تاريخ عام
الفيل
محمد النجار هو باحث تونسي مقيم بباريس. متحصّل على الإجازة في
التسويق والاتصال من المعهد الأعلى للتصرّف سنة 1995 وليس مؤرخا أو مختصا في السير.
في كتابه" مقالات نقدية في السيرة النبوية" حاول الباحث
محمد النجار الترويج لبعض المغالطات التاريخية حول حادثة أصحاب الفيل، وسنقوم في
ما يلي بالرد عليها.
1/ذكر سبب اختلاف عام الفيل في رواية الإخباريين..
ذكر الإخباريّون أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وُلد عام الفيل،
سنة 572 ميلادي، وفي ذلك العام حاول أبرهة مهاجمة الكعبة لكنّ الله أرسل عليه وعلى
جيشه طيورا أبابيل وردّهم عن البيت.
لكن بعض أهل السير ذكروا أقوالا أخرى عن سنة مولده، قال الماوردي
في النكت والعيون -طبعة دار الكتب العلميّة، بيروت، ج6، صحيفة 338 ما نصه: "واختلف
في مولده عليه السلام من عام الفيل على ثلاثة أقاويل، أحدها: أنّ مولده بعد أربعين
سنة من عام الفيل، قاله مقاتل، الثاني: بعد ثلاث وعشرين سنة منه، قاله الكلبي
وعبيد بن عمير، الثالث: أنّه عام الفيل، روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي
عنه أنه قال: ولدت يوم الفيل. ". انتهى
وعليه يكون القول الثالث هو الأقوى و الأثبت و الأصح، وهو ما شهره
الحافظ ابن كثير، حيث قال في تفسيره: "كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه في ذلك العام -أي عام الفيل- وُلِدَ على أشهر
الأقوال، ولسان حال القدر يقول: لم ننصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيريتكم
عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبي الأمي محمد
صلوات الله وسلامه عليه، خاتم الأنبياء". انتهى
وهذا يؤيده أيضا حديث قيس بن مخرمة رضي الله عنه، حيث قال:
"ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم «عام الفيل» «لدان»". انتهى
يعني ولدنا مولداً واحداً، رواه البيهقي.
وإنما اختلفت رواية الإخباريين في تعيين مولد النبي مقارنة بعام
الفيل لان جميع الحملات التي قام بها أبرهة الحبشي على جزيرة العرب ضمت فيلة، وقد
اشتهرت بعض حملاته بين بعض القبائل، و اشتهرت بعضها الٱخر بين القبائل الأخرى، فظن
بعضهم ان عام الفيل هو نفسه العام الذي وافق أحد حملاته الأخرى. فبحسب ما وصلت للإخباريين
من تواريخ لحملات أبرهة تكلموا عن مولد النبي صلى الله عليه وسلم.
2/إثبات وجود الفيلة في حملات أبرهة
قامت البعثة الفرنسية-السعودية خلال أعمال التنقيب في نجران سنة
2014 و سنة 2018 باكتشاف 3 صور لفيلة ونقش يذكر أبرهة الحبشي
ويذكر الموقع التالي
https://archeorient.hypotheses.org/12504
ما نصه:
L’origine éthiopienne de ces éléphants
et leur lien avec le souverain Abraha sont aujourd’hui confirmés par la mise au
jour en 2018 d’une courte inscription découverte par la Mission
franco-saoudienne, à une centaine de mètres de l’endroit où ont été découverts
les dessins d’éléphants (Communication de Ch. Robin présentée en 2018 à
Toulouse lors des 22ème Rencontres sabéennes).
والترجمة العربية هي قولهم:
الأصل الإثيوبي لهذه الفيلة وارتباطها بالملك أبرهة يؤكده اليوم
نقش عثر عليه في عام 2018 و اكتشفته البعثة الفرنسية السعودية ، على بعد حوالي
مائة متر من المكان الذي يوجد فيه صور الفيلة. وهذا بحسب تصريحاتCh. Robin عام 2018 في تولوز.
وهذا النقش يضم سطرا واحدا فيه اسم ابرهة ونصه: “Abraha Zabyman, roi”
3/حملات أبرهة على جزيرة العرب
قام أبرهة بمهاجمة الجزيرة العربية أكثر من أربع مرات
بداية من سنة 540 ميلادي، منها ما هو موثقة في النقوش
الأركيولوجيّة المكتشفة، و منها ماهو مذكور في سورة الفيل وغيرها من الأخبار.
وفي ما يلي سنذكر أربعة حملات مذكورة في أربع نقوش وهي كالتالي:
أ-الحملة الأولى مذكورة في نقش يحمل الرمزCIH 541 وهو بتاريخ 549ميلادي
ب- الحملة الثانية مذكورة في نقش يحمل الرمزRY 506 بتاريخ 552م: وهذه الحملة قادها أبرهة لتأديب
القبائل العربيّة الثائرة، وكان ذلك في شهر أفريل إثر ثورة بني عامر، كما فصل ذلكG.Ryckmans
في كتاب
Inscriptions sud-arabes, Dixième série,
Le Muséon, 66 ( 1953) p275-284.
وقد اعتمدنا هنا ترجمة جواد علي في المفصّل، جزء3، صحيفة 495. نقلا
عن ترجمة "ريكمانس" الفرنسيّة لنصّ النقش.
و بحسب هذا النقش فإنّ أبرهة لم يذهب بنفسه وإنّما توقّف على مسافة
أربعمائة كيلومتر جنوب مكّة وأرسل بعض الحملات المتفرّقة، هنا وهناك، وأقرب منطقة
إلى مكّة وصلتها حملته "تربن" كما في نص النقش : "في واد يؤدّي إلى
تربن" ف(تربن) هي "تربة" وهي واد يقع على مسافة يومين من مكّة،
يصبّ في بستان بني عامر، كما هو مذكور عند ياقوت الحموي في معجم البلدان، جزء 2،
صحيفة21.
وهذا يعني أن المعركة دارت رحاها بالقرب من إقليم نجد. و حسب هذا
النقش، فقد عاد منتصرا بعد أن أسر وكسب غنائم كثيرة.
ملاحظة: الدراسة التي قامت بها بعثة "ريكمانز - فيلبي- ليبنز"
Ryckmans – Philby – Lippens
أثناء وجودها في الحجاز سنة 1951 و التي اكتشفت النقوش ، تُعتبر
دراسة منقوصة، كما ورد بيان ذلك في الكتابات المتخصّصة في النّقوش السّبئيّة
المنشورة بعد نشر دراسة ريكمانز وخاصّة كتابات عالمي الآثار العربيّة الجنوبيّة
"ألفريد بيستون" Alfred Beeston
و"سيدني سميث" Sidney Smith
،
، وهو ما اعترف به ريكمانز نفسه، لوجود حروف ممسوحة من على لوح
النّقش.
وقد اكتشفت بعثة الأثار المصري التابعة لعبدالمنعم عبدالحليم سيد،
في موقع بئر مريغان عام 1990 ميلادي، نقشًا تكميليًا لنقش بعثة ريكمانز محفور على
الصخر أسفل نقش ركمانز وتبلغ أبعاد خطه الطوليه 25 صم و20 صم في العرض، متكون من 6
أسطر، كل سطر فيه كلمة ويتفاوت بها ارتفاع الحروف، ونصه:" منس ذو ذرنح غزا مع
سيده الملك أبرهة قبيلة معد".
راجع رد محمد الحاج سالم على محمد النجار تحت الرابط التالي الذي
قيل فيه:
https://www.alawan.org/.../%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D9%81%D9.../
وبناء على ما سبق فإن النقش يتكلم عن حملة أبرهة على نجد سنة 552
ميلادي، وليس قبائل شمال اليمن كما أشار الأستاذ النجّار بلا سند، كما أن النقش
ليس له صلة بحملة عام الفيل في مكة.
ج -الحملة الثالثة مذكورة في نقش يحمل الرمز
Ja 544-547
بتاريخ 558ميلادي.
د-الحملة الرابعة: موثقة في نقش تحت اسم مريغان 3، و مما جاء فيه:
" كتبوا هذا النص بعد رجوعهم من أرض معد عندما انتزعوا السيطرة على قبائل معد
من المنذر وطردوا ابنه عمرو بن المنذر وسيطروا على كل أعراب معد وحجر وخط وطيء
ويثرب وجذام" . انتهى
فأبرهة لم يرجع منتصرا فحسب وإنّما أخضع العديد من القبائل
العربيّة تحت سيطرته بما فيهم يثرب.
راجع ما ذكره Christian Robin
في بحث له بعنوان:
Soixante-dix ans avant l’Islam :
l’Arabie toute entière dominée par un roi chrétien, In: Comptes rendus des
séances de l'Académie des Inscriptions et Belles-Lettres, 156e année, N. 1,
2012. pp. 525-553
4/الحملة التي هاجم فيها أبرهة مكة
في سنة 572 هجري، هاجم أبرهة مكة بجيش فيه فيل و في تلك السنة
توفي، وما يزعمه بعض الباحثين أن أبرهة توفي قبل ذلك مجرد ادعاء لا دليل عليه.
وحملة أبرهة على مكة صححها العديد من المحدثين، فقد روى البخاري في
صحيحه من طريق مسورة بن مخرمة -رضي الله عنه- أنه قال: "سار النبيُّ صلى الله
عليه وسلم حتى إذا كان بالثَّنِيَّةِ التي يَهْبِطُ عليهم منها، برَكَتْ به
راحلتُه، فقال الناس: حلْ حلْ. فأَلَحَّتْ، فقالوا خَلَأَتِ القَصْواءُ، خلَأَتِ
القصواءُ! فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ما خلَأَتِ القصواءُ، وما ذاك لها
بخُلُقٍ، ولكن حبَسَها حابسُ الفيلِ". انتهى
اي ان الراحلة توقفت بأمر من الله كما توقف فيل أبرهة عن التقدم
نحو الكعبة.
5/ رد دعوى ان حملة أبرهة و مولد النبي وقعا سنة 552 ميلادي
جاء في مخطوط الزبير بن بكار ما نصه:«قريشا كانت تعد قبل عد رسول
الله من زمن الفيل، كانوا يعدّون بين الفيل وبين الفجّار أربعين سنة وكانوا يعدّون
بين الفجّار وبين وفاة هشام بن المغيرة ستّ سنين وكانوا يعدّون بين وفاة هشام وبين
بنيان الكعبة تسع سنين وكانوا يعدّون بين بنيان الكعبة وبين أن خرج رسول الله، إلى
المدينة خمس عشرة سنة منها خمس سنين قبل أن ينزل عليه ثم كان العدد بعد».
وهو ما ذكره الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق -طبعةدار الفكر،
بيروت، 1997، ج1، صحيفة 33- من طريق الزبير بن بكار نقلا عن ابن شهاب الزهري حيث
قال: "عن ابن شهاب أنّ قريشا كانت تعدّ قبل عدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
من زمن الفيل، كانوا يعدّون بين الفيل وبين الفجّار أربعين سنة وكانوا يعدّون بين
الفجّار وبين وفاة هشام بن المغيرة ستّ سنين وكانوا يعدّون بين وفاة هشام وبين
بنيان الكعبة تسع سنين وكانوا يعدّون بين بنيان الكعبة وبين أن خرج رسول الله إلى
المدينة خمس عشرة سنة منها خمس سنين قبل أن ينزل عليه ثم كان العدد بعد".
انتهى
وبحسبة السنوات التي يوردها ابن عساكر بين عام الفيل والهجرة:
40 سنة بين الفيل وحرب الفجّار.
6 سنوات بين الفجّار ووفاة المغيرة.
9 سنوات بين وفاة المغيرة وبناء الكعبة.
15 سنة بين بناء الكعبة والهجرة.
يكون المجموع: 70 سنة بين عام الفيل والهجرة.
وتاريخ الهجرة كان سنة 622 ميلادي فيكون عام الفيل سنة 552م وهذا
التاريخ يتّفق تماما كما ذكر نقش بئر مريغان.
والرد على هذه الشبهة من وجوه:
*الوجه الأول: ان يقال: الزبير بن بكار من وفيات عام 256 هجري،
والذين سبقوه من المؤرخين أمثال ابن هشام المتوفى سنة 223 هجري كانوا يذكرون هذه
الرواية لكن الزبير بن بكار اختلف عنهم في إسقاطه لجملة «من زمن الفيل وفيه ولد
النبي»؛
وبعيدًا عن خطأ الزبير بن بكار في إغفاله للجملة فلو اعتبرنا أن
النبي محمد صلى الله عليه وسلم توفي عام 632 م، و سلمنا جدلاً أن عام الفيل وقع
سنة 552 م، فهذا معناه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات عن عُمْر 80 سنة وهذا
لم يحدث.
*الوجه الثاني: ما ذكره الزبير بن بكار قد تكون أرقاما رمزية وليس
تاريخا صحيحا، وقد تساءل الباحثLawrence I. Conrad
في كتابه
Abraha and Muhammad, in The Quest for
the Historical Muhammad, by Ibn Warraq, Prometheus Books, NY, 2000, p 368-381.
عما إذا كانت الأربعون سنة المذكورة، بين عام الفيل وحرب الفجّار،
رمزيّة وتعني الكثرة لا تأريخا صحيحا.
*الوجه الثالث ان ما ذكره الزبير بن بكار اعتمادا على ما وصله من
أخبار عن حملة أبرهة التي قام بها على اقليم نجد و ليس على مكة، وانما نسب حساب
ذلك لقريش ظنا منه أن أبرهة قام بحملة واحدة ضد مكة هي نفسها الحملة التي قادها
أبرهة سنة 552 ميلادي.
5/ رد دعوى ان مولد النبي وعام الفيل كانا بعد عشرين سنة من ملك
كسرى أنو شروان
ذكر شهاب الدين النويري في نهاية الأرب في فنون الأدب-طبعة دار
الكتب والوثائق القومية، القاهرة، 1423 هجري، جزء 15، صحيفة309- عند كلامه عن
تاريخ عام الفيل قائلا: "وكان ذلك بعد عشرين سنة من ملك أنو شروان".
انتهى
وهذا الكلام الذي ذكره النويري لم يذكر عليه دليلا، بل لا يوافقه
عليه الكثير من أهل السير، فقد قال صفي الدين المباركفوري فى كتاب الرحيق المختوم:
"ولد سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم بشعب بنى هاشم بمكة فى صبيحة يوم
الاثنين التاسع من شهر ربيع الأول، لأول عام من حادثة الفيل، ولأربعين سنة خلت من
ملك كسرى أنوشروان". انتهى
وقال صاحب الكامل في التاريخ نقلا عن ابن الكلبي :" ولد عبد
الله بن عبد المطلب أبو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأربع وعشرين مضت من
سلطان كسرى أنوشروان ، وولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة اثنتين وأربعين
من سلطانه". انتهى
اي ان ولادة النبي كانت بعد أربعين سنة من حكم كسرى أنو شروان
(فترة حكمه من سنة 531 ميلادي إلى 579 ميلادي)، فالظاهر ان النويري خلط بين تاريخ
ولادة والد الرسول و تاريخ ولادة النبي.
وقال عبد الله جرجس بن العميد الذي اشتهر في أوروبا باسم الشيخ
المكين وهو صاحب مختصر التواريخ، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان قد بلغ
الثامنة من عمره وقت وفاة كسرى أنو شروان الذي توفي عام 579 م (مخطوط بمكتبة
باريس ملحق المخطوط العربي رقم 751)..
وبلغ الثامنة تحتمل أنه أتمها أو في أولها فيكون عام الفيل عام
ميلاد النبي هو 571 م أو 572 م أضف إلى أن الثامنة في عمر النبي صلى الله عليه
وآله وسلم محسوبة بالقمري على الغالب، يكون الراجح 572 م.
وقال عبد الله جرجس أيضا: إن النبي ولد ببطحاء مكة في الليلة
المسفرة عن صباح يوم الاثنين لثمان خلون من ربيع الأول يوافقه من شهور الروم
الثاني والعشرين من نيسان سنة 882 للإسكندر.
وحسب التقويم العام لميخائيل دبانة: فإن يوم الاثنين 9 ربيع أول
سنة 53 قبل الهجرة يوافق 22 إبريل سنة 572 م، (التقويم العام لخمسة آلاف
عام لميخائيل دبانة ص 58، مطبعة الهلال 1898 م).
وقال فلكي برلين الكبير المسيو إيدلر ما نصه: إن محمدا قد ولد
طبقا لما ذكره المكين يوم 22 نيسان من سنة 883 من تاريخ الإسكندر، كما في
رسالته عن الكرتولوجية الرياضية جزء 2/ صحيفة 498.
6/ معنى قول موسى بن عقبة ان مولد النبي كان بعد ثلاثين سنة من عام
الفيل
تُعتبر مغازي موسى بن عقبة أصحّ المغازي بحسب قول أنس بن مالك رضي
الله عنه. وقد ذكر موسى بن عقبة عن الزهري أنّ مولد النبيّ صلى الله عليه وسلم كان
ثلاثين سنة بعد الفيل. وهذا التاريخ الذي ذكره موسى بن عقبة كان اعتمادا على ما
وصلته من أخبار في ما يتعلق بأولى حملات أبرهة على أرض الحجاز مصطحبا الفيلة معه،
و التي كانت بداية من سنة 540 ميلادي.
و بما ان حملات أبرهة اشتهر بعضها بين الناس وخفي بعضها عن ٱخرين،
ظن الاخباريون الذين رووا الحادثة لموسى بن عقبة انها حملة واحدة وهي التي وقعت
سنة 540 ميلادي.
وبهذا يُرد على من زعم ان مولده صلى الله عليه وسلم كان سنة 582
ميلادي، وهو التاريخ هو الذي روج له الباحث التونسي هشام جعيّط في كتابه السيرة النبويّة
تاريخيّة الدعوة المحمّديّة في مكّة، دار الطليعة، بيروت، 2007، صحيفة 143.
0 تعليقات