علي الأصولي
قال في المتن:
المستوى الرابع: إن هذا الجامع هل هو ذاتي ماهوي
أو هو عرضي مفهومي أو هو انتزاعي كعنوان أحدهما، وكلها متعذرة،
أما الماهوي فمتعذر - إذا تجاوزنا - كما هو
المفروض- عنوان الشيء الذي ينطبق عليهما معا، لتبانهما عقلا، ولا جامع بين
المتباينين،
وأما الجامع الانتزاعي، وهو مفهوم أحدهما،
فالمفروض أن الجامع يكون شاملا لهما دفعة واحدة، وهذا يشملهما على سبيل البدل،
فإن قلت: فإن الاستعمال بدلي، ولا يكون إلا
بالاثنين دفعة واحدة، فمع تنشر استعماله في كلا المعنيين،
قلنا: نعم ، إلا أنه خلاف المقصود لدى مشهور الأصوليين
واللغويين،
وأما الجامع المفهومي الوجداني غير الماهوي فهو -
مع التنزل عن مفهوم الشيء - غير موجود وغير متصور - كما سبق - ولو كان متصور عرفا
أو عقلا لذكره،
ثم قال السيد الأستاذ: أن هناك حساب إجمالي، و هو
استعباد أن يكون للفظ الأمر معنى واحد ، طبقا لأي من الاحتمالات الأخيرة، فيكون
هذا الاستبعاد جوابا عليها جميعا وذلك بأمرين:
الأمر الأول: تعدد الجمع
في كلمة الأمر، فإنها حين يراد بها الواقعة أو الخصوصية تجمع على أمور، وحين يراد
بها الطلب تجمع على أوامر، ومن المستبعد أن يكون لها معنى واحد على بعض مصاديقه
يجمع على أمور وعلى بعضها يجمع على أوامر،
أقول: وهذا عين ما قلناه من أن لها معنيان
متباينان، بشرط لا، عن الزيادة والنقيصة، كما سبق،
الأمر الثاني: أن الأمر
بمعنى الطلب كلمة اشتقاقية غير جامدة وهي بلحاظ الواقعة جامدة، وهذا شاهد على أن
مادة الأمر ليس لها معنى واحد، وأما أن يكون بلحاظ بعض المصاديق مشتقا، وبلحاظ
بعضها جامدا، فإنه غير معهود في اللغة،
أقول: فلم يتحصل بعد كل هذه المحاولات، جواب حاسم
لمعنى مفرد أمور، كما لم يتحصل وضوح بأنه بنحو الاشتراك المعنوي مع مفرد أوامر،
لأن هذا الاشتراك فرع وحدة الوضع، مع أنه واضح التعدد بلحاظ تعدد المعنى وعدم
رجوعهما إلى معنى واحد، فيكون استعماله بنحو الاشتراك اللفظي، وهذا ما نفاه في
المحاضرات، حيث نفى كلا الاشتراكين ثم أثبت الاشتراك اللفظي كما نحن عليه،
أما نفي كلا الاشتراكين، فغير معقول، لأن الوضع
الثاني دائر أمره بين الوجود والعدم، فإن كان موجودا كان الاشتراك لفظيا، وأن كان
منعدما كان الاشتراك معنويا، لأن هذا الوضع الواحد ليس بمعنى واحد مع الاستغناء عن
الآخر بل بمعنيين ولا يمكن تعلق وضع واحد بمعنيين متباينين، فيعود الوضع إلى
الاشتراك اللفظي، ويدعم ما قاله السيد الأستاذ وآخرون من أن القرائن دالة على تعدد
المعنى وتعدد الوضع كتعدد الجمع والاشتقاق كما سبق،
أقول ( وهذا المستوى الأخير من الإجابة التي ذكرها
السيد الصدر الأول، في النقض على من قال بإمكانية تصور الجامع بين الطلب والواقعة،
وبعد أن أجاب بثلاث مستويات كان هذا هو الرابع من تلك المستويات،
وهنا حاول السيد الشهيد الصدر الأول أن يتسأل عن
طبيعة هذا الجامع، هل هو :
جامع ذاتي ماهوي،
أو عرضي مفهومي،
أو جامع إنتزاعي،
بعبارة أخرى:
هناك ثلاث أنحاء متصورة في الجامع بين الطلب
والواقعة، فهل هو الأول أو الثاني أو الثالث،
طبعا ان الجامع الماهوي، هو ما يؤخذ على نحو جزء
الماهية وجزء الذات، ويمكن تمثيل ذلك لتقريب الصورة - بالحيوان، فهو جامع بين
الحصان والإنسان، وجامعيته الحيوانية، فالحصان حيوان، والإنسان حيوان كذلك، غاية
الافتراق بالناطقية، فالحيوانية جزء من ماهية الإنسان وجزء من ماهية الحصان، إذن
الجامع الذاتي الماهوي بين الحصان والإنسان الحيوانية،
وهنا نسأل، هل هناك جامع ماهوي بين الطلب والواقعة؟
وجوابه أنه لا جامع في البين، ولذا عبر عنها السيد
الصدر الأول بالمتعذرة، لأن عنوان الطلب مباين ومغاير لعنوان الواقعة عقلا، ومع
وجود التباين فلا يمكن ندعي بوجود جامع بين المتباينين،
وبعد أن بينا أن لا جامع ماهوي ذاتي، ومثلنا ذلك
بالحيوان كجنس جامع للحصان والإنسان، وعزلنا الإنسان بالفصل المنطقي،
وصلت النوبة في التساؤل هل الجامع عرضي مفهومي بين
الطلب والواقعة أم لا؟
فالأبوة مثلا أو الإخوة، جوامع مفهومية لكل - أب -
وأن تعددت الآباء، ولكل أخ وأن تعدد الإخوة، فإذا أسقطنا أبوة زيد عن عمر أو إخوة
زيد عن أخيه عمر فلا تسقط أبوة بكر لخالد أو إخوة بكر لخالد، وعدم السقوط عن
الاعتبار لان الجامع مفهومي لا يتأثر بذلك، وعدم التأثر لأنه هذه المفاهيم عرضية
ليست من الذاتيات، إذن ليس بين الطلب والواقعة جامع بهذا اللحاظ،
وأما الجامع الإنتزاعي، كعنوان أحدهما، وهو مفهوم
أحدهما، إذ يفترض أن يكون الجامع شاملا فمثلا - عنوان العلم الإجمالي بين الطرفين
، أحدهما هو الجامع الإنتزاعي، فالإناءان كل واحدة منهما لا جزء ماهية الآخر ولا جزء ذات
الآخر،
وأما محاولة ادعاء الجامع المفهومي الوجداني، فمع
غض النظر عن كل ما قيل، ليس له وجود وليس له تصور عرفي أو عقلي، ولو كان لبان -
لذكره –
ثم، ذكر السيد الصدر الأول، بنفس السياق، أن هناك
حساب إجمالي، وحاصله: هو أن الأمر كلفظ له معنى واحد، طبقا للاحتمالات الأخيرة
التي ذكرت، ودعوى الاستبعاد،
هو أما، أن نقول: أن تعدد الجمع في كلمة الأمر إذا
أردنا معناها الواقعة فهي تجمع على أمور، وقايع، وأما إذا أردنا منها معنى الطلب،
فهي تجمع على أوامر اي طلبات،
وكما ترى أنه من المستبعد أن يراد منها معنى واحد
على بعض المصاديق ونقول عنها تجمع على أمور - الشاملة - لأكثر من مصداق، وكذا تجمع
على بعض المصاديق بدعوى الأوامر،
ولذا عقب الماتن على ما ذكره أستاذه بمفاد، وهذا
عين ما ذكرناه هناك من ان لها معنيان متباينان، بشرط لا - زيادة أو نقيصة –
إذن: أن الأمر بمعنى الطلب فهي من المعاني
الاشتقاقية والمعنى الاشتقاقي ليس من الجوامد، بينما ان الأمر بمعنى الواقعة فهو
جامد، وهذا خير شاهد على أن مادة الأمر - أ م ر - ليس لها معنى واحد،
ولا يقال: بأن هذا ممكن إذ في بعض المصاديق مشتقا
في البعض الآخر ليس له اشتقاق،
فإنه يقال: أن الكلام حول الأمر ومعناه بلحاظ كذا
وبلحاظ كذا ليس معهودا عند أرباب اللغة،
وبالمحصلة أفاد الماتن: أن هذه المحاولات لم تثمر
بنتيجة إذ لم تقدم جوابا حاسما للنزاع اللغوي، لمعنى مفرد أمور بناء على الاشتراك
المعنوي، ومعلوم أن الاشتراك فرع الوضع ووحدته، وبما ان الواضع أكثر من واحد،
بلحاظ تعدد المعنى وعدم رجوعهما إلى معنى واحد، فيثبت ان الاشتراك لفظي، بحسب الاستعمال،
وهذا ما نفاه في - المحاضرات تقريرات الشيخ الفياض
–
إذ أن المحقق الخوئي نفى الاشتراك المعنوي وكذلك
نفى الاشتراك اللفظي، ثم أثبت الاشتراك اللفظي بنهاية المطاف، لعدم صحة القول
بالنفي المطلق، كما هو رأي الماتن وأستاذه في الأصول )
قال الماتن:
في معنى مفرد أمور ومفرد أوامر، ويقع الكلام أولا:
في مفرد أمور،
وبعد سقوط أكثر الأطروحات فيه - كما سبق - تبقى
اطروحتان متنافيتين:
الأطروحة الأولى: أن مفرد أمور
بمعنى الشيء، لأننا نفهم من الجمع ذلك قطعا، يعني بصفته مادة للجمع كذلك،
إذن: فمفرده الاستقلالي كذلك، وإما النقوض التي
يذكرونها عليها، فسيأتي الجواب عنها إجمالا،
الأطروحة الثانية: أن البحث عن
معنى اللفظ فرع وجوده بالشكل المحدد الذي يتصوره المنطقيون والأصوليون واضرابهم، وأما
الذي لم يكن له معنى محدد في فهم اللغة أساسا، فلا بد ان نتابعهم على وجود هذا الإجمال،
بل حتى لو سألنا القواميس اللغوية، لاختلفوا في
معناه، ولم يجدوا له معنى محدد، فيكون معناه مشككا، بل أكثر من مشكك، فإن المشكك
يكون من ماهية واحدة، في حين هو يصدق على ماهيات مقولية متعددة، أو على مصاديق من
ماهيات متعددة، لا يجمعها إلا وهم أهل اللغة الأصليين، بحسب ما كانوا يملكون من
الذوق والقريحة،
أقول ( رجع الماتن إلى الخوض اللغوي لمفردة أمور
وأوامر ، وقد ذكر سقوط أكثر التوجيهات والاطاريح هناك، حاول أن يقدم رؤية أخرى
بعنوان الأطروحتين، بصرف النظر عن تنافيهما، وبدأ بالأمور، بعد أن عنون لفظ أمر من
أمور بمعنى الشيء، إذا لوحظت بمفردها الاستقلالي،
وفي أطروحته الثانية، فقد بين كبرى كلية وهي محل
وفاق، مفادها: أن البحث عن معنى وأحوال اللفظ فرع وجود ذلك اللفظ، بشكله وحده، لا
اقل في ذهنية المناطقة أو أهل الأصول،
نعم، لو كان اللفظ غير محدد مع وجوده طبعا فهو
مجمل بطبيعة الحال، ولا مناص ومتابعة مخرجات اهل اللغة،
مع أن أرباب القواميس بينهم خلافات في هذه المفردة
ولم يصل منهم إلى معنى محدد، وهو ما دعانا ان تطلق عليه بالتشكيك، بل يمكن أن ندعي
أكثر من التشكيك، لأن التشكيك متصور في ماهية واحدة كلفظ الوجود، في حين أن ما نحن
فيه صادق على أكثر من ماهية، ومقولة، وهذا مما دعانا ان نقول عليه بل أكثر من
التشكيك فلاحظ ).
0 تعليقات