آخر الأخبار

(الجزء الثالث) رحلتى إلى رواندا : دروس وعبر


(الجزء الثالث)


رحلتى إلى رواندا : دروس  وعبر







ماجدة سعيد


كتبت فى الجزئين السابقين -  الأول – والثاني - لمحات سريعة عن (رواندا) من ناحية جغرافيتها وتاريخها ثم تطرقت لتاريخ الحرب الأهلية وأسبابها ، وكيف كان اللعب على وتر العنصرية العرقية والفروق الثقافية والاجتماعية من الحكومة وبعض الأحزاب المؤيدة لها –وكذلك من القوى الاستعمارية التي رأت فى استمرار الشقاق أسهل الطرق لاستمرار سيطرتها – رغبة فى الاستئثار بالسلطة وإقصاء الطرف الآخر المعارض، فكان الثمن اشتعال تلك الحرب المجنونة التي أتت على الأخضر واليابس.
كدت ألا أكتب هذا الجزء الأخير ،فقد شغلنا جميعا بهموم الوطن ، ومحنة الثورة..ولكنى تذكرت أن مادفعنى إلى الكتابة فى الأساس هو عرض تجربة تاريخية لدولة دمرتها الحروب بسبب الانقسامات..وهى تجربة لسنا بمنأى عنها ولا أرجو لأي بلد فى العالم أن يعيشها..وأرجو أن يحفظ الله مصر من الدخول فى دوامة النزاعات . التي تقود إلى دمار محقق.
خرجت رواندا من الحرب فى حالة دمار شامل فبالإضافة إلى مقتل مايزيد على المليون شخص فى الحرب الأهلية، قضى الآلاف نحبهم بعد الحرب بسبب الأمراض المنقولة من مياه الأنهار والتى ألقيت فيها مئات الآلاف من الجثث، وتعطل الإنتاج،وأضيرت البنية التحتية ودُمرت المحاكم والسجون ، وقتل أغلب أعضاء الهيئة القضائية وتأخرت بالتالي محاكمات مرتكبي جرائم الإبادة والذين بلغ عددهم 100,000 تقريبا .

كانت أولويات الحكومة تحت رئاسة الرئيس (بول كاجامى)- وهو من التوتسى وكان أحد قادة (الجبهة الوطنية الرواندية) وتولى الرئاسة عام 2000 – الاهتمام بالصحة،والتعليم ،ومحاكمة المسئولين عن جرائم الإبادة.
تم إنشاء نظام (العدالة التشاركية) أو القضاء الوطني، وباللغة المحلية اسمها ( غاتشاتشا) وهى محاكم شعبية مشكلة من قضاة تنتخبهم المجتمعات المحلية. وقد أنشأ مجلس الأمن فى نوفمبر 1994 المحكمة الجنائية الدولية لرواندا ومقرها أروشا بتنزانيا.
· إصدار قوانين صارمة ضد الفساد والحكم الفوري في قضايا الرشوة مع تشديد العقوبات فيها، وتطبيق الأحكام على الجميع بمن فيهم الوزراء ورجال الدولة. والقانون يلزم كل من يتولى منصبا عاما أن يقدم إقرارا بذمته المالية ،وتتحقق الجهات المسئولة من ذلك.
· الاهتمام بالمرأة باعتبارها شريك فى التنمية ،والدولة تفتح المجال لتوليها المناصب القيادية حسب كفاءتها،وهناك 7 وزيرات منهن وزيرة الصحة،ووزيرة الخارجية ووزيرة الشئون الاجتماعية .كما تم إصدار قوانين وعقوبات مشددة ضد التحرش بالنساء تصل عقوبتها للسجن ثلاثين عاما، خاصة بعدما تم اغتصاب مابين 150000 إلى 250000 امرأة أثناء الحرب !
· تم وضع نظام صارم لمساءلة جميع أصحاب المناصب العامة عن أدائهم ، ونتج عن ذلك التحسن الواضح فى تحقيق (الأمن الغذائى) ، وتخفيض وفيات الأطفال والأمهات ،وتحقيق نقلة نوعية لعدد مليون من السكان من حالة الفقر فيما بين عامى 2006 و 2011 ،كما تم تخفيض معدل المواليد.

· تم إنشاء شبكة طرق سريعة بين كل أنحاء رواندا خلال السنوات الخمس الأخيرة.

· تم فتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية خاصة فى مجالات البنوك - شركات التأمين – الاتصالات- النقل –والتخزين - العقارات –التعليم والصحة-التجارة-الفنادق والمطاعم.
· تم توحيد بطاقات الهوية ومنع أي إشارة للانتماء العرقى فيها، أو فى الإعلام أو أماكن العمل.

ومن خلال مشاهداتى الشخصية ،كان معنا صديق من دولة عربية..أراد أن يبدأ نشاطا استثماريا فى رواندا..وبدأ بالفعل فى تقديم طلبه مشفوعا بالمستندات الرسمية التى تشترطها الحكومة، ولم يمض سوى أسبوع واحد إلا وكانت شركته قد ووفق عليها..وحسابه البنكى قد تم اعتماده وكل ذلك تم دون أن يدفع مليما واحدا رشوة أو كما نسميها (تسهيلات) من وراء الشرعية.
ومن القصص المعروفة أن أحد الوزراء منذ سنوات قليلة قبل (عمولة) فى إحدى الصفقات الحكومية الاقتصادية، وانكشف أمره، وحوكم بالسجن ثلاثين عاما..ومازال يقضى عقوبته..فلا تفريق فى تطبيق القانون بين غفير و وزير.



تزايدت استثمارات الهنود فى مجال زراعة الشاى والبن - وهو محصول التصدير الرئيسي- وبدأ الأتراك فى الاستثمار فى المجال السياحي...والاستثمار العقاري ودخل بعض الصينيون واللبنانيون بمجال إنشاء المطاعم الفخمة والمقاهي السياحية..
وأكثر ما أثار دهشتي وإعجابي مالمسته من نظافة فى الشوارع الرئيسية والجانبية وحتى فى القرى، لم تلتقط عينى أية (كومة زبالة)..أو أوراق مبعثرة فى الطريق..حتى بالرغم من كل تلك الأمطار الغزيرة جدا - لاتنس أن رواندا تقع جنوب خط الاستواء مباشرة- فالشوارع تبدو خلال دقائق بعدها نظيفة لامعة لاتوجد بها أى (برك) مياه كما هو عندنا مثلا..وذلك بسبب نظام الصرف الدقيق لمياه الأمطار على جانبى الشارع الممهد والمخطط بعناية..والذى تتولى نظافته عاملات تستأجرهم المجالس المحلية للأحياء ليقمن بالنظافة من السادسة صباحا !!




ومما أذكره بانبهار فى هذا المجال..أننا كنا قد اتفقنا على الخروج لرحلة صباح يوم سبت..وعندما وجدت أن أحدا لم يبدأ بعد فى استعدادات الخروج وكانت الساعة تقريبا العاشرة ، فقالوا لى أن اليوم هو السبت الأخير فى الشهر، وهو يوم مخصص على مستوى الجمهورية كلها للنظافة من الساعة الخامسة صباحا وحتى الحادية عشرة صباحا..ولايسمح فيه لأى سيارة بالسير فى الشوارع قبل انتهاء الوقت المحدد إلا لحالات طارئة يؤخذ فيها إذن رسمى..وكل المواطنين يشاركون فى نظافة أحيائهم بمن فيهم رئيس الجمهورية نفسه!!!!!
 وتجرى مسابقات بين الأحياء فى النظافة والتجميل لكل حى !!!!
وللحفاظ على البيئة.. والصحة العامة ، ممنوع منعا باتا استخدام الأكياس البلاستيكية فى تعبئة أي شىء..وإذا استخدمتها لحمل أشياء تخصك..يتم سحبها منك فورا ولو كنت فى الطريق..المصرح به فقط العبوات الورقية... ...
والحكومة تعمل جاهدة لمحو كل إشارة للتفرقة العرقية ، فغير مسموح لأي فرد ذكر انتماؤه العرقى سواء شفاهة أو فى أوراق رسمية .
والنظام السياسي للدولة رئاسي ،وتتشكل الحكومة من 5 أحزاب رئيسية (حكومة وحدة وطنية) ،ويتكون البرلمان من غرفتين: مجلس النواب ،و مجلس الشيوخ.
وسأركز هنا على وضع المرأة فى البرلمان :

1- مجلس النواب وبه 80 نائبا ،وأوى وظائفه مراقبة أداء الرئيس وأداء الحكومة ،مخصص به عدد 24 مقعدا للمرأة ، و مقعدين للشباب، ومقعد لذوى الاحتياجات الخاصة. أما ال 53 مقعدا الباقية فيتم الاقتراع عليها بنظام التمثيل النسبى ، وبهذا وصل عدد تمثيل المرأة فى البرلمان إلى 45 نائبة أى بنسبة 56 % وهى أعلى نسبة فى إفريقيا كلها (وربما فى العالم).
2- مجلس الشيوخ وبه 26 (سناتور) ويتم انتخابهم من عدد من مؤسسات الدولة ،وتصل نسبة النساء فيه إلى 30 % ،ومدته 8 سنوات.
أما القضاء فهو مستقل ،والنظام القانوني يشبه كل من النظامين الألماني والبلجيكي.
خاتمة :
بقى أن نعرف أن تعداد السكان يبلغ 11 مليون و700 ألف نسمة،ونسبة الأمية تصل إلى 60% ،وأن اللغات الرسمية هى اللغة المحلية (كيناروندا) والفرنسية والإنجليزية ،وتسعى الحكومة لتعميم الإنجليزية خاصة بعد انضمام رواندا لدول الكومنولث.
ويعتنق حوالى 93% من الروانديين المسيحية ، والمسلمون نسبتهم 1.8% .
وقد دخلت المسيحية البلاد مع دخول المستعمر الأوروبى إليها فى القرن 19 ، ودخل الإسلام رواندا عن طريق التجار المسلمين والطرق الصوفية بالإضافة إلى المسلمين المهاجرين، ومرت الجالية المسلمة بمراحل صعبة في رواندا فأيام المستعمر البلجيكي نالت أبشع أساليب التعذيب بل ومحاربتها في أقواتها، وحاول التفرقة بينها بزرع الفتن والأحقاد فقد كان يمنع الأسر المسلمة من السكن متجاورين لدرجة أنهم كانوا لا يسمحون لثلاث أسر مسلمة بالسكن متجاورة فإذا خالفوا ذلك أصر المستعمر على تبديد بيوتهم وتشريدهم وقتلهم لذا كان المسلمون يؤدون شعائرهم في الخفاء والسر .وقد ارتفع قدر المسلمين فى الأنظار بسبب عدم مشاركتهم فى الحرب الأهلية ، وقد أشار بحث قدمه مستشارون فى الأمم المتحدة عام 2005 إلى ذلك،وكانت أحياء المسلمين ملاذا للتوتسى الفارين من القتل ، فكان المسلمون يخبئونهم فى بيوتهم. مما جعلهم محل تقدير من قبل الحكومة فأعطتهم حقهم واعترفت رسميًّا بالإسلام في مرسوم جمهوري خاص وهكذا...انتهت رحلتي إلى رواندا ..الأرض التى ينبع منها نهر النيل ويمنح خيراته لعشرة دول هي دول حوض النيل وهى:
بوروندى،رواندا،الكونغو،أوغندا،تنزانيا،كينيا،إثيوبيا،إريتريا،السودان،ومصر. ومع ذلك فقد ظلت من أفقر دول العالم بسبب الاستعمار،ثم الحروب الطاحنة نتيجة الانقسام ...وهاهى تحاول بناء نفسها من جديد ...















#


إرسال تعليق

0 تعليقات