آخر الأخبار

كيف يفكر الرئيس؟! " مبارك الأصل 8"

 





نصر القفاص

 

 

حكم "حسنى مبارك" مصر لحظة أن كانت كلمة "ثورة" قد أصبحت سيئة السمعة!!

 

غادر الحكم بعودة "الثورة" كزلزال ضرب العالم العربى!!

 

كان مركز "الزلزال" فى "تونس" تبعه "زلزال مصر" وامتدت التوابع شرقا وغربا!!

 

أتذكر واقعة لعلها تمثل مفتاحا مهما, قبل أن تلقى نظرة من أعلى لتجربته.. فهى واقعة كاشفة لتفكير رئيس جلس على مقعد المسئولية ثلاثين عاما.. فقد شاءت ظروف أن أتعرف على اللواء طيار "مصطفى الحفناوى" الذى شغل موقع قائد سلاح الطيران عقب النكسة – هزيمة 67 – لأنه فكر فى أن يكتب مذكراته.. وافقت على طلبه بصياغتها خلال لقاء تعارف جمعنا فى "دار الدفاع الجوى".. وشرعت فى العمل بحماس منقطع النظير.. تكررت جلساتى معه بمنزله.. رحت أسجل شهادته.. فجأة طلب منى أن نتوقف, مع تعهد من جانبى باعتبار ما سمعته منه سرا.. كان قد وافق على اقتراحى بأن يكون عنوان مذكراته "عبد الناصر أستاذى.. ومبارك تلميذى"!! وفيما يبدو أننا كنا "على الهواء", وتم كشف ما يقال بفعل الرصد الأمنى!! حافظت على عهدى مع الرجل, فلم أبح بأى مما دار بيننا.. ولكن بقى شىء يمكننى البوح به فهو ليس سرا.. فقد ذكر لى أنه كتب ثلاثة تقارير سرية للضابط "حسنى مبارك" منحه فيها امتياز فى كل خانات التقييم.. وفى خانة الملاحظات كتب عبارة لم تتغير – ثلاث مرات -: "ليس لديه قدرة على الخلق والابتكار"!!

 

كانت العبارة مؤهل اختياره نائبا لرئيس الجمهورية!!

 

تولى النائب "حسنى مبارك" موقعه, الذى فرض إزاحة كل من يكبرونه من قادة حرب اكتوبر.. وشاءت الأقدار أن تسقط طائرة تحمل "المشير أحمد بدوى" مع قادة آخرين, قبل أن يصبح رئيسا بعدة أشهر!! كما شاءت الأقدار أن يقوم "أنور السادات" بتعديل دستورى يسمح باستمرار الرئيس "مدد أخرى" بدلا من مدتين!! بعدها ضحكت له الأقدار يوم أن تحول احتفال ذكرى حرب اكتوبر, إلى يوم اغتيال "السادات" لتستمر الأقدار تضحك له.. حتى جاء اليوم المحتوم!!
كانت ديون مصر قد تجاوزت بقليل 30 مليار دولار.. وكان عليها أن تسدد 2,9 مليار دولار كفوائد – خدمة ديون – بما يفرض ضرورة إعادة النظر فى السياسات الاقتصادية.. إلتقط الرئيس الجديد – مبارك – هذا الخيط فذهب إلى الدعوة لمؤتمر اقتصادي.. رفع شعارات "نظافة اليد" و"الكفن ما لوش جيوب" وأعلن رفض "النفاق الاجتماعي" وحرص على أن يظهر بملابس بسيطة.. وردا على سؤال لأحد المراسلين الأجانب عن توجهاته السياسية والاقتصادية.. وهل ستكون على طريق عبد الناصر أم السادات؟!.. أجاب قائلا: "أنا إسمى حسنى مبارك"!!

 

إنعقد "المؤتمر الاقتصادي" فى فبراير عام 1982, وانتهى إلى ضرورة إطلاق خطة خمسية, تستهدف الاعتماد على الذات وتنمية قدرات البلاد الاقتصادية مع تجنب الديون.. أكد الذين شاركوا فى المؤتمر أن مصر يجب أن ترفع سقف التحدى لتصل إلى معدل نمو سنوى يصل إلى 8% للخروج من عنق الزجاجة.. أعلن "مبارك" أنه سيتبنى هذه "الروشتة" لعلاج الاقتصاد!!

 

أضاءت "اللمبات الحمراء" فى "واشنطن" و"الخليج" عبر "إسرائيل" التى انزعجت!!

 

عادت كلمة "تخطيط" وعبارة "خطة خمسية" وحديث "التنمية" وكلها معان ذات دلالات خطر على إسرائيل والغرب وأتباعهم.. نشطت "الدبلوماسية السرية" لاستيعاب النظام الجديد.. أدركوا أنه يعانى عبء ديون ضخمة تفرض عليه تسديد 2,9 مليار دولار كفوائد ديون فقط.. فهموا حاجته إلى دعم لمواجهة معارضة دعاها إلى المصالحة, فراحت ترفع صوتها ضد التبعية للولايات المتحدة الأمريكية وتلعن "السلام" مع إسرائيل.. تم فتح ملفات الفساد عبر صحف حزبية جذبت أنظار الرأى العام – الأهالى والوفد والشعب والأحرار – فبدا الأمر كما لو كانت عجلة الديمقراطية ستدور.. أصبح ضروريا مساعدة الرئيس الجديد – مبارك – للتعافى من "الصداع السياسى" أولا, وإنعاش اقتصاده ثانيا.. عرضوا عليه إصلاحا سياسيا يخلصه من المعارضة, مقابل إصلاح اقتصادى يقلل من تململ الرأى العام.. أشاروا على دول الخليج أن تفتح معه قنوات اتصال.. تولت "السعودية" و"الكويت" المهمة.. بدأ الحديث عن عودة مصر للحظيرة العربية وهو التعبير الذى راج وقتها.. عرض الرئيس الذهاب إلى الشعب بإجراء انتخابات برلمانية وفق قانون جديد.. كانت خطة إشغال انتهت إلى انتخابات بالقوائم النسبية, سمحت لجماعة "الإخوان" أن ترفع شعار "الإسلام هو الحل" الذى حظى برعاية خليجية.. أصبح مطلوبا التخلص من الدكتور "فؤاد محيى الدين" الذى أمسك بخيوط اللعبة.. لم يتحمل الرجل حجم الضغط عليه فسقط على مكتبه راحلا عن الحياة!!

 

أدرك "مبارك" أن "الكر والفر" هو السلوك الأمثل للتعامل مع أطراف اللعبة داخليا وخارجيا.. أطلق العنان للدكتور "كمال الجنزورى" وزير التخطيط لكى يتحدث عن أن مصر تعرضت لإغراء الديون من جانب الدول الصناعية.. شرح أسباب ذلك وأنه كان لمصلحتهم لأنهم كان لديهم فائض مال, كما كان لدى دول الخليج البعيدة عن مصر إستجابة لدول الرفض!! فهمت "واشنطن" ودول الغرب الرسالة.. عرضت تمويل مشروعات مثل: "الصرف الصحى لمدينة الإسكندرية" فقدمت قرضا, فازت فيه مكاتبها الاستشارية بأكثر من النصف – 59,5% - وعرضت قرضا لمشروع "تطوير قناة السويس" لتحصل المكاتب الاستشارية الأمريكية على 43,3% من قيمته.. وهكذا كانت القروض كلها.. يصل منها لمصر النصف أو أقل, ويذهب النصف أو أكثر لهيئات ومؤسسات أمريكية.. قدموا قرضا لتطوير صناعة النسيج فى "المحلة الكبرى" و"كفر الدوار" وأغدقوا فى تمويل مشروعات البنية الأساسية لتحقق مصر "التنمية المستدانة" التى تحولت إلى أهم وأكبر أبواب الفساد.. وكلها مشروعات تجدد الحديث عنها مؤخرا!!

 

كان "حسنى مبارك" حذرا فى سنوات حكمه الأولى.. ربما لأن شبح نهاية "السادات" كان ماثلا فى ذهنه.. بمرور السنوات غادر هذا "الشبح" ذاكرته.. أخذته صدمة 25 و26 فبراير عام 1986, عندما تمرد "الأمن المركزى" فاضطر لإعلان "حالة الطوارئ" وطلب نزول "الجيش" لحفظ الأمن.. تخلص بعد الصدمة من وزير الداخلية – أحمد رشدى – وخطط للتخلص من المشير "عبد الحليم أبو غزالة" وزير الدفاع!! إستعان بما كان معروفا عنه "شلة باريس" التى كان يقودها الدكتور "عاطف صدقى" رئيس الوزراء ليتولى تنفيذ برامج "الإصلاح الاقتصادى" التى أصبحت مرضا مزمنا فى جسد الوطن.. كان الدكتور "رفعت المحجوب" يقود "مجلس الشعب" باعتباره الأكثر قدرة على التعامل مع معارضة مازالت تتمتع بحيوية وتملك صوتا مؤثرا فى الشارع.. وكان كل هذا "تكتيك" حتى يتمكن من مصادرة الحريات وتهميش البرلمان خاصة بعد اغتيال "المحجوب" ثم نجح فى حبس الأحزاب داخل مقراتها.. أطلق يد جماعة "الإخوان" لإرضاء دول الخليج و"واشنطن" فترك لهم النقابات والجامعات!!

 

ظهر النظام العالمى الجديد.. إنهار الاتحاد السوفيتى.. بدأ حصار "العراق" بعد أن دخل "مصيدة احتلال الكويت".. وضرب الإرهاب "الجزائر".. وبقيت "سوريا" تعانى تورطها فى "لبنان" بعد اتفاق "الطائف"!! وصرف "مبارك" النظر عن الاكتراث بالديون التى راحت تتضخم لتصل إلى 47,6 مليار دولار, وتفرض تسديد ستة مليارات دولار سنويا لخدمة الدين فقط!!

 

جاءت لحظة مقايضة مصر على قرارها السياسى!!

 

عرضت السعودية والكويت والإمارات دعم "مبارك" بمبلغ 4,8 مليار دولار مقابل موقف مصر تجاه حرب الخليج.. أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية الإعفاء من 13,7 مليار دولار عبر "نادى باريس" لتنحفض الديون إلى 24 مليار دولار بنهاية عام 1994.. لكنها عادت لترتفع من جديد فوصلت إلى 29,4 مليار دولار عام 2004, وقت انطلاق "خطة التوريث" لتمكين "مبارك جونيور" مع مجموعته من مفاصل الدولة!!

 

استمرت فترة حكم "مبارك الأصل" حتى منتصف التسعينات!!

 

بدأت فترة حكم "مبارك الصورة" وقت أن دخلنا فى "أزمة سلطة شاخت فوق مقاعدها" كما وصفها "محمد حسنين هيكل" لحظة أن دق ناقوس الخطر مبكرا.. رفض "مبارك الأصل.. والصورة" أن يسمعا غير صوت "حلم التوريث" الذى زينته "شلة جديدة" جامحة.. طامحة فى أن يكون أعضاؤها رجال الحاكم القادم.. ظهر "يوسف بطرس غالى" و"محمود محيى الدين" و"زياد بهاء الدين" مع "على الدين هلال" و"حسام بدراوى" و"أحمد المغربى" و"زهير جرانة" و"رشيد محمد رشيد" و"أنس الفقى".. وكلهم التزموا بتنفيذ ما تشير به عصا المايسترو "أحمد عز" فى حفل زواج المال بالسلطة!!

 

الفاسد لا ينتعش دون هواء الإسلام السياسى!!

 

جماعة "الإخوان" على استعداد لتأمين الفساد, حتى تتمكن فى الوقت المناسب!!

 

كانت مصر تعانى من "إدمان الديون" فأصبح محكوما عليها أن تسلم إرادتها للولايات المتحدة الأمريكية.. ظهر "رجال واشنطن" بجرأة وعاثوا فى البلاد فسادا.. أعطى ذلك نفسا للذين خططوا لشغل مكانها, وراودتهم أوهام انتزاع مكانتها.. بدأ صراعا على الفوز بالمكانة فى قطر والإمارات والسعودية, ولعبت الكويت والبحرين من خلف الكواليس.. بينما ابتعدت "سلطنة عمان" التى تنأى بنفسها عن صراعات منطقة الخليج.. إختارت "قطر" أن تكون "قناع واشنطن" فى ترويض تيارات الإسلام السياسى.. راهنت السعودية والإمارات على علاقتهما بجماعة "الإخوان".. واحتفظت "الكويت" بورقة "السلفيين".. واعتقد الجميع أن خطة تمكين "مبارك جونيور" ستحقق ما أرادوه لأنهم جميعا راهنوا على أن الشعب رفع "الراية البيضاء"!!

 

 كيف يفكر الرئيس؟! " السادات " (7)

إرسال تعليق

0 تعليقات