نصر القفاص
اخترت أن أكتب كلامى
منشورا لكم.. وللرأي العام.. دافعي إلى ذلك سببان.. أولهما: أن كل ما أردت أن
أكتبه عنك, كنت أختار نشره بطريقة أو بأخرى – عبر صحيفة أو صفحتى – وثانيهما: عدم
ثقتى فى أننى لو فعلت بصفة شخصية, يمكن أن تصلكم رسالتى.. وقد تأكدت من ذلك بما لا
يدع مجالا لأدنى شك!! وقد اخترت "المصارحة" بأسلوب مباشر, دون تعرض
لتفاصيل كثيرة.. وأظنكم تتذكرون لحظة التقيتكم للمرة الأولى, عضوا بالمجلس الأعلى
للقوات المسلحة عام 2011.. وأعلم أنه قد جرت مياه كثيرة فى النهر, طوال هذه السنوات..
لا أحب أن أخوض كثيرا فيما جعلنى أعرفكم.. ولا أريد أن أتعرض لما أرى أنه ليس وقت
ذكر تفاصيله!
يعلم القاصى والدانى أن مصر تمر
بظروف صعبة.. يجوز وصفها بأنها قاسية..أخذتنا إليها سياسات خاطئة.. وقد اخترت أن
أنصرف لتجويد قراءة تاريخ بلادى, وكتابة ما أعتقده مهما ومفيدا للقارئ.. استرحت
لدور "المراقب" معظم الوقت.. اخترت البوح بالكتابة أحيانا حول الأحداث
الجارية.. وقد كتبت فى 17 أكتوبر 2017.. مقالا بعنوان "أسمعك يا رئيس
الجمهورية" أوضحت لكم فيه خطورة الخلط بين عمل الأجهزة الأمنية.. والتنظيمات
السياسية.. نشرت بأمل كبير, فى أن تذهب إلى تصحيح مسار كنت أراه خطرا.. بعدها كتبت
فى 13 فبراير 2020.. مقالا آخر بعنوان "إسمعنى يا رئيس الجمهورية".. وفيه
حذرت من خطورة التقليل من قيمة وشأن عموم الشعب والتحقير منه.. وعلمت أنكم طلبتم
الاطلاع على مقالى من مصدر موثوق جدا لكم وعندى!! وحين بلغنى أن اجتهادى مطلوب
فعلت بأمانة فى صمت, وسلمته لمن أعتقدت أنه عرضه على سيادتكم.. ثم إنسحبت فى هدوء
بعد أن استشعرت ضياع الأمل.. وكل هذه تفاصيل لا تهم الوطن ولا الشعب فى تلك اللحظة
الفاصلة.
تمنيت لو وصلتكم
كلمتى.. وكان الأهم عندى أن أقولها علنا!
رضيت بالابتعاد بعد
إصرار على إبعادي وخنق صوتى.. وكما تعلمون شخصيا.. حرمانى من مستحقاتى عن مدة
خدمتى بعد خروجى للمعاش منذ 5 سنوات.. ومع ذلك اكتفيت بأن أرفع يدى إلى السماء بكل
الشكر, فقد أعطانى ربى أكثر مما خسرت بكثير.. الحمد لله أننى بعيد عن "جوقة
الخداع" وأننى لم أشترك فى جرائم "تزوير الحقيقة" التى ارتكبها
الذين كسبوا الملايين, وخسروا شرف الكلمة والصدق مع الله والنفس والناس.. لكن وطنى
الذى أعيش بين أهله, بلغ حالة تنذر بأخطار, ليس خطرا واحدا, وإذا كان الصمت يجعلنى
فى مأمن.. فهو جريمة لاعتقادي أن القادم يصعب تخيله لغير من يعرفون التاريخ.. ولغير
من يفهمون فى حركة المجتمع.. ولغير من يدركون أن للجغرافيا قيمة.. وهؤلاء زينوا
مسارا, كان واضحا أنه انحرف.. عند اللجوء إلى "تعديلات دستورية" هدفها
إرضاؤكم فقط.. ثم الذهاب إلى إعادة "مجلس الشيوخ" على أرضية أذهلت الذين
راهنوا عليكم.. وبعدها حدث تشكيل "مجلس النواب" بما أسميته وقتها "أتفاق
القصد الجنائى" فى سلسلة مقالات كتبتها ونشرتها بعنوان "نهاية مستنقع وطن"!!
إعتقادى – وقد أكون
مخطئا – أن هذا الطريق, هو الذى جعلنا نصل إلى ما بلغناه من ظلام.. ولعلى أدقق
كثيرا فى انتقاء الألفاظ الهادئة, خشية إطلاق العنان لصراحة قد أدفع ثمنها بما لا
يحتمله سنى أو صحتى.. لكن الحقيقة ضاغطة على العقل والأعصاب, لدرجة تحرمنى من "الصمت
والصبر" خاصة وأننى أتابع قسوتكم على شعب احتمل ما يستحيل تحمله.. وكانت
النتيجة أنه أصبح رافضا لكل ما تبرره "جوقة الخداع" التى تنعم بتجويد
لغة الانحطاط تجاه مجتمع على شفا انفجار محتوم.. لن أخوض كثيرا فى رؤيتى إلى يقين
الناس بأن السياسات الاقتصادية تأخذنا إلى مصالح المغامرين فقط.. لن أتوقف طويلا
أمام محاولة الذين "كذبوا.. وكذبوا" القفز من السفينة.. لا أريد القول
أننا وصلنا إلى نتائج طبيعية لمقدمات, كنتم دائما تعلنون أنها اختياركم وحدكم.. مع
علمى أن الذين يشغلون مقاعد السلطة التشريعية "بصموا على ما تم عرضه عليهم"..
وأن "السلطة التنفيذية" يتحدث أعضاؤها همسا وجهرا بأنهم ينفذون تعليمات
وتوجيهات وأوامر.. فكل هذا سبق أن حدث.. لكن الخطير.. والخطير جدا.. هو اتساع
المسافة بين الشعب وقواته المسلحة, وكل ما كتبته بصدق وأمانة.. يجعلنى أؤكد أن
قواتنا المسلحة أعطت لهذا الوطن دما وشموخا ودفاعا عن تاريخه, بأكثر مما يتحفظ
بعضنا على أفراد منها.. وهو ما يستخدمه من تسمونهم "أهل الشر" للتهليل
بتضاؤل الثقة فى القوات المسلحة.. واسمهم عندي جماعة الإخوان و"الجماعات
المفقوسة عنها" مع رموز الفساد ورجال المال الذين يمصون دم الوطن.. ويعبثون
بتاريخه لدرجة أنهم جعلوا من "خوفو" مطعما يطل على واحدة من معجزات
الدنيا السبع.. وكم كان مؤسفا أن أرى صورة وزير الخارجية يحضر افتتاحه.. ولعلكم
تعلمون, ما سبق أن فعلته الدكتورة "نعمات أحمد فؤاد" وكل مثقفى وفنانى
هذا الوطن.. دفاعا عن "هضبة الأهرام" وقت أن طرحوها فى مزاد رخيص.. إضافة
إلى "مشروع هضبة بولاق" والذى نرى تنفيذه باسم "مثلث ماسبيرو"..
فضلا عن التفريط فى مبنى "ماسبيرو" نفسه!!
لا أخشى على الثقة فى البرلمان –
نواب وشيوخ – وأعرف أن الحكومة تختفى دائما إذا وقعت الواقعة.. لا يشغلنى "أراجوزات
الإعلام".. لأن كل هؤلاء يملكون قدرات فذة على التلون, واستئناف مسيرتهم بعد
أن تدفع البلاد ثمن ما قد تحدثتم عنه من خسائر نتيجة الانفجار.. فالحقيقة أن شعبنا
أعطاكم من اللحظة الأولى ثقة غير مسبوقة, وراهن عليكم بما لم يسبقكم فيه سوى "محمد
على".. أما "جمال عبد الناصر" فيتفرد بالثقة فيه حيا وميتا.. لأنه
كان صادقا وأمينا مع شعبه بقدر صدقه وأمانته مع نفسه.. ولأنه لم يشغل نفسه بكرسى
السلطة, بقدر ما راهن على مكانه فى التاريخ.. وقد فاز بها – منتصرا ومهزوما – لأنه
لم يتاجر فى العاطفة, بقدر استثماره فى العقل والعلم والثقافة والمنطق!!
أخشى فقط من عدم
مراجعة ما حدث.. وأخشى من القادم الذى لو حدث – لا قدر الله – سيكون مذهلا ومرعبا..
أعلم أن إعلان الحقائق صعب.. لكنه كفيل بأن ينقذنا مهما كان الثمن.. كما أعلم أن
الاعتراف بالحق فضيلة لا يملكها غير الشجعان, لأن الهروب إلى الأمام نهايته معلومة..
وإن كان لى من رأى يمكن وضعه فى الاعتبار.. اسمحوا لى بأن أدعوكم لمراجعة المسار, بعيدا
عن الذين شاركوكم المسير فيه.. قبل فوات الأوان.. فهذا أفضل وأرحم من "إنكار
الواقع" الذى يتفق على خطورته أعداء وأصدقاء, مع إدراكى للفرق بين الذين
يرقصون حول النار.. وأولئك الذين يبتهلون إلى الله أن يضيف إلى مكارمه معنا مكرمة
نحن أحوج إليها من أى وقت سبق.. بإنقاذ مصر من القادم الخطير!!
لا أدعى الحكمة.. لا أبحث عن
بطولة.. أرفض بشكل قاطع أى منصب أو مكسب أو مزايا.. أترك كل هذا للذين يستمتعون به
أو يبحثون عنه.. أحلم فقط – وأدعو الله – أن يرحمنا من مصير, كلنا أصبحنا نخافه
ونخشاه.. وقد رأيت الاختصار, لأن الكلام كثير.. اخترت الصدق – وثمنه فادح – لكى
أذهب إلى مصيرى راضيا.. ولو أننى تركت لقلمى العنان يكتب عما أراه بالتفصيل.. لقلت
ما يوجع ويؤلم.. وهذا ليس هدفى إطلاقا.. فكل ما أحلم به أن أعيش أيامى الباقية, دون
أن أرى نارا لن تفرق بين ظالم ومظلوم.. ولا أحب أن أرى فى حياتى, ما سبق أن رأيته
من تداعيات يوم "هزيمة 67".. ولا "انتفاضة يناير 77".. أو "تمرد
الجند فى 25, و26 فبراير 86".. كما لا يسعدنى تكرار سرقة الثورة على الفساد
كما حدث فى "25 يناير 2011".. ولا سرقة الثورة على الإخوان فى "30
يونيو 2013" لصالح من ادعوا أنهم يمثلون "مستقبل وطن".. لأننى كما
قال مواطن تونسى يوما ما "لقد هرمنا".. ولا أحلم بأكثر من أن أغادر
الدنيا فى هدوء.. حتى لا ألقى مصير الذين دفعوا ثمن ما حصل عليه "الذين هبروا"
على حساب "الذين عبروا".. كما قال المقاتل المبدع "جلال عامر"..
الذى مات كمدا!! مع وعد بعدم تكرار فعلتى.. وأن أعود لتجويد "قراءة التاريخ
والصبر والصمت" إن أكرمتنى باعتبار صدقى وأمانتى.. مجرد سذاجة!!
ملحوظة: مرفق لينك
المقالين المشار إليهما: "أسمعك يا رئيس الجمهورية" و"إسمعنى يا
رئيس الجمهورية"
0 تعليقات