آخر الأخبار

الدولة الرستمية…. العراق الصغير

  

 


 

عز الدين البغدادي

 

 

الرستميون أو بنو رستم سلالة حاكمة تنتمي إلى مذهب الأباضية، وقد حكمت في بلاد المغرب الأوسط، واستمرت 140 سنة بين 156 هـ وحتى عام 296 هـ، مقرها كان مدينة تاهرت أو تيهرت وهي حاليا مدينة تيارت في المغرب الأوسط ( الجزائر).

 

وقد وصف الرحالة "المقدسي" مدينة تاهرت فقال: "بلخ المغرب، قد أحدقت بها النهار، والتفت بها الأشجار، وغابت في البساتين، ونبعت حولها العين، وانتعش فيه الغريب، واستطابها اللبيب، يفضلونها على دمشق وأخطأوا، وعلى قرطبة وما أظنهم أصابوا، هو بلد كبير، كثير الخير رحب، رقيق طيب، رشيق الأسواق، غزير الماء، جيد الأهل، قديم الوضع، محكم الرصف، عجيب الوصف ...

 

مؤسسها هو عبد الرحمن بن رستم، وهو من الموالي حيث قيل بأن نسبه يرجع رستم القائد الفارسي المعروف، وقيل غير ذلك. وقد اشتهرت هذه الدولة بنظام الشورى المطبق فيها ، وبعدالة أئمتها وبازدهارها ، وقد عاش فيها أتباع كل المذاهب الإسلامية بحرية وأمان ، وكانت لهم مساجدهم وبيوتهم الخاصة التي يعيشون فيها مصانين الحقوق بعدل وإنصاف من غير تفريق بين مذهب ومذهب، كما صارت ملتقى للتجَّار والعلماء والطلبة من جميع أنحاء العالم الإسلامي؛ مما أكسبها شهرة عالمية لدرجة أنها سمِّيت بالعراق الصغير تشبيهًا لها ببلاد العراق التي تضجُّ بمختلف الأجناس والملل والنحل آنذاك.

 

أنشأ الرستميون عديد من المكتبات العلمية الزاخرة بمختلف فنون العلم والآثار، ومن مكتباتها المشهورة مكتبة "المعصومة" التي كانت تحوي آلافًا من المجلدات والكتب، أوصلها بعض الباحثين إلى ثلاثمئة ألف مجلد، فكانت تحوي بين رفوفها كتبًا في علوم الشريعة من تفسير وحديث وفقه وتوحيد، وكتبًا في الطب والرياضيات والهندسة والفلك والتاريخ واللغة وغيرها من العلوم المختلفة، ولم تكن كتبها مقتصرة على مذهب بعينه بل كانت تجمع مؤلفات لمختلف المذاهب الإسلامية.

 

كما أنشئت فيها "خزانة نفوسة" التي كانت مكتبة جامعة لآلاف الكتب، إلا أن جميعها تم هدمه من الفاطميين عند احتلالهم للجزائر، فيما قاموا بأخذ الكتب العلمية المهمة معهم إلى المهدية في تونس وإلى القاهرة في مصر. حدث فيها خلل بسبب مشاكل في الأسرة الحاكمة، ثم اجتاحها الفاطميون وقضوا عليها، ونهبوا مكتبتها… وبذلك طويت صفحة هامة لواحدة من أهم دول الإسلام في المغرب، التي عاصرت دولة الأغالبة في تونس ودولة الأدارسة في المغرب.

 

إرسال تعليق

0 تعليقات