آخر الأخبار

العراق و حركة تموز 1958م (7) الأخيرة









العراق و حركة تموز 1958م (7) الأخيرة

محمود جابر

هذه هى الحلقة الأخيرة للتأريخ لثورة تموز 1958م، بدأت بخلفيات تاريخية شملت البيئة العراقية ونظام الحكم والتحالفات، وقيام حركة الضباط الأحرار، ثم فشلها، ثم إعادة بناءها بدعم مصرى حتى قيام الثورة، ثم نجاحها، ورأينا كيف تفرد عبد الكريم قاسم بالسلطة دون مجلس قيادة الثورة، وكيف ان علاقاته مع بريطانيا، عكسها الكتاب فى صورة غيرة وحسد لعبد الناصر، وكيف تم تفسير العديد من السلوك المبهم بشكل سطحى . عرضنا ردود الأفعال العربية لسلوك قاسم وسلطته واليوم نحن مع نهاية ... وغن أحسنت ان تقول بداية جديدة للثورة تمثلت فى حركة 8 شباط .
تحرينا فى هذه الحلقات منتهى الحياد العلمى والتأريخى من مصادر متعددة يطول ذكرها ولكننى اعتقد أنى وضعت أمام القارئ الكريم قصة هذه الثورة كاملة .




حركة 8 شباط وسقوط حكومة عبد الكريم قاسم

تحالف عدد من القوى السياسية والعسكرية من أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين لحركة تموز 1958 كالتيارات المختلفة لحزب البعث وبعض التنظيمات والشخصيات القومية والمستقلة، مع بعض الشخصيات العسكرية من الأعضاء السابقين لتنظيم الضباط الوطنيين لحركة 14 تموز 1958 والذين أعادوا تفعيل التنظيم مجددا وقيادات عسكرية أخرى من المعارضين لسياسة عبد الكريم قاسم، وقامت بحركة لقلب نظام الحكم في 8 شباط 1963، وأصبح المشير عبد السلام عارف رئيسا رمزياً للجمهورية واللواء أحمد حسن البكر أحد زعماء حزب البعث البارزين رئيساً للوزراء. وتم تشكيل محكمة خاصة عاجلة كان لتيار علي صالح السعدي المتشدد في البعث أثره في إصدار أحكام الإعدام برئيس الوزراء عبد الكريم قاسم ورفاقه.


تقييم حركة 1958

غية تقييم الدروس المستخلصة من قيام ثورة 1958 وأدائها والمنجزات التي حققتها والإخفاقات المحسوبة على أدائها لابد من الرجوع إلى الإطار النظري الذي تضمن مبادئ تنظيم الضباط الوطنيين " أو الأحرار" ومقررات محاضر جلساته حول ما المطلوب من "الثورة" وماهي سياسة الجمهورية العراقية داخليا وخارجيا. ومن الذي سيحكم العراق وما هي معايير الحكم.

لتقييم حركة 1958، لابد من وقفة استباقية لتقييم أداء الحكم الملكي، ومن ثم التعرف على حيثيات الأحداث والغطاء الشرعي للحكم الجمهوري، وهل من الضرورة أساسا قيام الحركة أم لا. بعد ذلك يمكن الدخول في موضوع تقييم حركة 1958 وأدائها.

فالحكم الملكي ومنذ تأسيسه كان يحمل بين جنباته النقيضين النزعة الوطنية من جهة وممالأة النفوذ البريطاني والمستعمر السابق ذو اليد الطولى في العراق والمنطقة من جهة ثانية. ويتجاذب هذان النقيضان استناداً لأهواء هذا الملك أو ذاك أو انتماءات وبرامج هذه الوزارة أو تلك.، وعلى هذا الأساس يمكن تقسيم فترة حكم النظام الملكي إلى حقبتين متعارضتين في التوجهات السياسة والعقائدية والبنى الإستراتيجية. فتمثلت الحقبة الأولى- أو المملكة العراقية الأولى بكونها فترة تأسيس الدولة العراقية بالنزعة الوطنية وحركة لبناء والعمران المتسارعة، فقد عرف الملك فيصل الأول 1921 – 1933 برجاحة عقلة ودبلوماسيته في سياسته الداخلية والخارجية خصوصا مع الإنجليز إلا أن توجهات الملك غازي الأول 1933 – 1939 الوطنية والأكثر صرامة ومن ثم وزارة رشيد عالي الكيلاني باشا 1941 المناهضة للمد البريطاني.



أما الحقبة الثانية – أو المملكة العراقية الثانية، فتتمثل في مرحلة ما بعد خروج القوات البريطانية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وإسقاط حكومة الإنقاذ برئاسة الكيلاني باشا. حيث استهلت بتشكيل نوري السعيد باشا لوزارته بوطنيته من جهة وولائه للحكومة البريطانية من جهة أخرى، وتميزت هذه الحقبة بولاية الوصي على العرش سمو الأمير عبد الإله الهاشمي ومن بعده الملك فيصل الثاني.حيث اتسمت حركة التنمية بوتيرة منخفضة، فسادت أجواء التخلف وتباطوء حركة البناء والعمران تحول الحياة السياسية إلى حالة من الركود حيث انتابت الحركة النيابية الجمود وأصبح البرلمان لعبة بيد مراكز القوى السياسية كنوري السعيد وعبد الإله، أما الأحزاب والقوى الوطنية فقد انحسر دورها، وطفت على السطح الأحزاب الشكلية الخاوية من إيديولوجيات أو برامج العمل. كما اتهم الحكم الملكي باضطهاد الأحرار والوطنيين من قادة الثورة الوطنية في مايو / آذار 1941 وإصدار أحكام الإعدام بحقهم، وربط العراق بأحلاف سياسية ومعاهدات جائرة مع بريطانيا مست سيادته وهدرت ثرواته الوطنية، دون النظر إلى المصلحة العراقية الوطنية. كما كانت تتهم حكومات وزعامات الحكم الملكي بفساد النخبة السياسية من غير الملك وعائلته، وانتشار المحسوبية والفساد الإداري والمالي. وكذلك يؤخذ على الحكم الملكي عدم حل المشكلات الداخلية كالتلكوء بمنح الأقليات الحقوق الثقافية، على الرغم من الإسهام السياسي الواسع للأقليات العرقية والطائفية في الحكم.

وعلى الصعيد الخارجي أثرت السياسات والصراعات الداخلية على المواقف العربية، فبدأ الحكم الملكي يتخذ مواقف هدفها تنفيذ المصالح البريطانية في المنطقة على حساب مصالح بعض الدول العربية كعدم الجدية في الوقوف مع القضايا العربية التي تمس الأمن الوطني العراقي كإنشاء "إسرائيل" على أرض فلسطين وخسارة الحرب الفلسطينية الأولى عام 1948، على الرغم من المشاركة الواسعة والفاعلة للجيش العراقي، إلا أن تدخل الحكومات قوض النصر الحاسم في المعركة.، وكذلك عدم الجدية بالوقوف مع مصر في العدوان الثلاثي عليها وحملة العداء على سوريا والتوتر مع السعودية.

اتفق الضباط الوطنيين على جملة مباديء تم صياغتها في ميثاق العمل الوطني من أهمها ،تشكيل مجلس السيادة ليترأس الدولة بصورة مؤقتة، يتمتع بسلطة رئيس الجمهورية وبكامل صلاحياته، ريثما يتم استفتاء الشعب وخلال ستة أشهر لانتخاب منصب رئيس الجمهورية ويضم أعضاء من تنظيم الضباط الوطنيين وعضوية شخصيات وطنية.

واهم المبادئ التي اقرها التنظيم هي، ضرورة إعلان الجمهورية وإلغاء الملكية وتشكيل حكومة من الضباط والسياسيين الوطنيين من مختلف الفئات والتيارات الممثلة للمجتمع العراقي وكذلك إعلان تشكيل مجلس تشريعي يدير البلاد باسم المجلس الوطني لقادة الثورة ويكون في عضويته تنظيم الضباط الوطنيين وإعلان حل مجلسي النواب والأعيان والدعوة لانتخابات برلمانية جديدة لانتخاب أعضاء جدد للمجلسين إضافة إلى فسح المجال للأحزاب الوطنية بالعمل على والتمسك بالوحدة الوطنية العراقية الكاملة لكافة الأعراق والطوائف والقوميات بشكل متآخي من خلال منح حقوق جميع فئات الشعب الحقوق الثقافية كما أكدوا على مبدأ الأخوة مع الدول العربية والإسلامية.وأعلنوا بان العراق يسعى إلى تحرير اقتصاده من خلال تأميم ثرواته وخصوصا النفطية وان العراق دولة من دول عدم الانحياز ولا يتكتل أو يتحالف مع أي من القوى العظمى ومناهضة المد الشيوعي التواق للهيمنة على العالم سياسيا واقتصاديا كما أعلن قادة الحركة بان الجمهورية العراقية تكفل حرية العمل الصحفي وذلك بمنح الصحف والأجنبية المحلية بالعمل.كما يحترم العراق حق الأديان ويعتبر الإسلام أساس التشريع في الدولة والقانون.


وعند الاطلاع على مقدار ما تم تحقيقه من لتلك المبادئ التي اتفق عليها تنظيم الضباط الوطنيون أو على الأقل المشاركين منهم في الحركة سنجد بأنه لم يتحقق منها سوى النزر اليسير وقسم آخر تحقق بشكل مشوه عما اجمع عليه. ربما مرد ذلك للخلافات والصراعات الإيديولوجية وحب الهيمينة لدى غالبية قادة الحركة والتي لم تكن ظاهرة أثناء العمل السري للتنظيم إبان الحكم الملكي.

 فعند قيام الثورة اشترك قادتها على قدم المساواة لبنائها ولكن بعد اختلاف قادتها وبروز العميد عبد الكريم قاسم كقائد أوحد في إدارة دفة سفينة الحكم خبئ إشعاع الثورة وبريقها الأول وخصوصا بعد سلسلة أخطاء ارتكبها غير محسوبة العواقب.بدلت الثورة معالم العراق بشكل جذري وغيرته من نظام قبلي إلى نظام معاصر، وقضت على نفوذ الإقطاع وجرت إصلاحات جذرية مثل سن قانون الإصلاح الزراعي رغم معارضة بعض الشرائح لأسلوب تطبيقه، والذي نقل الفلاح من العبودية إلى التملك والقيام بحملات كبيرة جدا في قطاع التعليم، وبناء الأحياء السكنية. وعلى هذا الأساس يمكن تقييم أداء حكومة الحركة بتقسيم فترة حكم الحركة إلى فترتين للوقوف على الحقائق بشكل موضوعي ومنصف وكما يلي:

1.أداء حكومة الحركة أو "الثورة" من إعلانها في 14 تموز 1958 ولغاية نيسان عام 1959، حين كان العمل جماعيا للقادة المنفذين للحركة من أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين. حيث تم إقرار الكثير من المنجزات لصالح الوطن وفئات المجتمع بشكل عام. كان لحركة أو ثورة 1958 عميق الأثر على واقع العراق الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والتنموي كما كان لها الأثر الهام في منطقتها العربية وأهم منجزاتها الخروج من حلف السنتو وتبني منهج تقدمي مناصر لحركات التحرر العربية والأجنبية، وقامت الثورة بحملة من الاعمار والبناء.


2.أداء الحكومة لما بعد نيسان عام 1959 حيث تركزت السلطات بيد رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم بعد إقصاء باقي زملاءه من الحكم وإعدام البعض الآخر. مما تسبب تردي الوضع الداخلي بسبب عدم تنفيذ مبادئ الميثاق العمل الوطني للتنظيم وقمع القوى المعارضة، والانحياز للمليشيات والتنظيمات الشيوعية والتطبيقات الشيوعية في الحكم وتخبط الحكومة في السياسة الخارجية التي توجت بعزل العراق بعد قطع علاقاته الدبلوماسية مع العديد من الدول العربية، وقرار رئيس الوزراء بسحب عضويته من الجامعة العربية، مما تسبب بتأجيج مشاعر الجماهير التي انطلقت في إضرابات يومية سرعت من انهيار النظام في حركة 1963.

وكما لكل حركة إيجابيات، فإن لها أيضا سلبيات. منها فسح المجال للتيارات الشيوعية بالسيطرة على الحياة العامة ومركز القرار.والطريقة التي تم بها القضاء على العائلة الملكية من قبل تلك التيارات المتداخلة في الجيش، حيث لم يكن مخططا لها أن تكون دموية. تعرض رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم لانتقادات عديدة من رفاقه في تنظيم الضباط الوطنيين ومن خصومه، فمارس الفردية والدكتاتورية بامتياز وكان يتباهى بذلك من خلال مقابلاته ووسائل إعلامه التي نعتته "بالزعيم الأوحد" وتصريحاته التي كان يكرر فيها عن أسلوبه في الحكم "بأنني اعتبر العراق وحدة عسكرية والشعب هم جنودها" ومحاولة إبعاد خصومه وتصفيتهم وحملات الإعدام والتنكيل بالمعارضين وإبعاد العراق عن محيطه العربي من خلال معارضته لاي مشروع وحدوي مع الأقطار العربية المجاورة تلك الرغبة التي كانت حلم الجماهير وقتذاك والتي كانت ترى فيها أيضا حماية الثورة من مناهضيها كبريطانيا وإسرائيل. وادى اعتراضه على الانضمام إلى الاتحاد العربي المسمى الجمهورية العرابية المتحدة عام 1958 عند زيارة وفد شعبي من الجمهورية العربية المتحدة للعراق للتهنئة والمساندة والدعوة للانضمام للاتحاد إلى إحباط كبير لدى المواطن العراقي وأعضاء تنظيم الضباط الوطنيين "أو الأحرار" ذلك لأنهم اقسموا جميعا عند نجاح الثورة بان يسعوا لانضمام العراق للاتحاد.

وكانت مقولة عبد الكريم قاسم لها أثرها السلبي في النفوس وهو في مستهل تبوئه لمنصب رئاسة الوزراء ولم تكن هنالك أي مشكلات سياسية بين بغداد والقاهرة، عندما قال "لن اكون تابعا لاحد" مما أدى برئيس الاتحاد جمال عبد الناصر بادلائه بتصريح قال فيه" على الرغم من أن ميثاق الجمهورية العربية المتحدة ينص على اجراء الانتخابات الحرة لاختيار رئيس الاتحاد الا انني ومن موقعي هذا اتنازل عن رئاسة الاتحاد لفسح المجال امام العراق بلانظمام للجهورية العربية المتحدة مثلما تنازل من قبل الأخ الرئيس السوري القوتلي وبهذه المناسبة اتشرف بدعوة الأخ رئيس الوزراء العراقي الزعيم عبد الكريم قاسم لزيارة القاهرة لترتبي توليه رئاسة الاتحاد". كان لهذا التصريح صدى كبير في الشارع العراقي والعربي إلا أن عبد الكريم قاسم مرة ثانية صرح باجابه محبطة قائلا " لن اذهب إلى القاهرة ربما سيتم خطفي اوقتلي". فاحس المواطن هنالك سياسة مبيتة مبنية على الإصرار بالابتعاد عن المحيط العربي. وتعزز هذا الاعتقاد عند تنامي الخلافات مع دول العربية المحيطة بالعراق حيث بدأت تسوء العلاقات بين عبد الكريم قاسم والعاهل السعودي فيصل والرئيس السوري القدسي "قبل مجيء البعثيين لسوريا" والملك حسين بن طلال عاهل الأردن والرئيس المصري عبد الناصر علاوة على أمير الكويت الشيخ مبارك آل صباح حيث دعا إلى ضم إمارة الكويت والتي قررت بريطانيا الانسحاب منها بعد أن كانت تحت وصايتها. وفي عام 1961 وبعد تنامي عزله العراق عن الدول العربية قرر عبد الكريم قاسم الانسحاب من الجامعة العربية، وعوضا عن ذلك بدأ ينمي علاقاته مع تركيا وإيران ومنظومة الدول الشيوعية بزعامة الاتحاد السوفيتي. وبصرف النظر عن وجهة نظر المعجبين به ومحبيه فان التحليل المنصف والمحايد يشير ان الحركة عامل ايجابي في حياة العراق السياسية وان صناع الحركة ومن اسهم فيها كان لهم الفضل بجني ثمارها وهي الإنجازات المميزة لتلبية طموحات الشعب.

ومن قادة الحركة المؤثرين وحسب ادوارهم في القيام بالحركة: العقيد عبد السلام عارف العميد عبد الكريم قاسم العميد ناظم الطبقجلي العميد ناجي طالب العقيد رفعت الحاج سري العقيد عبد الوهاب الشواف العقيد الطيار عارف عبد الرزاق العميد عبد الرحمن عارف الفريق نجيب الربيعي المقدم صالح مهدي عماش.

مراجع








إرسال تعليق

0 تعليقات