آخر الأخبار

الدين والثقافة الدينية

 

 


محمود جابر

 

من  أن الإسلام لا ينظم فقط مجال العبادات بل يتجاوزه ليكون مخططا أو برنامجا لنظام اجتماعي يشمل كل مـيادين الحياة أو الفضاء الثقافي، ويخلق بينهما مسافة يمكن ان نسميها الثقافة الدينية ؛ وكثير منا لا يفرق بين الديـن، والثقافة الدينية.. كما يصعب على الكثيرين فصل ما هو دينى – بنص ثابت قطعى الثبوت والدلالة- وبين ما هو مفهوم ثقافى تفسيرى مختلف فى الزمان والمكان والمذهب، والفرقة.

 

فالدين ما أنزله الله على نـبـيه خالصا نقـيا، أما الثقافة الدينية فهي التفسير الزمكانى الخاص وفقا للمفاهيم الاجتماعية والثقافية لنصوص الديـن (الذي قد يكون متشددا أو متساهلا أو حتى خاطئا )..

 

الدين – كنص ثابت - يلزمك بعبادات محددة وقطعية، كصيام رمضان، أما الثقافة الدينية فتتبع رمضان فى بعض الأماكن والثقافات بصيام ست من شوال، لا يعترف بها المالكية، وبعد الأمامية، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.

 

والدين يخبرك بمحرمات محدودة وواضحة لا خلاف حولها فى (الأطعمة) في حين تخـتلق الثقافة الدينية مئات المحرمات والفتاوى الظنية التي تتوافق مع العادات والتقاليد ويختلف حولها الناس.. سواء كان المأكول حيوانا بريا ثدييا، أو طائرا، أو من صيد البحر والأمثلة على ذلك تطول...

 

ثوابت الدين لا تـتغير بمرور الزمن ولا تختلف حولها المذاهب (هل سمعت مثلا بمذهب إسلامي واحد يحلل الخمر أو لحم الخنزير؟) في حين تتنوع الثقافات الدينية بحسب العصور وتنوع المواقع وتطور المجتمعات.. ويحاول كل منهم ان يضيق المتسع وفقا للثقافة الدينية التى يحملها.

 

فالفرق بين الدين والثقافة الدنية يتجلى مفهوم المحرمات داخـل المجتمع الواحـد.. فقد مضى علينا زمن كنا نمنع فيه الراديو والتلفزيون وتعليم الفتيات، ومررنا بزمن منعنا فيه كاميرات الجوال والأطباق الفضائية والسفر للخارج، ومازلنا نعيش في زمن نمنع فيه السينما والتشريعات المدنية وقيادة المرأة للسيارة (وجميعنا كان يخلط بين المنع المجتمعي والتحريم الدينى)..

 

وقد قرأت فى موسوعة الفتاوى للشيخ يوسف الدجوى الصادرة فى ثلاثينيات القرن الماضى فتوى له حول موضوع التدخين فى المساجد وقد أجاز التدخين فى المسجد مع تجنب جهة القبلة!!

 

فى الوقت الذى نرى فيه الآن فى هذا الوقت من يصدر فتوى بتحريم التدخين واعتباره حراما!!

 

وهذا من أثر ونموذج من نماذج الثقافة الإسلامية لا الدين، الدليل البالغ فى ذلك تعدد الثقافات الدينية فى المجتمعات التى فيها مسلمين، فالثقافة السائدة يوم الجمعة وقبيل صلاة الجمعة فى مصر تختلف عن ماهى عليه فى العراق أو لبنان أو اليمن او العرية السعودية او ايران ..

وبالرغم من اعترافنا – البعض – بوجود فرق بين الدين والثقافة الدينية، بيد أن الفصل بينهما (داخل المجتمع الواحد) أمر عسير جدا.. فالاثنان يشتركان عناصر تحمل ذات المسميات كالقيم والسلوك والأخلاق والمحرمات الاجتماعية.. وهذا التمازج يجعل معظم الناس لا يفرقون بين المحرم الديني والمحرم الثـقافي ــ ويجعل بعضهم يكـفر الآخر على أساس ثـقافي وليس دينيا.. بدون أن يدري هو نفسه..

 

فالدين قائم على نص ثابت لا يقبل التأويل – قطعى الدلالة والثبوت- والثقافة قائمة على التصورات والتفسيرات والفتاوى وحتى المنافع، ولأنها جاءت فى الفضاء الدينى فحاول البعض يلبسها ثياب الدين بتفسير نص ما ومحاولة تغيرها هذا الثقافة باعتبارها ثقافة يمكن ان تتغير بالنقاش والبحث، قد تواجه من العامة والعموم بثورة تكفيرية بالغة من هنا نحتاج لجهد جهيد للفصل بين ما هو دينى وبين ما هو على أرضية الثقافة الدينية..

إرسال تعليق

0 تعليقات