آخر الأخبار

العلمنة : نتائج وتداعيات



العلمنة : نتائج وتداعيات



ستار النعماني
تناولت المعاجم عدة تعريفات للعلمانية تختلف باختلاف المناخ الاجتماعي والسياسي وربما من يقول بان العلمانية تختص بالجانب السياسي وإدارة الدولة وذلك بعدم تدخل الدين في رسم ملامح الدولة سياسيا واقتصاديا فما علاقتها بالحياة الاجتماعية وخصوصا أن هناك دستورا قد كفل الحريات للأفراد بممارسة ما يعتقدون به من عقائد وللإجابة على هكذا تساؤل نتعرض لأحد التعريفات حسب ما ورد في معجم بريتانيكا حيث يعرف العلمانية بأنها(موقف يرفض الدين وانه لا ينبغي أن يكون أساسا في الأخلاق و التربية وموقف يرفض أي مكان للدين في الحياة المدنية).
إذا يتضح لنا من التعريف أعلاه والذي كان صريحا في وصفه بان العلمانية دعوة منظمة وممنهجة لفصل الأخلاق عن الحياة العامة لأي مجتمع بل تعدى الأمر إلى ابعد من ذلك فقد قال بعضهم أن الأخلاق ما هي إرادة طبيعية وشخصية لا علاقة لها بالأديان السماوية متجاهلين بعمد أن الدين هو مصدر الأخلاق الرئيسي ومن هذا التعريف أيضا نكتشف بان الحياة المدنية هي نظام اجتماعي مستقل تماما عن الدين وانطلاقا من هذا التعريف يجب إعلان إفلاسنا الأخلاقي لنكون مصداقا حياً للعلمانية !!!
كما إن الفوضى السياسية والاجتماعية التي خلفها الغرب في المنطقة قد وفرت ارض خصبة ساهمت بشكل كبير في تقبل هذه الأفكار .
أن محاولات تكوين بنية ثقافية وفكرية في مجتمع ما بمعزل عن الدين هو مشروع نتيجته الفشل وان محاولات إيهام المجتمع بضرورة فصل الدين عن الدولة وإدارتها سيتضح عاجلا أم أجلا زيفها ومن المثير للسخرية بان كتاب ومفكري بعض الدول الذين هناك بعد ديني في تكوين واستمرار بلدانهم هم الذين ينادون بهذه الأفكار وضرورة تطبيقها في المجتمع المسلم دون أن يكون لهم أي نقد فيما تمارسه الكنائس من تدخل واضح في الشؤون السياسية بل وصل الأمر بان من يحظى بموافقة ورضا الكنيسة هو أوفر حظا بالفوز بالانتخابات يقول سمير مرقس في كتابه رسالة في البروتستانتية الأصولية (حيث يقومون بتوزيع دليل للناخبين وذلك في أكثر من 70000 كنيسة في الولايات المتحدة الأمريكية ….يوضح للناخب مدى توافق المرشحين مع رأي اليمين المسيحي فيما يثيره من قضايا مثل الإجهاض والسياسة التعليمية.. الخ
ومن ثم توجيه الناخب في ضوء هذا الدليل وإعطاء نسب مئوية إلى المرشحين عن مدى مواقفهم) أن اقوي بلدان العالم نشأت بدوافع دينية بل لا زالت مستمرة بهذه الدوافع دول قد شيدت فوق جماجم الأطفال والنساء اعتمادا على أساطير التاريخ متجاوزين كل حقوق الإنسانية .
إن إيجاد دولة علمانية بأدبياتها المطروحة الآن على الساحة متجاهلة كل التراكمات التاريخية والثقافية ما هي نموذج للدولة التابعة أو الدولة المستوردة كما أن طرح ثقافة العجز التام للمجتمع المسلم في التعامل مع مفهوم الدولة ما هي إلا محاولات لسرقة تاريخ شعب وتاريخ جغرافية شهدت على أرضها قيام أفضل حضارات العالم التي طالما كان تاريخها منتصرا وسيبقى منتصرا رغم التغييب المتعمد لقدرة هذا التاريخ على طرح فكرة دولة الإنسان .
و لا يخفى أن محاولات الضغط في سبيل التنازل عن التاريخ قد أخذت بشق طريقها حتى في أروقة السياسة فقد قال احد كبار مفكري الولايات المتحدة كينيث جالبرايت (تذكر أننا نعود إلى التاريخ لكي نعرف عنه وليس لكي نتمسك به) في لقاء جمعه مع الكاتب والصحفي محمد حسنين هيكل وقد علق هيكل قائلا عن هذا الكلام “وببساطة فان المؤدى العملي لهذا المنطق هو التنازل مقدما ليس عن التاريخ فحسب وإنما عن القانون أيضا” .
ان مبررات كالتطرف والصراع ليست كافية لقبول العلمانية كبديل في مجتمع له ثقافته الخاصة وان المبررات المذكورة لا علاقة لها بالدين أصلا وإنما هي نتاج سياسة خاطئة متبعة في الإدارة أو نتيجة مشروع معد مسبقا للمنطقة بهدف أضعاف بنية الدولة السياسية والاجتماعية إضافة إلى زحزحة الجانب الاقتصادي وجعله أكثر هشاشة منه إلى الاستقرار .
كما أن التجاهل المتعمد للحلول البديلة الكفيلة بنجاح النظام السياسي والاجتماعي قد أوضحت ما يخفي دعاة العلمانية بان الموضوع لا يتعلق بمسالة إدارة نظام الدولة بقدر ما هو تنفيذ لأجندة سياسية خارجية معينة هدفها تذويب المعنى الحقيقي للإسلام في نفوس أبناءه والدفع بهم باتجاه قبول العلمانية كحل للمشكلة رغم قناعتي بان تطبيقها سيزيد من الأوضاع سوءاً بل ستؤدي إلى ظهور نوع أخر من الصراعات الايدولوجية صراعات ستبين الوجه الحقيقي للعلمانية المدعاة .





إرسال تعليق

0 تعليقات