آخر الأخبار

الجمهورية الثالثة !! " أفنديات القاهرة " ( 28)!!

  

 


 

نصر القفاص

 

تعاملت "الجمهورية الأولى" مع الثقافة والمثقفين على أنهم "كنز" تملكه مصر!

 

اختارت "الجمهورية الثانية" إعلان الحرب على المثقفين, وتفكيك منهجى للثقافة على نار هادئة.. فقد كان "أنور السادات" دائم السخرية من المثقفين بوصفهم خلال خطاباته للشعب, بأنهم "أفنديات القاهرة".. واعتمد أسلوب البيع والشراء لكل من يقبل عرض نفسه فى السوق!!

وعلى دربه سار كل من حكموا بعده, حتى وصلنا إلى حد احتقار الثقافة.. ثم التخلص من الإعلام بآلاعيب ساذجة, وتنصيب الذين يحملون "شهادة محو الأمية" كقيادات.. وواكب ذلك تحايل لاغتيال السياسة, عبر "ديمقراطية" تفردت بها.. بداية من "المنابر" كابتكار مصرى خالص, حسب وصف الدكتور "على الدين هلال" مرورا بأحزاب تمارس "المعارضة المستأنسة" وصولا إلى "أحزاب كرتونية" تتهافت على فتات مقاعد البرلمان عبر "الشوارع الخلفية" مع الاعتذار للرواية التى كتبها "عبد الرحمن الشرقاوى" بالعنوان نفسه!!

راهن "اللنبى" على "عيال لندن" وكشف ذلك علانية خلال واحدة من حفلات توديعه, بعد انتهاء مهمته فى مصر.. مؤكدا أنهم "الإقطاع ورجال المال" الذين يمثلون الجسر بين "لندن" و"القاهرة"! وراهن "أنور السادات" والذين حكموا بعده على "عيال أمريكا" من المغامرين والسماسرة, الذين اشتد عودهم بتحالف مع "عيال إسرائيل" ودعم مالى بلا حدود لـ "عيال الخليج!!

 

استثمرت "الجمهورية الأولى" فيما ورثته من نخبة تكونت خلال سنوات مقاومة الاستعمار.. لم تفرط فى "طه حسين" و"عباس محمود العقاد" وباقى حبات الذهب والألماس المعروفة.. وبدا كما لو كانت "أم كلثوم" و"عبد الوهاب" أبناء لزمن "الجمهورية الأولى" مع سلسلة غزيرة الحلقات.. وعلى التوازى تألق جيل "صلاح أبو سيف" و"يوسف شاهين" مع عشرات المبدعين فى السينما.. وازدهر المسرح بصورة لافتة معتمدا على "عبد المنعم مدبولى" و"فؤاد المهندس" مع عشرات آخرين.. وأصبح الكتاب غذاء للعقول مع صحف أحكمت سيطرتها على العقل العربى.. إلى جانب دور لا ينكره عدو أو صديق للإذاعة التى كانت "صوت العرب" قاطرتها!!

 

تولى ملف "الثقافة" الدكتور "ثروت عكاشة" وهو ضابط سابق!!

 

أمسك ملف الإعلام الدكتور "عبد القادر حاتم" وهو ضابط سابق!!

 

صنع كل منهما ما لا يقل عما قدمه الدكتور "عزيز صدقى" للصناعة وهو "مدنى".. ولا ما قدمه المهندس "سيد مرعى" للزراعة وهو "مدنى".. وعلى التوازى كان هناك "النبوى المهندس" وزير الصحة, وكذلك "محب ستينو" وزير التموين.. بينما تولى الدكتور "محمود فوزى" دفة سفينة الخارجية.. إضافة إلى العشرات من خبراء الاقتصاد والتخطيط بينهم "عبد المنعم القيسونى" و"حسن عباس زكى" والدكتور إبراهيم حلمى عبد الرحمن" وصولا إلى جيل آخر يمثله "كمال الجنزورى" غير آخرين من الوزراء المبدعين فى كافة المجالات – كلهم مدنيون – فأعطوا وطنهم الكثير!!

 

قد يكون مهما أن نسأل أنفسنا.. كيف تكونت وتراكمت هذه "النخبة"؟!

 

الإجابة المباشرة فى جملة أو عدة سطور, تسمح لأولئك من "جامعى أعقاب السجائر" التدخل بما تعلموه من انفعالات وصراخ لتشويه الحقائق.. لذلك نحتاج إلى قليل من التوضيح, لأن المشوار بدأ مع الشهور الأولى لقيام "ثورة 23 يوليو" التى تكشف بياناتها أنها كانت مكتوبة برصانة وتحمل موقف واضح من التاريخ ومع المستقبل.. وكانت لغة هذه البيانات منضبطة, سواء ألقاها "محمد نجيب" أو ارتجلها "عبد الناصر" الذى اشتبك مبكرا مع أفكار "آسيا" ومعارك "إفريقيا" لذلك سنجد أنه تلقى بجدية اقتراحا جاءه من "باكستان" فى أكتوبر 1952 بتشكيل كتلة "أفرو – آسيوية".. شارك فى مناقشته "عبد المغنى سعيد" أحد قيادات الحركة العمالية.. وكانت ثمرة اجتهاداته أن أصدر كتابا فى شهر نوفمبر 1952, دعا فيه إلى تعاون مع "الهند" لتشكيل كتلة حياد بين الدول الكبرى.. ويوم 23 ديسمبر 1952.. انعقد فى "القاهرة" بدعوة من الحكومة المصرية اجتماعا شاركت فيه وفود تمثل 12 دولة.. انتهت إلى دعم المطالب العربية فى قضية فلسطين, وشجب السياسة الاستعمارية الفرنسية فى شمال لإفريقيا!!

 

ظهرت فكرة "صوت العرب" التى بدأت بساعتين عبر الإذاعة.. ثم تطورت إلى "محطة إذاعية" كانت الأهم والأخطر والأقوى فى تاريخ الإذاعات العربية والدولية.. لتظهر بعدها الإذاعات الموجهة باسم "صوت إفريقيا الحرة" وكانت تبث من القاهرة بسبع لغات.. وتبلورت فى الوقت نفسه فكرة إنشاء "المجلس الأعلى للفنون والآداب" عام 1956 وتولى رئاسته "يوسف السباعى" الذى تركه بتولى "ثروت عكاشة" وزارة الثقافة.. وتولى رئاسة "مركز الدراسات السياسية العربية والإفريقية والآسيوية" تمهيدا لكى يتولى "مؤتمر تضامن الشعوب الإفريقية – الآسيوية" فيما بعد "يوسف السباعى" ومعه أمينا عاما "مرسى سعد الدين"

 

صعب أن يزعم "جاهل" ما كان يحدث بأنه صدفة!!

 

مستحيل أن يستمر "تجاهل" وقائع التاريخ وسياقه!!

 

تحقق الجلاء برحيل آخر جندي إنجليزي يوم 18 يونيو 1956.. حمل الاستعمار عصاه ورحل.. ثم كان تأميم "قناة السويس" يوم 26 يوليو 1956.. بعدها تعرضت مصر للعدوان الثلاثى, الذى شهد احتلال إسرائيل لسيناء للمرة الأولى.. وتركتها رغما عن أنفها دون اتفاقية سلام أو تطبيع.. ودون تفاوض مباشر معها, بعد أربعة شهور فقط.. حدث ذلك كنتيجة لما يقولون عنه "هزيمة عسكرية" ولم يحقق أكبر انتصار عسكرى أكثر من ذلك.. وبعد مبادرة سلام وسفر إلى "القدس" واتفاقية "كامب ديفيد" ثم التحكيم بشأن "طابا"!!

 

يجب أن نتوقف طويلا أمام "احتلال سيناء" عام 1956 والجلاء عنها بشروط مصر!

 

إذا حدث ذلك سنفهم سر المرارة من "تحرير سيناء" بعد انتصارات أكتوبر 1973!

 

إذا فهمنا ما حدث فى "الهزيمة العسكرية" عام 1956 كما يقول "عيال أمريكا" ليل نهار.. سنفهم ما حدث بعد "الانتصار العسكرى" عام 1973 الذى قطف ثمرته "عيال إسرائيل" مقابل أوراق ملونة تأخذ قيمتها من اسمها – الدولار – وتوابعه من عملات أجنبية!!
دارت عجلة بناء "النخبة المصرية" لنشهد فى عام 1959 تأسيس "رابطة الوعى الوطنى" وتولى قيادتها "أمين شاكر" وكان سكرتيرا للرئيس "عبد الناصر" قبلها.. وهو عسكرى.. لتضم عددا من المرموقين فى هذا الزمان – مدنيين – بينهم الدكتور "رشاد رشدى" و"محمود الجوهرى" و"عدلى أندراوس" و"صلاح عامر" والدكتور "النبوى المهندس" و"محمد شادى أبو كرم" و"أحمد محمود عبد النبى" مع آخرين.. ثم ظهرت "الرابطة المصرية للعلوم السياسية" بقيادة "عبد القادرة حاتم" عام 1960.. ومعه الدكتور "يحيى عويس" و"محمد صادق عقل" و"عبد السلام أبو السعود" وآخرين من أساتذة السياسة فى الجامعة المصرية.. وتولى "محمود يوسف أنيس" و"عبد الفتاح نجيب" و"عبد الحى حجازى" وكلهم من المدنيين المرموقين.. إلى جانب تأسيس "لجنة التربية القومية" التى تولاها "صلاح الدسوقى" وقد شغل منصب محافظ القاهرة فيما بعد – كان عسكرى – ومعه فى عضويتها الدكتور "مراد غالب" والدكتور "إبراهيم حلمى عبد الرحمن" والدكتور "عبد الله العريان" والدكتور "رفعت المحجوب" والدكتور "سعيد النجار" والدكتور "نظمى لوقا" والدكتور "مصطفى كمال حلمى" والدكتور "حسن الساعاتى".. واعتقادى أن أسماءهم تعفينى من التعريف بهم.. وقام هؤلاء بتدريب وإعداد قيادات شابة للمستقبل, وخرج من تحت عباءتهم عشرات من الوزراء والمحافظين ورؤساء شركات القطاع العام – وكلهم من المدنيين – وبينهم من انقلب على "الجمهورية الأولى"!! وتكونت مجموعة دراسة "الاشتراكية المعاصرة" وكان بينهم "أحمد بهاء الدين" و"كامل زهيرى" والدكتور "محمد زكى الشافعى" و"بطرس بطرس غالى" و"حلمى مراد" و"عبد الملك عودة" مع آخرين.. إنقلب عدد منهم على "الجمهورية الأولى" فيما بعد.. وناصبت "الجمهورية الثانية" العداء للذين رفضوها!!

 

استمرت الصحافة تحمل صفة الملكية الخاصة, حتى عام 1962, عندما صدر "قانون تأميم الصحافة" الذى صاغ ما نسميه "الصحافة القومية" لتتكون "دار التحرير" بقيادة "كمال الحناوى" ومعه "مصطفى بهجت بدوى" و"حلمى سلام" و"مصطفى المستكاوى" و"ناصر الدين النشاشيبى" و"موسى صبرى" و"أمين أبو العينين" مع آخرين من نجوم الصحافة وكبار الكتاب فيما بعد.. وتولى "مصطفى أمين" قيادة "أخبار اليوم" ومعه "سيد أبو النجا" و"أحمد بهاء الدين" و"حسين فهمى" و"قاسم فرحات" وذهب شقيقه "على أمين" لقيادة "دار الهلال" وكان معه "أمينة السعيد" و"صالح جودت" و"فكرى أباظة".. أما مؤسسة "روز اليوسف" فقد استمر فى قيادتها "إحسان عبد القدوس" ومعه "يوسف السباعى" و"عبد الغنى عبد الفتاح".. بينما كان "محمد حسنين هيكل" يتولى "الأهرام" ومعه "نعوم بحرى" و"توفيق الحكيم" و"بشارة تقلا" و"محمد فؤاد إبراهيم" و"جمال العطيفى"!!

 

شهد الوقت نفسه.. إنشاء التليفزيون المصرى.. كما شهد صدور قانون تنظيم "جامعة الأزهر" وقت تولى الشيخ "محمود شلتوت" منصب شيخ الأزهر.. وظهر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية, ومعهد الدراسات الإسلامية.

 

أعترف بأننى اختصرت.. لكننى قدمت عناوين وملامح ظنى أنها واضحة!

 

كانت قاعدة "النخبة المصرية" قائمة قبل "ثورة 23 يوليو 1952" فلم تفرط فيها أو تهدمها.. بل أضافت إليها بالبناء عليها.. كما كانت قاعدة "الصناعة المصرية" قائمة قبل الثورة, فأضافت إليها وجعلتها إمبراطوريات صناعة تحمل اسم "القطاع العام".. وكلها بدأت عمليات تفكيكها وتصفيتها بمجرد انطلاق "الجمهورية الثانية" التى راحت تضرب كل بناء من داخله.. واستمرت التصفية من حاكم لآخر فى هذه الجمهورية, ومازالت العملية مستمرة لصعوبة تنفيذها!! ويفسر ذلك سر بقاء "عبد الناصر" حيا بعد أكثر من نصف قرن على رحيله.. وموت آخرين فى حياتهم, بعد أن اختاروا الاستمتاع بصورهم فى وسائل إعلام الغرب خلال زياراتهم لعواصمه.. حتى وصلنا إلى نقطة "الصراع على مصر" بين قطر والإمارات والسعودية, فى مشهد يدمى القلوب!!

 

مطلوب أن نصدق "خرافة" تكاثرت.. تقول أن "الجمهورية الأولى" هى التى خربت مصر بما فعلته فى 18 عاما.. ومطلوب منا تصديق "أوهام" تزعم أن "الجمهورية الثانية" رغم تعدد حكامها تحاول إنقاذ مصر بفشل بعد فشل على مدى أكثر من نصف قرن.. والمذهل أن "أراجوزات التنوير" الذين يمثلون الفساد وجماعة الإخوان, لا يتفقون سوى على ضرب "ثورة يوليو" و"عبد الناصر" مع اختلاف راياتهم.. فالفساد الذى يحتمى فى الدفاع عن "المؤسسة العسكرية" و"جماعة الإخوان" ترفع خرافتها نيابة عن الاستعمار بحكاية "المدنى والعسكرى" المسمومة!!

 

أعترف أعداء "عبد الناصر" و"ثورة يوليو" بما أنجزوه فى مصر وخارجها.. وبقى بيننا الذين يتكسبون من "الجمهورية الثانية" يواصلون القصف ضدها.. أصابهم فشلهم بالجنون لدرجة لجوئهم إلى حلقات "الشعوذة" و"الزار السياسى" أملا فى طرد "روح عبد الناصر" من أجساد الشعب المصرى والعالم العربى.. وكذلك قارتى آسيا وإفريقيا مع أمريكا اللاتينية.. ليفرضوا علينا أن نتذكر قولة "إيزنهاور" الشهيرة: "يؤسفنى أن عبد الناصر ليس معنا.. بينما كتلة من اللحم تنفذ بغباء ما نريد"!! وكان يقصد حاكما عربيا عزله أهله وعشيرته لصالح شقيقه!!..

 


الجمهورية الثالثة !! ثكنات الثقافة !! (27)

يتبع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات