آخر الأخبار

اعتصام ميدان حروراء:


اعتصام ميدان حروراء





خالد الأسود

انتصر علي في معركة الجمل انتصارا ساحقا مؤلما، ثمن النصر كان دماء آلاف المسلمين أراقها مسلمون..

أكرم علي بن أبي طالب السيدة عائشة بعد هزيمتها وسحق جيشها، أرسلها إلى المدينة مع أخيها محمد بن أبي بكر، أعلنت السيدة عائشة نهاية العداوة بين أتباعها ودولة علي بن أبي طالب، اعتذرت للأمير وللناس، قالت إن ماكان بينها وبين علي هو ما يكون بين المرأة وأحمائها(أهل زوجها).
لم يبق إلا ولاية الشام وأميرها معاوية رافضين الخضوع للدولة.
نصب معاوية بن أبي سفيان قميص عثمان بن عفان في مسجد دمشق، تباكى الأئمة أمام القميص الملطخ بالدماء، شحن معاوية قلوب أهل الشام غيظا وحقدا ورغبة في الثأر..


سنة 37 هجريا في منطقة "صفين" الواقعة شرق سوريا على حدود العراق يتجمع 250 ألفا من جيوش المسلمين، انقسموا فريقين: فريق العراق وفيه علي بن طالب الخليفة الشرعي، وفريق الشام على رأسهم معاوية بن أبي سفيان الأمير القوي الداهية.
استمرت المعارك بين الفريقين تسعة أيام متواصلة، يتقاتلون طوال النهار، ثم يلتقون آخره عند نهر الفرات للشرب فيتبادلون اللعن والسب، ثم يعودون لدفن قتلاهم والصلاة عليهم..
في اليوم التاسع يستطيع جيش علي أن يكسر قلب جيوش الشام، أصبح النصر وشيكا، يرى معاوية هزيمته محققة.
يلجأ معاوية لمشورة عمرو بن العاص، يأمر عمرو برفع المصاحف فوق أسنة الرماح، في هذا إعلان أنه يطلب تحكيم القرآن.
لا تنطلي المخادعة على علي بن أبي طالب، لايصدق أن عدوه يطلب تحكيم القرآن وقد أمست هزيمته وشيكة، يهتف في رجاله إنها لخدعة، القرآن حمال أوجه وقد أظهرنا الله عليهم وظهر الحق..
يفاجأ عليُ بآلاف من جيشه يأتونه، تتقدمهم مجموعة رجال اسودت جباههم من كثرة السجود، معروفون بالقراء فهم يقضون طيلة أوقاتهم يقرءون القرآن.


ينادون عليا باسمه مجردا من الإمارة، يصرون على الخضوع لحكم القرآن، يهتفون بقوة وعنف" ما الحكم إلا لله " سيصبح اسمهم في كتب التاريخ "المحكمة"ثم سيصبح "الخوارج" سيستمرون في التاريخ حتى يومنا بأسماء مختلفة ولكن يظل شعارهم " ما الحكم إلا لله"
يصبح علي مجبرا على الخضوع للتحكيم، يجبره المحكمة على أن يكون ممثله في التحكيم عبدالله بن قيس أبو موسى الأشعري، كان اختيارا مريبا غريبا لرجل كان رافضا حرب علي من بدايتها، لم يكن الأشعري مؤمنا بقضية أميره وعدالتها..

يختار معاوية مستشاره العتيد عمرو بن العاص، يلتقي عمرو والأشعري في حضور عشرين رجلا من الفريقين، يأخذان العهود من زعماء الفريقين بقبول نتائج التحكيم..
يقترح عمرو بن العاص خلع الأميرين وإرجاع الأمر للناس، ورغم أن عليا هو الأمير الشرعي الذي بايعه الناس يوافق الأشعري على خلع أميره..
يعلن أبو موسى الأشعري خلع علي بن أبي طالب من الخلافة، ينتظر أن يعلن عمرو خلع معاوية كما اتفقا ليلا..


يتقدم عمرو بن العاص ويوافق زميله على خلع علي بن أبي طالب، ثم يعلن تثبيت أميره معاوية أميرا للمؤمنين، يسود الهرج والمرج، يتبادل الرجلان اللعن والسب..
يحاول دوما أحفاد الخوارج التشكيك في أحداث التحكيم ، هي تنتقص من الصورة الملائكية التي يصدرونها لأتباعهم عن السلف الصالح، لا يحب أن يكونوا بشرا، لا تصح معهم صفات المخادعة والسذاجة..
ينفض التحكيم ولم يسفر عن شئ، يرى رجال المحكمة أصحاب الجباه المسودة من كثرة السجود أن عليا ليس بأمير صدق، ماهو إلا طالب دنيا أراق دماء المسلمين، يخرجون من جيشه، يخلعون بيعته من أعناقهم.

تنفصل المجموعة سلفية العقل عن جيش الإمام علي بعد قصة التحكيم، كفروا الإمام عليا - كرم الله وجهه - كانوا معروفين باسم ( القراء ) لأنهم كانوا أكثر الناس قراءة للقرآن و عرفوا أيضا باسم ( المحكمة ) لأنهم كانوا رافعين شعار ( لا حكم إلا لله ) كما قلنا.
حاول الإمام علي إرجاعهم لصف الأمة، فأرسل إليهم كبار صحابة النبي (ص) ، فعلا استطاع عبدالله بن عباس أن يناظرهم، و ينصرف ألفان منهم ..
استمرت المناظرات بينهم و بين رسل علي و ظل عددهم يتناقص حتى بقى منهم خمسة آلاف .
استمر اعتصامهم المسلح في ميدان حروراء و أقاموا دولة داخل الدولة.
في يوم مر بهم الصحابي عبدالله بن الخباب بن الأرت و كانت معه زوجه الحبلى، كانوا إذا مر بهم مشرك أو كتابي تركوه لأن له ذمة، و إذا مر بهم مسلم سألوه في أبي بكر وعمر وعلي..
أثنى الصحابي عبدالله بن الخباب بن الأرت على الخلفاء الثلاثة، كان جوابا لا يرضي عقيدتهم؛ فذبحوا الصحابي الجليل ثم ذبحوا زوجه ثم بقروا بطنها وأخرجوا الجنين .
لم يكن الإمام علي بالخليفة الضعيف الذي يفرط في أمانة الأمة وهو القائد العسكري ، فخرج بنفسه متقلدا سيفه ذا الفقار، التقاهم في منطقة النهروان ..
فتح لهم علي كرم الله وجهه ممرات آمنة ، أقام راية و أخرج المنادي يصيح : من أتى الراية فهو آمن و من ذهب إلى الكوفة أو المدائن فهو آمن ..
أصروا على القتال و صاحوا :
" لا حكم إلا لله الرواح الرواح إلى الجنة "..
لكن عليا لم يبدأهم القتال حتى قتلوا من جيشه رجلا، فعبأ علي جيشه، هجم هجوما كاسحا،جعل الخيالة في مقدمة الجيش وخلفهم الرجال .


كانت معركة ساحقة اجتاحت هؤلاء الخوارج، في ساعات معدودة أُبيد الخوارج جميعا، لم يبق منهم إلا عشرة كان منهم أحد غلاتهم و يدعى عبد الرحمن بن ملجم، و لم يقتل من جيش الدولة غير تسعة من الجنود ..
بعد عامين من وقعة النهروان التقى ثلاثة من هؤلاء الخوارج في مكة، تعاهدوا على قتل ثلاثة يرونهم كفروا بالله و يعطلون شرعه : معاوية بن أبي سفيان في الشام ، و عمرو بن العاص في مصر ، و علي بن أبي طالب في الكوفة .
تشاء إرادة الله ألا يقتل معاوية و يصاب في إليته إصابة جعلته عقيما ما بقي ، و لا يخرج عمرو لصلاة الفجر و يرسل رئيس شرطته يؤم الناس فيقتل رئيس الشرطة ..
يأتي عبد الرحمن بن ملجم الموتور من يوم النهروان إلى الكوفة ، يتخفى في المدينة و يلتقى أصحابه من الخوارج ، و تقع عيناه على امرأة جميلة تدعى قطام فيتعلق بها قلبه ، يتقدم لخطبتها ، فلا تطلب مهرا غير رأس علي الذي قتل أباها و أخاها يوم النهروان .. فيبتسم الخارجي و يجيبها : و لهذا جئت .
و تكون مشيئة الله ، و بسيف مسموم سنة ٤٠ هجريا يتلقى الإمام علي ضربة الغدر بيد الخارجي الموتور و يلقى ربه الكريم .




إرسال تعليق

0 تعليقات