عز الدين البغدادي
هناك من يطرح فكرة أن
الصوم ليس فريضة ملزمة، بل هو أمر اختياري لأنه الله تعالى قال عن صيام شهر رمضان:
( وعَلَى الذينَ يُطِيقونَه فِدْيَةٌ طَعامُ مِسكينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا
فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وأَنْ تَصومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) بدعوى
أنّ الآية لم تلزم المكلف بل قال له بأن الصيام خير له، إلا أن هذا الرأي غير دقيق.
عموما فقد اختلف في
فهم دلالة هذا النص القرآني، فهناك من قال بأن هذا النص القرآني أثبت الاختيار في
أول التشريع ثم نسخ، وقد احتج بما روي عن سلمة بن الأكوع (صحابي): لما نزلت هذه
الآية: ( وعلى الذين يطيقونه فدية… ) من شاء منا صام، وما شاء منا أن يفطر ويفتدي
فعل ذلك حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ). فثبت
وجوب صيامه تعيينا لا تخييرا بذلك النسخ.
وهناك من قال بأن لا
نسخ في الآية، فهي تحدثت عن خصوص (الذين يطيقونه) أي الذين يقدرون عليه بمشقة.. وللنظر
في دلالة الفعل يطيق فنقول بأنّ هناك من ذكر أن الفعل يطيق ليس بمعنى يقدر بل
بمعنى يفعله مع مشقة.. وهناك من فهم دلالية الفعل بشكل آخر وأن وهو ما صرح به أهل
اللغة من أنّ الفعل ليس من الفعل طاق (ومصدره طاقة) أي قدر بل من أطاق ( ومصدره أطاقة)
وهذه الهمزة للسلب، أي لعكس المعنى مثل قسط وأقسط، ووعد وأوعد حيث إن دخول الهمزة
أول الفعل عكست معناها.
وهناك وجه أغرب ما
قيل بأن ( يطيقونه ) بمعنى "لا يطيقونه" وقد حذفت "لا" منها،
وهو رأي غريب.
عموما برأيي أنه لكي
نفهم تفسير الآية ودلالتها، فلا بد أن النصوص الأخرى التي لا يمكن إهمالها، والتي
دلت على وجوب الصوم، وهي نصوص لا يمكن إهمالها لفهم هذا النص القرآني.
كما ان من المهم هنا
أن نبين بأن العبادات تؤخذ يدا بيد، ولا يعتمد فهمهما على النص فقط، لذا فان إجماع
الأمة وفهم المفسرين وسيرة الأمة سلفا بعد سلف وغيرها من المعطيات لا يمكن إهمالها
لإثبات وجوب الصيام. مع العلم أن تعبير (وأَنْ تَصومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) لا يدل
بالضرورة على التخيير أو مجرد الاستحباب، لأن هذا التعبير أثبت الخيرية وهي أعم من
الوجوب والاستحباب.
ملاحظة: هناك من فهم
الوجوب من قوله تعالى: ( كتب عليكم الصيام ) أي فرض عليكم ووجب عليكم، وإن كان
يحتمل أيضا أن يكون بمعنى شرع عليكم وهو أعم من الوجوب والندب.
رمضان مبارك وتقبل
الله أعمالكم
0 تعليقات