سلام حمد آل بريبت
قبل الشروع في موضوع
قدسية القرآن الكريم لنفهم معنى كلمة مقدس ونأخذ جولة في معاجم اللغة العربية التي
تتفق على معنى واحد حيث تعني:القدس بسكون الدال وضمها هو
الطهر ، اسم ومصدر حظيرة القدس وروح القدس هو الملاك جبريل والأرض المقدسة المطهرة
ومنه بيت المقدس والقادسية حيث دعا إبراهيم عليه السلام لها بالقدس (المختار من
الصحاح الستة، دار السرور، بيروت، د، ت ، ص 414 ).وانطلاقاً من المعنى اللغوي ورد
في القرآن الكريم (لايمسه إلا المطهرون ) أي لا يفهمه أو يلسمه إلا المطهرون على اختلاف
تفسير معنى هذه الكلمة نظراً للاستعمال اللغوي القرآني وقد ورد المفهوم بمعنى
التزيه المبارك والطهر في قوله: ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك .....هو الله لا إله إلا
هو الملك القدوس. ......اخلع نعليك انك بالوادي المقدس طوى........وفي غيرها لا
تعني القدسية بالمعنى الشائع في عصرنا.
فيما يبدو ان القدسية
والطهورية للخطاب القرآني راجع إلى قائل الخطاب وليس إلى المتكلم وهو عز وعلا لأن
الله تعالى منزه حسب الصفات الجمالية والجلالية عن كل عيب ونقصان ما يدعو إلى
تقديسه من باب تلازمية النص والخطاب والقدسية لله أمر ذاتي لذلك نجد ان القرآن
الكريم يقيم الدليل على وجوده ولا يقيم الدليل على صفاته لأنه ثبت هو فجميع الصفات
لحقت به وأما القدسية للآخرين بما فيهم الأنبياء والمرسلين نحتاج إلى دليل إثبات
قدسيتهم لذلك ركز القرآن الكريم على وجوب طاعتهم والانقياد إلى توجيهاتهم .
والسؤال الذي يطرح
نفسه ما دور الخيال الشعبي في بناء قدسيات في الخط الطولي خارج المقدس في القرآن
الكريم ولو ابتعدنا عن العرف الشرعي القائم على مبدأ التنصيص وهو عرف محكم (بضم
الميم وسكون الكاف)، في التشريع الإسلامي، فإن الخيال الشعبي دور مهم وكبير في
تحويل اللامقدس إلى مقدس، نتيجة التراكم التاريخي ، عوامل أخرى، لذلك أضيفت أعمال
التفسيرية وآراء اجتهادية إلى المقدس سبب سلطة الإجماع والتراكم التاريخي والنفسي
وهما القبول العام لكنها سلطتان غير معرفتين أي سلطة جهل الأمة.
لذلك قدسية صفة
متلازمة للنص وغير لأزمة للتفسيرات والدليل على ذلك إمكانية إضافة أو حذف على
التفسيرات والآراء الفقيه على سبيل المثال الجزية لا تؤخذ من الذمي لأنه أصبح
مواطن، والغنيمة في الحرب ترجع إلى خزينة الدولة بدل من الجنود، ولذلك فالقدسية
ليست أمرا بحتا ، لأنها لا تسند إلى النص بل القائل ، ومن يفسر بمعزل عن القائل
فهو قائل النص وليس قارئة، من تمكن النكته في التأويل حيث تسند إلى القائل لا إلى
المقال.
لذا تعتبر اللغة ليست
لازما ذاتياً للمتكلم بل وسيلة إيصال رسائل بوسائل متعددة، و كلما ابتعد المفسر عن
النص دخل دائرة التعبير عن رأيه، ودخل في تعرجاجة اللغة ومتاهاته لذلك يقدم فهما
خاصاً وبعيدا عن القائل ، فيتلون بألوان المذهبية والطائفية ويجانب الحقيقة، يعزف
خارج الفرقة (الجوقة(.
هنا يتبادر إلى الذهن
سؤال هل يتضمن القرآن الكريم حقائق مقدسة لايمكن الاقتراب منها ؟.
ونعيد السؤال بالصيغة
الثانية هل الأمور الغيبية من مقدسة؟
وهل تقبل الحقائق
القرآنية الجدل المعرفي؟ أم يجب الإذعان لها من دون نقاش وجدال ؟
والحقيقة ان بعض
الباحثين يضيفون حقائق جديدة ويتنالون مسائل حرجة ويبدأ تخيريجها من منظور قرآني
ومرة يسثنون أموراً مثل الغيبيات ويدخلون في دائرة التأويل الذاتي،
وحين نعمل الفكر
جيداً لانجد في كل الأديان السماوية أعظم من الذات الإلهية فنخلص إلى فكرة مفادها
ان لا يوجد شيء بعيد عن النقاش المعرفي، والقرآن الكريم يتخذ من الحوار أسلوب إلى
الوصول إلى معرفة، كما في حوار مع الملائكة في أسباب خلق آدم، وعصيان إبليس،
وحواره مع إبراهيم عليه السلام ولكن يدعو إلى نبذ الأمور التالية:
1-التقليد((وإذا قيل لهم اتبعوا
ما أنزل الله قالوا نتبع ما الفينا عليه أبناءنا ولو كان اباءهم لا يعلقون شيئا
ولا يهتدون)
2-اتباع الظن ((إِن تُطِعْ
أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ
إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ).
3- تحريف الكلم عن مواضعه (َ الَّذِينَ
هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا
وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ
وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا
وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ
اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ).
4-تبديل القول وتحويره : ((فمن
بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه(.
5- إتباع الهوى ( وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ
بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ).
كما أن القرآن الكريم اشترط في
النقاش الموضوعية والأمانة العلمية والعدل ومتابعة الدليل والنقد البناء .
واحترام الرأي الآخر
وعدم الغمز والهمز والسب والشتم والابتعاد عن التحريض والتعريض سواء كان الشخص
مؤمناً أو غير مؤمن أما الغيبيات فهي موضوع أجنبي لا يتربط بالموضوع حيث لا يتربط
بالمقاربات المعرفية إنما حالة إيمانية منظور ديني ، وأي فهم للقرآن الكريم مرحب
به، شرط أن يبتعد المقصود الإيديولوجي للشخص ونوازعه الذاتية والكراهية والحقد بل
البحث عن الحقيقة والوصول إليها عن طريق البحث العلمي السليم.
0 تعليقات