آخر الأخبار

"السلفِية المتحجرة واحتكار الفرقَة الناجية"








"السلفِية المتحجرة واحتكار الفرقَة الناجية"

الشيخ / محمد أبو زهرة

يدعي الغلاة الذين استبدلوا مصطلح "السلفية" بالإسلام أن جماعتهم هي الجماعة الـوحيدة الناجية من هذه الأمة، وأن جميع الجماعات الأخرى مهما كان حالها تُعَدُّ من الفرق الهالة، زاعمين أن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعلقة بالطائفة المنصورة التالية:
1 ـ «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَـتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» (1(
2 - «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لا يَضُـرُّهُمْ مَنْ خَـذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» (2(.
3- «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللّهِ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ» (3(.

4- «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِـنْ أُمَّـتِي ظَـاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَـنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْـرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» (4).
يدعون ان هذه الأحاديث كلها تعنيهم وتخصهم هـم وحدهم دون غيرهام !!!
هذا الزعم والإدعاء في حد ذاته "بـدعـة" (5) من عدة وجوه:
الوجه الاول:
يتضمن هذا الإدعاء تزكية للنفس التي نهى عنها كتاب الله : ﴿فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ** هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ (6).
الوجة الثانى:
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرح بكل وضوح أن الطائفة التي ينجيها الله ــ عز وجل ــ وينصرها تكون على الحق (أي لم تبتدع في دين الله ما ليس منه ولم تنحرف عن الصراط المستقيم) وهل السلفية المتحجرة على الحق، وقد بَيَّنَّا بعضا من بدعها ( بعضا فقط !!) وانحرافاتها؟
الوجه الثالث:
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكـر "صِـفَـةً" تُعرف بها الطائفة الناجية والمنصورة، ألا وهي أنها ستكون "مَخْذُولَةً" وليست "خَاذِلَةً".
بمعنى أن الخذلان يقع من غيرها عليها، ولا يقع منها على غيرها!!

أي أنها ستكون "مَظْلُومَةً" وليست "ظَالِمَةً.
أما "السلفية المتحجرة" فكل العالم يشهد شهادة عيان أنها حطمت الرقم القياسي في ظلم وخذلان غيرها من المسلمين!

من من العلماء، من من الفقهاء، من من المحدثين، من من الدعاة إلى الله، من من الحركات الإسلامية التي تعمل في حقل الدعوة إلى الله والتي اتخذت واختارت الوسطية والإعتدال منهجاً لها، من مـن الرموز (رموز الأمة) سَلِمَ من طعنها وسبها وشتمها وتشهيرها وتشويهها؟! حتى أنهم نعتوا العلماء بأقبح النعوت، كما فعلوا مع أحد الأعلام، حيث وصفوه ونعتوه بـ"الكلب العاوي"!

يقول الدكتور جمال اسطيري، صاحب كتاب: "مصطلحات الجرح والتعديل المتعارضة": ((جماعات التخدير ــ يقصد السلفية المتحجرة ــ التي تحدثنا عنها وهي تشتغل في الأساس على محاربة الدعاة الذين لهم نفس إيجابي في النظر إلى الأمور)) (7).
ويقول أيضا: ((الواقع أن هذه الفئات التي نتحدث عنها لا تنشط إلا في تخذيل أي جماعة تؤدي خيرا لهذه الأمة)) (8(.
إلى أن قال:((وللأسف أن حتى ما شاع عن السلفيين من انهماك في الأحاديث تحقيقا وتدقيقا لم يعد قائما وأصبحت فئة منهم لا هم لها
إلا بالاشتغال في أعراض الدعاة ويرون أنهم أخطر على الأمة من الكافر)) (9).
كما يستدل هؤلاء الغلاة على نجاتهم وانتصارهم وفوزهم وأفضليتهم على سائر الجماعات الإسلامية بالأحاديث التالية:
1-   افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَافْتَرَقَتْ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ قِـيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ قَالَ الْجَمَاعَةُ» (10(.
2-   ليَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلانِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلا مِلَّةً وَاحِدَةً قَـالُـوا وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَـالَ مَـا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»(11).
هكذا يتبجح السلفيون المتحجرون ويدّعون ويزعُمون أنهم هم الفرقة المقصودة !
وهل هم فعلا باقون على الشرط؟
الشرط الأول والأساس الذي اشترطه رسول الله صلى الله عليه وسلم للنجاة هو البقاء على الأصل وعدم الإنحراف عنه، ومن المقتضيات الأساسية للبقاء على الأصل هو عدم الإنتساب إلى أي شيء سوى إلى ما أمرنا الله عز وجل أن نَـنْـتَـسِـبَ إليه، بل نسبنا هو ذاته سبحانه وتعالى إليه، ألا وهو "الإســـلام"!

أما السلفية المتحجرة فهى تقول:
العقيدة السلفية ولا تقول الاسمية !
الدعوة السلفية ولا تقول الاسلامية !
المنهج السلفى ولا تقول الاسلامى!
الشباب السلفى ولا تقول المسلم!
كذلك من مقتضيات البقاء على الأصل الأساسية هو عدم التسمية إلا بما أمرنا ربنا ــ تبارك اسمه ـ أن نسمي به أنفسنا، ألا وقد سَمَّانَا هو سبحانه وتعالى وتقدس في علاه "المسلمين"!

﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَ‌اهِيمَ هُوَ سَمَّـٰكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ (12).

﴿وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ (13).

الضمير في الآية ﴿هُــوَ﴾ يعود على الله سبحانه وتعالى
هذا الشرط العاصم من الوقوع في الهلاك الذي اشترطه رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أراد أن يكون من الناجين ـــ «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ ؟ قَالَ: "الْجَمَاعَةُو «قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» ـــ هل يوجد منه شيء في السلفية المتحجرة؟
أين الأخلاق وأين اللين؟
أين اليسر والتيسر وأين البشر والتبشير؟
أين الحلم وأين الرفق؟
أين التسامح وأين المحبة؟
أين العدل والإنصاف؟
أين التقوى وخوف الله؟
أين التعاون على البر والتقوى؟
أين إغاثة الملهوف وأين نصرة المظلوم؟
أين ردع الظالم وأين الأخذ بيد الضعيف؟
أين التواضع وأين الوقار وأين السكينة؟
أين الرزانة وأين الحكمة؟
أين نكران الذات وأين محبة الآخر ـــ المسلم طبعا؟
أين البر والقسط إلى الآخر ــ يهوديا كان أم نصرانيا المسالم والمعاهد ــ والله يقول: ﴿لاَ يَنْهَـٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَـٰتِلُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَـٰرِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوٓا۟ إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ﴾ (14(.
أين التقرب إلى المسلم الجاهل بالود والإحسان ودعوته بالتي هي أحسن إلى فهم الدين والصبر معه وعليه حتى يفتح الله عليه؟
أين بذل الجهود من أجل الإسهام والمساهمة في استرجاع وبعث مجد الأمة الثقافي والمدني والحضاري؟
أين الانفتاح على العالم؟
أين الإبداع في المجالات العديدة والمتعددة ؟
أين الاستفادة من الحضارات؟
بل أين الاستفادة من الحضارة الإسلامية العظيمة؟ ناهيك عن الإفادة!
 أين التعامل مع الآيات الكونية واستخلاص العبر منها؟
أين الفهم الصحيح للمنهاج الإسلامي العظيم، الذي يجمع بين الثبات والتغير، حيث يُعَالِجُ كُلاًّ بما يناسبه؟
أيْــنَ بَـقِـيَ وَأَيْــنَ ذَهَـــبَ تَــكْــلِـيــفُ "الْـخِــلاَفَــةِ"؟
أَلَيْسَ اللهُ قَدْ كَلَّفَ الْعِبَادَ بِـهِ أَيْضاً؟ أَلَـيْسَتِ الْخِلاَفَةُ (أَقْصِـدُ اسْتِخْلاَفَ اللَّهِ الْإِنْسَانَ في الْأَرْضِ) هِـيَ الـشَّـقَّ الثـَّانِيَ مِنَ الدِّينِ بَلْ هُوَ صِنْوُ وَقَرِينُ تَكْلِـيفِ "الْــعِـــبَـادَةِ"؟
ماذا فعلوا به وماذا فعلوا له؟
أين الوسطية والاعتدال التي تعني في حقيقة الأمر الجمع بين تكليف العبادة وتكليف الخلافة والتوفيق بينهما وإعطاء لكل تكليف حقه، والحرص والحذر من ترك أحد التكليفين يطغى على الآخر؟
الـعـبــادة بمعنى الشعـائـر!
 الـخـلافــة بمعنى الحضـارة!
 أين الفهم الصحيح للدين الذي يتنافى ويتناقض في الصميم مع الفهم الدوغمائي والسلوك النمطي؟
أين هؤلاء من قوله صلى الله عليه وسلممَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» (15).
 أين؟ وأين؟ وأين؟ ...

منقول من كتابنا : "السلفية ؛ أيستبدل المصطلح بالإسلام؟"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- رواه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(7|291) وأورده الألباني في"السلسة الصحيحة" (1956)


2- رواه الترمذي (2192) وابن ماجة (6) وأورده الألباني في"السلسة الصحيحة" (423)


3- رواه مسلم في كتاب الإمـارة (3548) وأورده الألباني في"السلسة الصحيحة" (7290)


4- رواه مسلم (3544) وابن جرير الطبري في "مسند عمر" (2|819)


5- هذه الأحاديث النبوية تتضمن الحكم العام فقط ـ ـ المناط العام ــ، ولا تتضمن تحقيقا للمناط الخاص، فـمـا هـي المعايير التي اعتمدت عليها السلفية المتحجرة في تحقيق المناط الخاص لهذه الأحاديث؟!


6- سورة النجم آيـة 32


7- 8- 9- د. جمال اسطيري "السلفيون في المغرب " جريدة "التجديد" المغربية، العدد 126 بتاريخ 9 دجنبر 2000 م


10- رواه ابن ماجة في كتاب الفتن (3982) والسخاوي في "الأجوبة المرضية" (2|571) وأورده الألباني في"السلسلة الصحيحة" (1492)


11- رواه الترمذي في كتاب الإيمان عـن رسـول الله (3565) وابـن الـعـربي في "عارضة الأحوذي" (5|316) وأورده الألـبـاني في "صحيح الترمذي" (2641)


(12) سورة الحج آيـة 78-12


(13) 13- سورة الزمر آيـة 12


سورة الممتحنة آيـة 8-14


15- رواه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب (4685) وابن تيمية في"مجموع الفتاوى"(28|208) وأورده كل من أحمد شاكر في "عمدة التفسير" (1|132) والألباني في "مشكلة" الفقر"













إرسال تعليق

0 تعليقات