آخر الأخبار

فى فلسفة الدين والدولة والقانون

 

 


 

 

 

د. حيدر موسى القريشى

 

الأصلُ في الإنسان الحريةُ، وعدم ولاية (سلطة) الإنسان على الإنسان ، فالسلطةُ استثناءٌ ؛ والاستثناء لايجوز التوسعُ فيه ؛ فهو مقررٌ للضرورة.

 

واستناداً لماتقدم ، فهل إن الدينَ يعطي الحقَ والسلطةَ في تطبيقه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟

 

فيكون الآمرُ بالمعروف ذا سُلطةٍ وولاية على الآخرين، ونفس الكلام ينطبق على ولاية الفقيه فهل هي ولاية مطلقة وليست مقيدة؟

 

يمكننا القول: إن الأدلةَ الواردة في هذا الخصوص يمكن حملُها على أنها مقيدةٌ ، فلايمكن أن تكونَ للولي الفقيه أو الآمر بالمعروف سلطة مطلقة ، بحدود مادلت عليه الأدلة.

 

ووفق المنهج الحديث للدولة بمفهومها القانوني ، وكذلك مايتعلق بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، فلا ولايةَ لأحدٍ على أحد، وبتعبير آخر، لاسلطةَ لأحد على أحدٍ، الا بحدود :

 

القانون، الأخلاق والآداب العامة ، فضلاً عن النظام العام،وحقوق الإنسان وحرياته دولياً.

 

فإذا تعارضت الحرياتُ مع الدين ، فماهو الحل؟لاسيما مع القول بأن دستور جمهورية العراق لعام2005 قد جعل الحقوقَ والحريات وثوابت أحكام الإسلام قيداً على المشرع في عدم انتهاكهما.

 

أرى إن تلك الإشكالية الجدلية، ممكن أن نجدَ لها حلاً بطرق عدة:

 

أولاً. القول بعدم سُلطة الإنسان على أخيه الإنسان ، سواء بكونه ولياً فقيهاً ،أو آمراً بالمعروف ، أو ناهيا عن المنكر، إلا بحدود النُصح والإرشاد ، وبحدود القانون.

 

ثانياً.أن نقول بأن القضاءَ هو الفيصلُ في ذلك، فبإمكان الذي يرى خرقاً للدين (مظاهر محرمة،كالغناء،شرب الخمر....)، مما يستوجب الأمر بالمعروف، أن يعترض على ذلك أمام القضاء،والقضاء هو الذي يقرر ويمنع الفعلَ المخالفَ للشريعة، وبقرار قضائي.

 

ثالثاً.أما فيما يتعلق بولاية الفقيه، فهي لاتعدو- بحسب الفرض_ أن تكون ولاية الأب الرحيم المشفق على أبنائه ؛ فهي أوامر قد تكون مولوية واجبة على أتباعه،لكنها غير ملزمة لمن لايلتزم بتعاليم الدين،كأن يكون ليبرالياً أو علمانياً..

 

رابعاً.لايجوز أي استخدام للعنف ، بخصوص الفاعل للمنكر إلا في إطار الدولة والقانون، فلا أحدَ فوق القانون ، أو يعلو على الدولة.

 

خامساً.وماذا إذا كان الشخص يقلد مرجعاً يقول بولاية الفقيه المطلقة، وبعض مقلديه في دولة أخرى، وتعارض رأي ذلك المرجع مع قانون دولة المقلد، فماهو الحكم الشرعي والقانوني، لو افترضنا وجود مثل ذلك الفرض؟ أرى أن تطبيقَ القانون هو الأولى ؛ لأنه القانونُ الذي يمثل الدولةَ التي يفترض أن يدينَ لها بالولاء.

 

كثير من الإشكالات في نقاط الافتراق ونقاط الاتفاق بين الدين والقانون في الدولة...لايمكن حلُها إلا بوجود الإنسان العالم الكامل المتجرد ، أو القول بأن الوطنَ وهويته هي أسمى وأعلى من كل ماسواه، ويبقى الدينُ حقاً من حقوق الإنسان وحرياته، والإنسانُ حرٌ بالالتزام بدينٍ معين،أو عدم الالتزام ، والقاسم المشترك بين المتدين أو غيره هي الهوية الوطنية،التي تحددها الدولة ويحميها ويديمها القانون.

 

إرسال تعليق

0 تعليقات