روبير بشعلاني
الهيمنة الاستعمارية لا يمكن ادراكها من خلال المشاعر ولا من خلال
علم النفوس. فهي ليست حالة نفسية حتى نقيسها من خلال مشاعر التابع او المتبوع.
الهيمنة حالة موضوعية لا علاقة لشعور التابع ولا لمزاجه بها.
وهي لا يمكن ان تعقل بمعزل عن دراسة أواليات اشتغال الرأسمالية
ذاتها وشروط تراكم القيمة لديها.
فالهيمنة مرحلة تاريخية من مراحل علاقة المركز الرأسمالي بخارجه
لضمان استمرارية عملية التراكم هذه.
فبعد اضطرار المركز، ولضمان هذه العملية في مرحلتها الاولى، الى
اخضاع الاطراف بالقوة العسكرية المباشرة والنهب العاري يلجأ في مرحلة ثانية الى
ربط هذه الاطراف بواسطة منظومات مركبة غير مرئية وواسعة لا تقتصر على السوق
والتبادل التجاري وان يكن هدفها النهائي مواصلة نهب الموارد والمواد الخام
وارجاعها سلعاً مصنعة بهدف تحقيق التراكم.
عملية التراكم الرأسمالي هذه ، في مرحلتها الثانية، لم تعد تحتاج
دوماً الى استعمار مباشر . فلقد تم القيام بما يلزم لجعل الاطراف كسيحة، مشلولة
التطور مجوفة الاقتصاد تحتاج الى "زبون" يقبل بشراء ثرواتها الخام بأي
ثمن، او بالثمن البخس الذي لا يسمح الا بتمويل استيرادها من الغذاء والسلع
الكمالية والسلاح الكمالي.
وعندما يصير الربط بالمركز "طبيعياً" ومتيناً وثابتاً
وبنيوياً، اي يبدو وكأنه القدر المحتوم وليس من فعل فاعل، ويتحول الطرف الى تابع
"طبيعي " ، ومتطبع، تكون رأسمالية المركز قد اتمت هيمنتها وتكون قد وحدت
نمط المعاش بنمط معاش عالمي واحد .
وعملية الربط هذه ليست دائما عملية اقتصادية فحسب. فالوصول الى
اطراف كسيحة محبوسة بماضيها يتطلب احيانا "اللعب" بالجغرافيا كما حصل في
منطقتنا بحيث يدمر السوق الواحد عبر تفتيته الى اسواق صغيرة من جهة وخلق كيانات
حاجزة غريبة واصطناعية بينها، من جهة اخرى.
الهيمنة إذن عملية تاريخية معقدة تستوجب دراستها بالملموس لإدراك
عمق التحولات التي تصيب كلا طرفيها.
وهي نمط معاش جديد يوحد المركز والأطراف بحيث يصبحان مترابطي
المسار والمصير.
اما القوى الاجتماعية المسيطِرة في الاطراف قبل الهيمنة فهي لا
تتغير لانتفاء حاجة الهيمنة الى قوى اجتماعية جديدة خصوصًا عندنا تنسجم مصالحها
وتتكيف مع النمط الجديد.
فلا رأسمالية المركز تحتاج الى قوى حداثية في الاطراف لأن المطلوب
ليس تثوير نمط المعاش المحلي بل الابقاء عليه كما هو انما عبر ربطه بالمركز هذه
المرة.
ولا بنى الاقتصاد المحلي تتعرض لتحولات جذرية تفرض نشوء قوى
اجتماعية حداثية.
الربط في مرحلة الهيمنة يتم بواسطة النقد الذي يتيح
"بيع" المواد الخام وخلق الطلب على السلع التي تحقق التراكم في المركز.
فالهيمنة نمط هيكلي يستجيب لحاجات اشتغال المركز والتراكم
الرأسمالي. وهي بهذا المعنى ضرورة وجودية للمركز وليست الكرزة على قالب الحلوى.
اضف ان الهيمنة ليست من طبيعة تفرض تحولات في نمط معاش الاطراف.
فدرجة الارتباط بالمركز ونوعه( ريع وتوزيع) لا يستوجبان بنى اجتماعية مختلفة.
وهذا النمط الهيكلي ليس نظريا بل هو ترجمة لعملية تاريخية تخضع
للظروف والشروط المحلية لكل طرف.
فلا يمكن والحالة هذه ان نظهَّرَ " موديلا" نظريا
للهيمنة نطبقه في كل زمان ومكان.
من هنا فإن العمل في بلادنا على قسم من السوق، ايا كانت النوايا،
هو عمل هيكلي جزئي يعيد انتاج الهيمنة لانه ببساطة يجري على ارض خلقت لكي تكون
كسيحة لأن جزئية وتابعة بالتعريف. ناهيك عن غياب حاضنة اجتماعية ضرورية لتغيير
النمط.
الهيمنة ليست اذن علاقة خارج بداخل بل هي النمط الرأسمالي في
مرحلته التاريخية العالمية المعاصرة بتناقضاته العالمية الخاصة به كوحدة قراءة.
0 تعليقات