الدولة ويعتنق "الليبرالية" لكنهما كانا ضد توحشها لخطورته, فيما
تم وصفه بأن "برنامج الخصخصة" الذى أصبح سئ السمعة.. فذهبوا إلى قانون
يسمى الجريمة بأنها "تخارج" نتابع تفاصيل تنفيذه وسط تهليل السذج
والبلهاء ورموز "الإقطاع العقارى"!!
الحقائق فى "حرب
اليمن" كثيرة, وتفاصيلها ستكون مذهلة عندما يتم فتح ملفاتها.. وضمن تفاصيلها
أن هناك جنيهات ذهب كان يتم تداولها على "حدود اليمن" من جانب "الملك
سعود" الذى تم إبعاده وتنصيب "الملك فيصل".. وكان الذين راحت
القوات المسلحة لردعهم.. هم أنفسهم الذين يطلقون على أنفسهم "الحوثيين"
مع أعداء "ثورة اليمن" الذين كانوا يلقون دعما سخيا من قوى عربية ودولية
ترعاها "واشنطن" و"لندن" بعد أن انقلب السحر على الساحر!!
نمسك هنا عن "الكلام
المباح" ليس خوفا.. بل لأنه ليس موضوعنا!!
الموضوع هو أن مصر لم
تحرق رصيدها من الذهب فى "حرب اليمن" باعتبارها واحدة من الخرافات التى
تأسست عليها "الجمهورية الثانية" إضافة إلى عشرات الخرافات ومئات
الأكاذيب.. دون أن يخرج علينا أحدا من الذين حكموا بعد انتهاء "الجمهورية
الأولى" التى تدافع عن آخر حصونها متمثلا فى قواتها المسلحة.. حدث ذلك منذ أن
تم إشهار ورقة "المدنى والعسكرى" باستغلال عناوين شاذة ومشوهة, لإخراج
هذه المؤسسة من المشهد للتمكن من ضربها.. وليس مؤسفا أن نتابع مشاركة فى تنفيذ هذه
"الكارثة" بعضا من الذين يرفعون "رايات الناصرية" متحالفين مع
"جماعة الإخوان" آملين أن ترضى عنهم "واشنطن" و"لندن"
والذين معهما!!
لا ينكر عاقل أو
مجنون.. أن القوات المسلحة حررت مصر من استعمار استمر نحو خمس قرون.. ولا ينكر
عاقل أو مجنون أن القوات المسلحة تولت رعاية "تأميم قناة السويس".. وما
شهدته مصر من نهضة فى زمن "الجمهورية الأولى" وأنها ذاتها – القوات
المسلحة – التى واجهت محاولات هدمها فى "حرب اليمن" ثم انتصرت على هزيمة
يونيو 67.. كما أنها "القوات المسلحة" نفسها التى أنقذت مصر لحظة عاصفة
باندلاع "انتفاضة يناير 77" التى أطلق عليها "السادات" وصفه "إنتفاضة
حرامية".. ثم كانت "القوات المسلحة" حارسا أمينا لمصر عندما وقعت
أحداث 25 و26 يناير 1986.. وبعدها تحملت عبء ما حدث فى "25 يناير 2011" ويسميه
الدستور "ثورة" وكذلك ما حدث فى "30 يونيو 2013" ويسميه
الدستور "ثورة باتفاق أطراف الصراع.. حتى أن "القوات المسلحة" أصبحت
تدفع ثمنا فادحا ماقبل حرصها على تحقيق "الأمن والاستقرار" مع "الشرطة"
التى تلقت ضربة لا تقل خطورة عن "نكسة 67" فى أعقاب "ثورة 25 يناير
2011" رغم أنف الذين يكرهون التاريخ!!..
الجمهورية الثالثة !!الديكتاتور يتأسف (22)!!
يتبع
0 تعليقات