محمود جابر
بعد أن أوضحنا فى عدة مقالات سابقة معنى الإسلام وحقيقة والتي
جهلها على المؤمن وإخوانه من أنصار وكتاب جماعات الإسلام السياسي، وقلنا أن الإسلام
هو التسليم لله تعالى ولوحدانيته والإيمان باليوم الأخر ... وفقا للتعريف سيدنا إبراهيم
وإسحاق ويعقوب وموسى والمسيح عيسى ورسولنا محمد وكذلك ما ورد فى التعريف لسيدنا الإمام
على .
اليوم نعيد للقارئ مفهوم العلمانية التي اعتبرها المؤمن وأمثاله
دينا، يستعيذ بالله منه ومن الكفر!!
وقد سبق ان قلنا أن العلمانية لا علاقة لها بالدين أو ليست ندّا له
ولا بديلا عنه، وهي غير قائمة على الحق الإلهي ولا على قاعدة مقدسة لفهم العالم
وإدراكه.
فـ (الناسوت) أو (عالم الشهادة)، نفهمه بأدواتنا التي نملكها، وما
يصاحبها ويعتريها بالضرورة من ذكاء وخبرة وتجارب وأهواء، وسموّ ومصالح وخطأ
وصواب.. ما يجعلها دائما ليست يقينية وعرضه للمراجعة والتصحيح، ويجعلها أيضا
نسبية؛ بمعنى أنها أفضل ما توصلنا إليه في هذه اللحظة، أو بالنسبة لما نعرفه
ونشاهده. وبذلك، فإن العلمانية ليست في حال جدل أو اختلاف أو اتفاق مع الدين.
(العلمانية) ليست رجسا من
عمل الشيطان، ولا شىء يستوجب أن نستغفر الله تعالى منه، ولكن للأسف الشديد فإن أنصار
الإسلام السياسى نجحوا فى أن يجعلوا منه مصطلحا منبوذا عبر ابتذاله وتشويه مضمونه
ومنهجه، حتى أصبحت العلمانية مرادفا للكفر والإلحاد ورفض شرع الله تعالى والدعوة
الى الانحلال.
بيد أن العلمانية ليست سوى تنيظم سياسى واجرائى للمجتمع مما يجعل
الدولة لا تتمتع باى سلطة مقدسة او دينية، ولا تمارس دور الواعظ أو الراعى للدين أي
دين...
ووفقا لذلك نقول أن العلمانية هى التى تجعل الدولة ذات موقفا
حياديا من الدين بشكل عام، ولا تدعى انها تمثل الدين الفلانى، على الإطلاق.
والعلمانية هى التى تغل يد رجال الدين فى التدخل فى الشأن العام،
ولا ترعى دينا على حساب دينا آخر فالكل المواطنين سواء، وهذا ما يتفق مع اعتقاد
المسلم وان الدين لله، وأن الله وضع الأرض للأنام ... جميعا فهم جميعا شركاء فى كل
شىء وشركاء فى حق الحياة .
ومن هنا فإن علمانية الدولة تضمن حق الاعتقاد وممارسة الشعائر لكل
مواطن ان يعتقد ما يشاء وان يمارس عبادته كيفما يشاء دون ان ترغبه الدولة فى دين أو
مذهب، ولا ترعى الدولة الشأن الديني أو المذهبي حتى لا يتفوق أنصار دين على دين آخر
أو دعاة مذهب على مذهب آخر اى ان الدولة تلتزم الحياد وتنهى حالة الاحتقان الديني والمذهبي
ولا ترعى هذا الصراع، فالدولة ليس دورها الدخول الى قلوب الناس أو التفتيش فى
عقائدهم، بل الدولة ترعى سلوك الناس الواضح الفعلي المادي الذى يؤثر سلبأ أو
إيجابا وفقا للقانون الذى اتفق عليه الجميع .
ومن هنا نؤكد مجددا ان العلمانية ليست دينا أو مذهبا أو ايدولوجيا،
ولكنها آلية لبناء النظام العام والقانون العام، والتعايش السلمى بعيدا عن
الاحتقان أو الاحتراب المذهبى أو ادعاء جماعة دينية أو عرقية بأنها أكثر تفوقا على
الجماعة الأخرى، أو ان لها حقوق أكثر تمييزا من الآخرين، فالعلمانية أيها السادة
لا تلغى الدين أو تستبعده بقدر ما تفسح المجال العام للجميع وتفصل بين العام، ولا
تتدخل فى الشأن الخاص .
العلمانية طريقا ومنهجا يحول بين جماعات الإسلام السياسي وبين
استغلالهم لمشاعر البسطاء عبر تعبئتهم بخطاب دينى يحض على الكراهية والبغض
والتمييز بين المواطنين، لهذا يراها أنصار الإسلام السياسى كفرا لأنها تغل أيديهم
عن استغلال الدين من اجل أهدافهم السياسية ومآربهم الشخصية، ولهذا فإن العلمانية
ليست سلوكا فرديا، بل هي منهج بناء نظام وأدوات إجرائية، لهذا فمن الخطأ الفادح
والخلط الممجوج ان تقول ان فلانا علمانيا، وفلانا دينيا!! إذ لا يوجد شخص علمانى
لان العلمانية إجراءات تنظيمية لبناء الدولة وليس سلوكا او اعتقادا يميز شخصا عن
آخر
يتبع
0 تعليقات