محمود جابر
من كلام امير
المؤمنين :"أوَّل الدِّين معرفته، وكمال معرفته التّصديق
به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي
الصفات عنه، لشهادة كلّ صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كلّ موصوف أنه غير الصّفة،
فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزّأه، ومن جزّأه
فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حدَّه، ومن حدَّه فقد عدَّه،
ومن قال "فِيمَ" فقد ضمَّنهُ، ومن قال "علام؟" فقد أخلى منه. كائنٌ لا عن حدَثٍ، موجودٌ لا عن عدم، مع كلّ شيء لا بمقارنة، وغيرُ كلّ
شيء لا بمزايلة، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة، بصيرٌ إذ لا منظور إليه من خلقه،
متوحِّدٌ إذ لا سكن يستأنسُ به، ولا يستوحش لفقده" .
من يتأمل هذه الخطبة
لا يشكل عليه لحظة أن الحقائق البينة فى الإيمان بالله تعالى و حينما يطلب من
عباده الإيمان بأي قضية غيبية يستدل عليها بدليل عقلي ، فأعظم ركن في دين الله هو
الإيمان بوجوده سبحانه وتعالى ، فحينما أمرنا أن نؤمن بوجوده استدل على وجوده بأدلة
عقلية كثيرة منها قوله تعالى : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ
هُمُ الْخَالِقُونَ) .
الله تعالى يضع
الإنسان الذي ينكر وجود خالق لهذا الكون أمام فرضتين لا ثالث لهما ، الأولى الخلق
من العدم ، والفرضية الثانية أن الإنسان خلق نفسه بنفسه ، وهذه الفرضيات العقلية
هي فرضيات فلسفية عقلية وعند مناقشتها عقليا تؤدي بالضرورة إلى الإيمان بوجود خالق
لهذا الكون، وكذلك حينما أراد الحق عز وجل أن نؤمن بوحدانيته وأنه لا شريك له ،
استدل بأدلة عقليه ومنها قوله تعالى :( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا
اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ. (
وهذا دليل فلسفي عقلي
كذلك، فالآية الكريمة تبين أن الكون لا يصلح ان يكون فيه إلا إله واحد فوجود إله
آخر يؤدي إلى فساد الكون بسبب تصادم إرادة الآلهة، وكذلك قوله تعالى : (مَا
اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ
كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ
اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ .(
وكذلك حينما أراد
الله تعالى من عباده أن يؤمنوا باليوم الآخر، ضرب لهم الكثير من الأدلة العقلية
التي تقرب للناس حتمية ان يكون في نهاية هذه الحياة يوم آخر، قال تعالى : اعْلَمُوا
أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ
وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ
الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا
وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا
الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ.
وفي هذه الآية
الكريمة يوضح الحق عز وجل الدليل العقلي لإثبات الدليل النقلي المتعلق بركن
الإيمان باليوم الآخر.
والمتأمل لكتاب الله
يصل إلى نتيجة أنه ما من قضية أمرنا الله تعالى أن نؤمن بها إلا وحشد لها من
الأدلة العقلية الفلسفية ما يجعل العقل البشري يسلم تسليما مطلقا بصحة الدليل
النقلي.
فماذا نستنتج من
ذلك؟؟
نستنتج ما يلي:
1- أن
النقل يحتاج إلى العقل.
2- لا حجة
للنقل مالم نقف على إدراكه.
3- عجز الإدراك
العقلى يسقط التكليف .
4- لا محاججة
بدون عقل لأدراك المفهوم النقلى.
وعليه فإنه يجب علينا أن ندرك ان اهمية الدليل العقلي الذي يعتبر بمثابة المفتاح الذي ندخل من
خلاله للأدلة النقلية ، فالله تعالى حينما أمر الناس أن يؤمنوا بأن القرآن الكريم
هو من عند الله استدل لهم على ذلك بالأدلة العقلية ، فتحداهم أن يأتوا بسورة من
مثله، وتحداهم أن يجدوا أي اختلاف أو تعارض بين آياته فقال تعالى : (أفلا يتدبرون
القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. (
ومن هنا يتبين مدى
حاجة الأدلة النقل لعلق يدرك هذا المعنى التكليفى النقلى.
0 تعليقات