كتب حسام الدين درويش
لا يحتاج المرء إلى الاتفاق مع رؤى محمد شحرور ومنهجه ومشروعه
وتأويلاته الإشكالية المهمة لإدراك مدى أهمية وجوده ووجود أمثاله، ومدى خسارتنا
بغيابهم ورحيلهم. ما يحتاجه الإنسان، لهذا الغرض، هو حدٌّ أدنى من الإنصاف، وإدراك
أو إقرار حق الإنسان في الاختلاف، عمومًا، وحقه في الاختلاف في المسائل والسياقات
الدينية خصوصًا.
منهج شحرور اللغوي كان إشكاليًّا، في أسسه ومضامينه ونتائجه، إلى
أبعد حد، لكنه فتح العيون على رؤى وتأويلات وممكنات في النص الديني لم تكن موجودة
بهذه الصيغة و/ أو لم تكن موجودة بهذا الانتشار والتأثير.
ما يأخذه معظم المحافظين والمتزمتين عليه هو ذاته ما يراه كثيرون
سببًا للإشادة به، وأقصد أنه جاء بأفكار جديدةٍ لم يسمعوا بها من قبل وتخالف
الإجماع المزعوم وجوده لدى "علماء الأمة".
كثيرون لا يرون في الإبداع إلا كونه بدعة، ولا يرون في الاختلاف
إلا كونه أساسًا لخلافٍ وازدراء، ولا في التغير إلا كونه ابتعادًا عن الأصل الواجب
التمسك به والجمود عنده.
بالإضافة إلى منهجه اللغوي المدهش الذي أثار، في أحيانٍ كثيرةٍ،
دهشتي وإعجابي وتفكيري أكثر مما أفضى إلى إقناعي، فإن القيم الأخلاقية الإيجابية
التي تتضمنها الكثير من أفكاره وتأويلاته، هي أكثر ما أعجبني في فكره ودفعني إلى
تقييمه تقييمًا عاليًا، عمومًا.
تزداد أهمية مضامين فكر الشحرور، معرفيًّا وقيميًّا، عندما نطَّلع
على مضامين فكر معظم "المشايخ" و"علماء الدين" المنتقدين له
و/ أو المتهجمين عليه. فغالبًا ما كان ذلك الانتقاد ضحلًا، وذلك التهجم وقحًا
ومفتقرًا لأي مسوِّغٍ معرفيٍّ أو أخلاقيٍّ أو حتى دينيٍّ.
لقد كفٍره أو تهجّم عليه متدينون/ إسلامويون كثر، وأشاد به كثيرون
من غير المتدينين: لماذا؟
المتدينون/ الإسلامويون رأوا فيه طعنة في الظهر وقراءة غير معقولة
ولا مقبولة للإسلام.
غير المتدينين رأوا في محاولته/ قراءته إمكانيةً لتصالح
"الإسلام/ المسلمين مع الاختلاف والمختلفين عنهم والمغايرين لهم وتقبلهم لهم
وتفاعلهم الإيجابي معهم، وإمكانية لتأسيس الدين والتدين على رؤية أخلاقية معقولة
بل وراقية.
لكن إذا كان تعامل هؤلاء الإسلامويين مع مسلم مثل شحرور بهذا
السوء، فكيف يمكن لتعاملهم مع المختلفين عنهم والمخالفين لهم من غير المسلمين أن
يكون؟
شحرور أدخل الكثيرين جنة التفكير، فحكم عليه كثيرون بجهنم التكفير .
0 تعليقات